المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ يَكُن شَيۡـٔٗا مَّذۡكُورًا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الإنسان{[1]}

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الإنسان قال بعض المفسرين هي مكية كلها وحكى النقاش والثعلبي عن مجاهد وقتادة أنها مدنية وقال الحسن وعكرمة منها آية مكية وهي قوله تعالى 'ولا تطع منهم آثما أو كفورا' الإنسان 24 والباقي مدني وأنها نزلت في صنيع علي بن أبي طالب في إطعامه عشاءه وعشاء أهله وولده لمسكين ليلة ثم ليتيم ليلة ثم لأسير ليلة متواليات وقيل نزلت في صنيع ابن الدحداح رضي الله عنه{[2]} والله اعلم

{ هل } في كلام العرب قد يجيء بمعنى «قد » حكاه سيبويه ، لكنها لا تخلو من تقرير وبابها المشهور الاستفهام المحض والتقرير أحياناً . فقال ابن عباس وقتادة هي هنا بمعنى «قد » ، و { الإنسان } يراد به آدم عليه السلام ، و «الحين » : هي المدة التي بقي طيناً قبل أن ينفخ فيه الروح ؛ أي أنه شيء ولم يكن مذكوراً منوهاً به في العالم وفي حالة العدم المحض قبل { لم يكن شيئاً } ولا { مذكوراً } ، وقال أكثر المتأولين : { هل } تقرير ، و { الإنسان } اسم الجنس ، أي إذا تأمل كل إنسان نفسه علم بأنه قد مر { حين من الدهر } عظيم { لم يكن } هو فيه { شيئاً مذكوراً } ، أي لم يكن موجوداً ، وقد يسمى الموجود { شيئاً } فهو مذكور بهذا الوجه ، و «الحين » هنا : المدة من الزمن غير محدودة تقع للقليل والكثير ، وإنما تحتاج إلى تحديد الحين في الإيمان ، فمن حلف أن لا يكلم أخاه حيناً ، فذهب بعض الفقهاء إلى أن الحين سنة ، وقال بعضهم : ستة أشهر ، والقوي في هذا أن { الإنسان } اسم جنس وأن الآية جعلت عبرة لكل أحد من الناس ليعلم أن الصانع له قادر على إعادته .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.