تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ يَكُن شَيۡـٔٗا مَّذۡكُورًا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الإنسان مكية وآياتها إحدى وثلاثون ، تسمى الدهر ، والأبرار ، والأمشاج ، وهي مدنية عند جمهور العلماء نزلت بعد سورة الرحمن ، وعدد آياتها إحدى وثلاثون آية .

تشتمل سورة الإنسان على ثلاثة مقاصد :

الأول : كيف خلق الله الإنسان تتميما لما ذكر في آخر سورة القيامة ، وذلك من أول السورة إلى قوله { سميعا بصيرا } .

الثاني : في جزاء الشاكرين ومجازاة الكافرين ، ووصف الجنة والنار ، وذلك من قوله تعالى { إنا هديناه السبيل } إلى قوله : { وكان سعيكم مشكورا } .

الثالث : أمرُ النبي بالصبر ، وذكر الله ، والتهجد بالليل ، وذلك من قوله تعالى { إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا } إلى آخر السورة .

فتبدأ السورة بالتذكير بنشأة الإنسان وتقدير الله في هذه النشأة على أساس الابتلاء ، وتُختم ببيان عاقبة الابتلاء ، فتوحي بذلك البدء والختام بما وراء الحياة كلها من تدبير وتقدير لا ينبغي معه أن يمضي الإنسان في استهتاره ، غير واع ولا مدرك ، وهو مخلوق ليُبتلى ، وقد وهبه الله نعمة الإدراك لينجح في الاختبار والابتلاء .

وقد سميت " سورة الإنسان " لقوله تعالى : { هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا } وكذلك سورة الدهر بقوله : " حين من الدهر " . وسورة الأبرار بقوله : " إن الأبرار يشربون . . . . . . . } .

ثم تفصّل السورة في صورة النعيم تفصيلا طويلا ، وما في هذه الصورة من النعيم الحسي هو الذي جعل بعض العلماء يحتج أن هذه السورة مكية ، لأن المشركين كانوا قريبي عهد بالجاهلية لا يؤمنون بالمحسوس من متاع الدنيا . وما يزال هذا اللون من المتاع يثير تطلّع صنوف من الناس ، ويُرضي رغباتهم . وقد تحدثت السورة عن النعيم الذي أعده الله في الآخرة لأهل الجنة ، ثم ذكرت أوصاف هؤلاء السعداء بشيء من الإسهاب ، بوفائهم بالنَذْر ، وإطعام الفقراء ابتغاء مرضاة الله ، وأشادت بما لهم عند الله من الأجر والكرامة في دار الإقامة ، وأفاضت في سرد نعيم أهل الجنة في مأكلهم ومشربهم ، وملبسهم ، وخدمهم .

ثم أمرت الرسول الكريم بالصبر ، وذكر ربه بكرة وأصيلا ، وصلاة الليل ، وأنذرت من يحبون الدنيا ويؤثرونها على الآخرة ، . ثم خُتمت السورة ببيان أن هذا القرآن تذكرة لمن كان له قلب { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ، وما تشاؤن إلا أن يشاء الله ، إن الله كان عليما حكيما } . . .

هل أتى : قد أتى ، استفهام معناه التقرير والتأكيد .

حين : وقت من الزمن غير محدود .

يخبر الله تعالى عباده في هذه الآية أنه قد مضى على الإنسان وقتٌ من الزمن غير معلوم لديه لم يكن شيئا يُذكر ، ولا يعرف .