تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ} (3)

{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا }

أي : وإن خفتم ألا تعدلوا في يتامى النساء اللاتي تحت حجوركم وولايتكم وخفتم أن لا تقوموا بحقهن لعدم محبتكم إياهن ، فاعدلوا إلى غيرهن ، وانكحوا { مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء } أي : ما وقع عليهن اختياركم من ذوات الدين ، والمال ، والجمال ، والحسب ، والنسب ، وغير ذلك من الصفات الداعية لنكاحهن ، فاختاروا على نظركم ، ومن أحسن ما يختار من ذلك صفة الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يمينك "

وفي هذه الآية - أنه ينبغي للإنسان أن يختار قبل النكاح ، بل وقد أباح له الشارع النظر إلى مَنْ يريد تزوجها ليكون على بصيرة من أمره . ثم ذكر العدد الذي أباحه من النساء فقال : { مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } أي : من أحب أن يأخذ اثنتين فليفعل ، أو ثلاثا فليفعل ، أو أربعا فليفعل ، ولا يزيد عليها ، لأن الآية سيقت لبيان الامتنان ، فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله تعالى إجماعا .

وذلك لأن الرجل قد لا تندفع شهوته بالواحدة ، فأبيح له واحدة بعد واحدة ، حتى يبلغ أربعا ، لأن في الأربع غنية لكل أحد ، إلا ما ندر ، ومع هذا فإنما يباح له ذلك إذا أمن على نفسه الجور والظلم ، ووثق بالقيام بحقوقهن .

فإن خاف شيئا من هذا فليقتصر على واحدة ، أو على ملك يمينه . فإنه لا يجب عليه القسم في ملك اليمين { ذَلِك } أي : الاقتصار على واحدة أو ما ملكت اليمين { أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } أي : تظلموا .

وفي هذا أن تعرض العبد للأمر الذي يخاف منه الجور والظلم ، وعدم القيام بالواجب -ولو كان مباحًا- أنه لا ينبغي له أن يتعرض ، له بل يلزم السعة والعافية ، فإن العافية خير ما أعطي العبد .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ} (3)

وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } أي إن خفتم أن لا تعدلوا في يتامى النساء إذا تزوجتم بهن ، فتزوجوا ما طاب لكم من غيرهن . إذ كان الرجل يجد يتيمة ذات مال وجمال فيتزوجها ضنا بها ، فربما يجتمع عنده منهن عدد ولا يقدر على القيام بحقوقهن . أو إن خفتم أن لا تعدلوا في حقوق اليتامى فتحرجتم منها فخافوا أيضا أن لا تعدلوا بين النساء فانكحوا مقدارا يمكنكم الوفاء بحقه ، لأن المتحرج من الذنب ينبغي أن يتحرج من الذنوب كلها على ما روي : أنه تعالى لما عظم أمر اليتامى تحرجوا من ولايتهم وما كانوا يتحرجون من تكثير النساء وإضاعتهم فنزلت . وقيل : كانوا يتحرجون من ولاية اليتامى ولا يتحرجون من الزنى ، فقيل لهم إن خفتم أن لا تعدلوا في أمر اليتامى فخافوا الزنى ، فانكحوا ما حل لكم . وإنما عبر عنهن بما ذهابا إلى الصفة أو إجراء لهن مجرى غير العقلاء لنقصان عقلهن ، ونظيره { أو ما ملكت أيمانكم } وقرئ { تقسطوا } بفتح التاء على أن " لا " مزيدة أي إن خفتم إن تجوروا . { مثنى وثلاث ورباع } معدولة عن أعداد مكررة وهي : ثنتين ثنتين ، وثلاثا ثلاثا ، وأربعا أربعا0 وهي غير منصرفة للعدل والصفة فإنها بنيت صفات وإن كانت أصولها لم تبن لها . وقيل لتكرير العدل فإنها معدولة باعتبار الصفة والتكرير منصوبة على الحال من فاعل طاب ومعناها : الإذن لكل ناكح يريد الجمع أن ينكح ما شاء من العدد المذكور متفقين فيه ومختلفين كقولك : اقتسموا هذه البدرة درهمين درهمين ، وثلاثة ثلاثة ، ولو أفردت كان المعنى تجويز الجمع بين هذه الأعداد دون التوزيع ولو ذكرت بأو لذهب تجويز الاختلاف في العدد . فإن حفتم ألا تعدلوا } بين هذه الأعداد أيضا . { فواحدة } فاختاروا أو فانكحوا واحدة وذروا الجمع . وقرئ بالرفع على أنه فاعل محذوف أو خبره تقديره فتكفيكم واحدة ، أو فالمقنع واحدة . { أو ما ملكت أيمانكم } سوى بين الواحدة من الأزواج والعدد من السراري لخفة مؤنهن وعدم وجوب القسم بينهن { ذلك } أي التقليل منهن أو اختيار الواحدة أو التسري . { أدنى ألا تعولوا } أقرب من أن لا تميلوا ، يقال عال الميزان إذا مال وعال الحاكم إذا جار ، وعول الفريضة الميل عن حد السهام المسماة . وفسر بأن لا تكثر عيالكم على أنه من عال الرجل عياله يعولهم إذا مانهم ، فعبر عن كثرة العيال بكثرة المؤن على الكناية . ويؤيده قراءة " أن لا تعيلوا " من أعال الرجل إذا كثر عياله ، ولعل المراد بالعيال الأزواج وإن أريد الأولاد فلأن التسري مظنة قلة الولد بالإضافة إلى التزوج لجواز العزل فيه كتزوج الواحدة بالإضافة إلى تزوج الأربع .