{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } أي وما أرسلناك بهذه الحنفية والدين الفطري ، إلا حال كونك رحمة للخلق ؛ فإن ما بعثت به سبب لسعادة الدارين . وفي جعله نفس الرحمة مبالغة جلية . وجوز كون { رحمة } مفعولا له . أي للرحمة ، فهو نبي الرحمة .
قال الرازي : إنه عليه السلام كان رحمة في الدين وفي الدنيا . أما في الدين فلأنه بعث والناس في جاهلية وضلالة وأهل الكتابين كانوا في حيرة من أمر دينهم ، لطول مكثهم وانقطاع تواترهم ووقوع الاختلاف في كتبهم . فبعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم حين لم يكن لطالب الحق سبيل إلى الفوز والثواب . فدعاهم إلى الحق وبين لهم سبيل الثواب ، وشرع لهم الأحكام وميز الحلال من الحرام . ثم إنما ينتفع بهذه الرحمة من كانت همته طلب الحق ، فلا يركن إلى التقليد ولا إلى العناد والاستكبار ، وكان التوفيق قرينا له . قال الله تعالى : { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء } إلى قوله تعالى : { وهو عليهم عمى } وأما في الدنيا فلأنهم تخلصوا بسببه من كثير من الذل والقتال والحروب ، ونصروا ببركة دينه . انتهى .
وقد أشرت إلى وجه الرحمة في بعثته صلوات الله عليه ، في ( الشذرة ) التي جمعتها في سيرته الزكية ، في بيان افتقار الناس جميعا إلى رسالته ، فقلت : كل من لحظ بعين الحكمة والاعتبار ، ونفذت بصيرته إلى مكنون الأسرار ، علم حاجة البشر كافة إلى رسالة خاتم النبيين ، وأكبر منة الله به على العالمين ، فقد بعث صلوات الله عليه وسلامه على حين فترة من الرسل ، وإخافة للسبل ، وانتشار من الأهواء ، وتفرق من الملل ، ما بين مشبه لله بخلق ، وملحد في اسمه ، ومشير إلى غيره ، كفر بواح ، وشرك صراح ، وفساد عام ، وانتهاب للأموال والأرواح واغتصاب للحقوق ، وشن للغارات ، ووأد البنات وأكل للدماء والميتات ، وقطع للأرحام ، وإعلان بالسفاح ، وتحريف للكتب المنزلة ، واعتقاد لأضاليل المتكهنة ، وتأليه للأحبار والرهبان ، وسيطرة من جبابرة الجور وزعماء الفتن وقادة الغرور ، ظلمات بعضها فوق بعض ، وطامات طبقت أكناف الأرض ، استمرت الأمم على هذه الحال ، الأجيال الطوال ، حتى دعا داعي الفلاح ، وأذن الله تعالى بالإصلاح . فأحدث بعد ذلك أمرا ، وجعل بعد عسر يسرا . فإن النوائب إذا تناهت انتهت ، وإذا توالت تولت . وذلك أن الله تعالى أرسل إلى البشر رسولا ليعتقهم من أسر الأوثان ، ويخرجهم من ظلمة الكفر وعمى التقليد إلى نور الإيمان ، وينقذهم من النار والعار ، ويرفع عنهم الآصار ، ويطهرهم من مساوئ الأخلاق والأعمال ، ويرشدهم إلى صراط الحق . قال تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } وقال تعالى : { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.