بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمۡ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلۡمَجَٰلِسِ فَٱفۡسَحُواْ يَفۡسَحِ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (11)

ثم قال عز وجل : { يا أيها الذين آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ في المجالس } ، قرأ عاصم { في المجالس } بلفظ الجمع ، والباقون { في المجلس } يعني : في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم . نزلت في ثابت بن قيس ، وكان في أذنيه شيء من الثقل ، فحضر مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخذوا مجالسهم ، فبقي قائماً فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «رَحِمَ الله مَنْ وَسَّعَ لأَخِيهِ » فنزلت الآية . وروى معمر ، عن قتادة أنه قال : كان الناس يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لهم : إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس ، { فافسحوا } يعني : وسعوا المجلس . { يَفْسَحِ الله لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشزوا فَانشُزُواْ } يعني : إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا .

وروى معمر ، عن الحسن قال : هذا في الغزاة ؛ وقال مجاهد : { تَفَسَّحُواْ في المجالس } يعني : مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خاصة { وَإِذَا قِيلَ انشزوا فانشزوا } إلى كل خير وقتال عدو وأمر بالمعروف . وروي عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ ، ولكن تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا » . قرأ نافع وابن عامر وعاصم في إحدى الروايتين { انشزوا } بالضم للشين ، والباقون بالكسر وهما لغتان . يقال : نشز ينشز يعني : إذ قيل لكم انهضوا يعني : قوموا لا تتثاقلوا ، ويقال : { انشزوا } يعني : قوموا للصلاة وقضاء حق أو شهادة فانشزوا يعني : انهضوا .

ثم قال :{ يَرْفَعِ الله الذين آمَنُواْ مِنكُمْ والذين أُوتُواْ العلم درجات } يعني : من كان له إيمان وعلم ، وكان له فضائل على الذين يقومون وليس بعالم ، قال الضحاك : { يَرْفَعِ الله الذين آمَنُواْ مِنكُمْ } وقد تم الكلام . ثم قال : { والذين أُوتُواْ العلم درجات } يعني : لأهل العلم درجات ، أي : الذين أوتوا العلم في الدنيا ولهم درجات في العقبى . قال : وللعلماء مثل درجة الشهداء ، وقال مقاتل : إذا انتهى المؤمن إلى باب الجنة ، يقال للمؤمن الذي ليس بعالم : ادخل الجنة بعملك ، ويقال للعالم : أقم على باب الجنة واشفع للناس ، وقال ابن مسعود :{ يَرْفَعِ الله الذين آمَنُواْ مِنكُمْ والذين أُوتُواْ العلم } على الذين آمنوا منكم ولم يؤتوا العلم درجات . ثم قال : { والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } من التفسح في المجلس وغيره .