تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُواْ ٱلۡعِدَّةَۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخۡرُجۡنَ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ أَمۡرٗا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الطلاق [ وهي مدنية ]

{ 1-3 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا }

يقول تعالى مخاطبًا لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين :

{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ } أي : أردتم طلاقهن { ف } التمسوا لطلاقهن الأمر المشروع ، ولا تبادروا بالطلاق من حين يوجد سببه ، من غير مراعاة لأمر الله .

بل { طَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أي : لأجل عدتهن ، بأن يطلقها زوجها وهي طاهر ، في طهر لم يجامعها فيه ، فهذا الطلاق هو الذي تكون العدة فيه واضحة بينة ، بخلاف ما لو طلقها وهي حائض ، فإنها لا تحتسب تلك الحيضة ، التي وقع فيها الطلاق ، وتطول عليها العدة بسبب ذلك ، وكذلك لو طلقها في طهر وطئ فيه ، فإنه لا يؤمن حملها ، فلا يتبين و [ لا ] يتضح بأي عدة تعتد ، وأمر تعالى بإحصاء العدة ، أي : ضبطها بالحيض إن كانت تحيض ، أو بالأشهر إن لم تكن تحيض ، وليست حاملاً ، فإن في إحصائها أداء لحق الله ، وحق الزوج المطلق ، وحق من سيتزوجها بعد ، [ وحقها في النفقة ونحوها ] فإذا ضبطت عدتها ، علمت حالها على بصيرة ، وعلم ما يترتب عليها من الحقوق ، وما لها منها ، وهذا الأمر بإحصاء العدة ، يتوجه [ للزوج ]{[1132]}  وللمرأة ، إن كانت مكلفة ، وإلا فلوليها ، وقوله : { وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ } أي : في جميع أموركم ، وخافوه في حق الزوجات المطلقات ، ف { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ } مدة العدة ، بل يلزمن بيوتهن{[1133]}  الذي طلقها زوجها وهي فيها .

{ وَلَا يَخْرُجْنَ } أي : لا يجوز لهن الخروج منها ، أما النهي عن إخراجها ، فلأن{[1134]}  المسكن ، يجب على الزوج للزوجة{[1135]} ، لتكمل فيه عدتها التي هي حق من حقوقه .

وأما النهي عن خروجها ، فلما في خروجها ، من إضاعة حق الزوج وعدم صونه .

ويستمر هذا النهي عن الخروج من البيوت ، والإخراج إلى تمام العدة .

{ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } أي : بأمر قبيح واضح ، موجب لإخراجها ، بحيث يدخل على أهل البيت الضرر من عدم إخراجها ، كالأذى بالأقوال والأفعال الفاحشة ، ففي هذه الحال يجوز لهم إخراجها ، لأنها هي التي تسببت لإخراج نفسها ، والإسكان فيه جبر لخاطرها ، ورفق بها ، فهي التي أدخلت الضرر على نفسها{[1136]} ، وهذا في المعتدة الرجعية ، وأما البائن ، فليس لها سكنى واجبة ، لأن السكن تبع للنفقة ، والنفقة تجب للرجعية دون البائن ، { وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } [ أي : ] التي حددها لعباده وشرعها لهم ، وأمرهم بلزومها ، والوقوف معها ، { وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ } بأن لم يقف معها ، بل تجاوزها ، أو قصر عنها ، { فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } أي : بخسها حظها ، وأضاع نصيبه من اتباع حدود الله التي هي الصلاح في الدنيا والآخرة . { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } أي : شرع الله العدة ، وحدد الطلاق بها ، لحكم عظيمة : فمنها : أنه لعل الله يحدث في قلب المطلق الرحمة والمودة ، فيراجع من طلقها ، ويستأنف عشرتها ، فيتمكن من ذلك مدة العدة ، أولعله يطلقها لسبب منها ، فيزول ذلك السبب في مدة العدة ، فيراجعها لانتفاء سبب الطلاق .

ومن الحكم : أنها مدة التربص ، يعلم براءة رحمها من زوجها .


[1132]:- زيادة من هامش: ب.
[1133]:- في ب: بل تلزم بيتها.
[1134]:- كذا في ب، وفي أ: فإن.
[1135]:- كذا في أ: يجب للزوجة عليه.
[1136]:- في ب: عليها.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُواْ ٱلۡعِدَّةَۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخۡرُجۡنَ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ أَمۡرٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الطلاق

مدنية وآياتها 12 نزلت بعد الإنسان

{ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } إن قيل : لم نودي النبي صلى الله عليه وسلم وحده ثم جاء بعد ذلك خطاب الجماعة ؟ فالجواب : أنه لما كان حكم الطلاق يشترك فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأمته ، قيل : إذا طلقتم خطابا له ولهم وخص هو عليه الصلاة والسلام بالنداء تعظيما له ، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم يا فلان افعلوا أي : افعل أنت وقومك ، ولأنه عليه الصلاة والسلام هو المبلغ لأمته ، فكأنه قال : يا أيها النبي إذا طلقت أنت وأمتك وقيل : تقديره يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم وهذا ضعيف لأنه يقتضي أن هذا الحكم مختص بأمته دونه ، وقيل : إنه خوطب النبي صلى الله عليه وسلم بطلقتم تعظيما له ، كما تقول للرجل المعظم أنتم فعلتم ، وهذا أيضا ضعيف ، لأنه يقتضي اختصاصه عليه الصلاة والسلام بالحكم دون أمته ، ومعنى { إذا طلقتم } هنا : إذا أردتم الطلاق ، واختلف في الطلاق هل هو مباح أو مكروه ، فأما إذا كان على غير وجه السنة فهو ممنوع ولكن يلزم ، وأما اليمين بالطلاق فممنوع .

{ فطلقوهن لعدتهن } تقديره طلقوهن مستقبلات لعدتهن ، ولذلك قرأ عثمان وابن عباس وأبي بن كعب فطلقوهن في قبل عدتهن وقرأ ابن عمر لقبل عدتهن ورويت القراءتان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى ذلك كله لا يطلقها وهي حائض ، فهو منهي عنه بإجماع لأنه إذا فعل ذلك لم يقع طلاقه في الحال التي أمر الله بها وهو استقبال العدة .

واختلف في النهي عن الطلاق في الحيض هل هو معلل بتطويل العدة ، أو هو تعبد ؟ والصحيح أنه معلل بذلك .

وينبني على هذا الخلاف فروع منها : هل يجوز إذا رضيت به المرأة أم لا ؟ ومنها هل يجوز طلاقها في الحيض وهي حامل أم لا ؟ ومنها هل يجوز طلاقها قبل الدخول وهي حائض أم لا ؟ فالتعليل بتطويل العدة يقتضي جواز هذه الفروع ، والتعبد يقتضي المنع ، ومن طلق في الحيض لزمه الطلاق ، ثم يؤمر بالرجعة على وجه الإجبار عند مالك وبدون إجبار عند الشافعي حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك ، حسبما ورد في حديث ابن عمر حين طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له : " مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك " واشترط مالك أن يطلقها في طهر لم يمسها فيه ليعتد بذلك الطهر فإنه إن طلقها في طهر بعد أن جامعها فيه فلا تدري هل تعتد بالوضع أو بالأقراء فليس طلاقها لعدتها كما أمر الله .

{ وأحصوا العدة } أمر بذلك لما ينبني عليها من الأحكام في الرجعة والسكنى والميراث وغير ذلك .

{ لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن } نهى الله سبحانه وتعالى أن يخرج الرجل المرأة المطلقة من المسكن الذي طلقها فيه ونهاها هي أن تخرج باختيارها ، فلا يجوز لها المبيت خارجا عن بيتها ولا أن تغيب عنه نهارا إلا لضرورة التصرف ، وذلك لحفظ النسب وصيانة المرأة ، فإن كان المسكن ملكا للزوج ، أو مكترى عنده ، لزمه إسكانها فيه ، وإن كان المسكن لها فعليه كراؤه مدة العدة وإن كانت قد أمتعته فيه مدة الزوجية ففي لزوم خروج العدة له قولان في المذهب والصحيح لزومه لأن الامتناع قد انقطع بالطلاق .

{ إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } اختلف في هذه الفاحشة التي أباحت خروج المعتدة ما هي ؟ على خمسة أقوال :

الأول : أنها الزنا فتخرج لإقامة الحد قاله الليث بن سعد والشعبي .

الثاني : أنه سوء الكلام مع الأصهار فتخرج ويسقط حقها من السكنى ، ويلزمها الإقامة في مسكن تتخذه حفظا للنسب ، قاله ابن عباس ويؤيده قراءة أبي بن كعب ، إلا أن يفحشن عليكم . الثالث : أنه جميع المعاصي من القذف والزنا والسرقة وغير ذلك ، فمتى فعلت شيئا من ذلك سقط حقها في السكنى ، قاله ابن عباس أيضا وإليه مال الطبري .

الرابع : أنه الخروج عن بيتها خروج انتقال فمتى فعلت ذلك سقط حقها في السكنى قاله ابن الفرس : وإلى هذا ذهب مالك في المرأة إذا نشزت في العدة .

الخامس : أنه النشوز قبل الطلاق ، فإذا طلقها بسبب نشوزها فلا يكون عليه سكنى قاله قتادة .

{ لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } المراد به الرجعة عند الجمهور أي : أحصوا العدة وامتثلوا ما أمرتم به لعل الله يحدث الرجعة لنسائكم ، وقيل : إن سبب الرجعة المذكورة في الآية تطليق النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة بنت عمر فأمره الله بمراجعتها .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُواْ ٱلۡعِدَّةَۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخۡرُجۡنَ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ أَمۡرٗا} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مدنية وآياتها اثنا عشرة آية . وقيل : اثنتا عشرة آية ويحتل الحديث عن الطلاق والعدة وأحكامهما شطرا كبيرا من السورة . ونبين كلا من ذلك حينه إن شاء الله .

وفي السورة تعظيم لشأن التقوى وهي ما يستكن في القلوب من مخافة لله وما يستشعره المرء في أعماقه من رقابة لله عليه ليظل بهذا الشعور رهيف الحس والضمير ، مستديم الرهبة والخوف من الله . ثم يأتي الإعلان عقب ذلك عن أن تقوى الله منجاة للمرء من الكروب ومخرج له من الضيق والعسر . إلى غير ذلك من أحكام المطلقات وعدتهن والإنفاق عليهن .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ ياأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } .

روي عن أنس قال : طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقيل له : راجعها فإنها صوّامة قوّامة وهي من إحدى أزواجك ونسائك في الجنة .

وروى البخاري عن سالم أن عبد الله بن عمر أخبره أنه طلق امرأة له وهي حائض فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر بها الله عز وجل " {[4559]} .

والله ( جل وعلا ) يخاطب في هذه الآية رسوله صلى الله عليه وسلم أولا تشريفا له وتعظيما ثم يخاطب أمته من بعده بقوله : { ياأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } أي لا يطلق أحدكم امرأته وهي حائض ولا في طهر قد جامعها فيه . ولكن يتركها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها طلقة واحدة . وعلى هذا فإن الطلاق من حيث حكمه قسمان ، وهما طلاق السنة وطلاق البدعة : أما طلاق السنة : فهو أن يطلقها وهي طاهرة من غير جماع . أو يطلقها وهي حامل قد استبان حملها . وأما الطلاق البدعي : فهو أن يطلقها وهي حائض أو في طهر جومعت فيه ولا يدري هل حملت أم لا . وثمة طلاق ثالث ليس فيه سنة ولا بدعة ، وهو طلاق الصغيرة والآيسة وغير المدخول بها .

وروى الدارقطني عن ابن عباس قال : الطلاق على أربعة وجوه : وجهان حلالان ، ووجهان حرامان . فأما الحلال : فأن يطلقها طاهرا عن غير جماع . وأن يطلقها حاملا مستبينا حملها . وأما الحرام : فأن يطلقها وهي حائض أو يطلقها حين يجامعها ، لا تدري اشتمل الرحم على ولد أم لا .

وعلى هذا ، من طلق زوجته في طهر لم يجامعها فيه فقد نفذ طلاقه وأصاب السنة . أما إن طلقها وهي حائض أو في طهر قد جومعت فيه ، فقد نفذ طلاقه وأخطأ السنة . وقيل : لا يقع الطلاق في الحيض ، لأنه خلاف السنة وهو قول الشيعة . والصحيح الأول وهو قول أكثر أهل العلم ، فمن طلق امرأته حائضا وقع طلاقه وخالف السنة . وفي ذلك ثبت في الصحيحين - واللفظ للدارقطني - عن عبد الله ابن عمر قال : طلقت امرأتي وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ليراجعها ثم ليمسكها حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها ، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا من حيضتها قبل أن يمسها فذلك الطلاق للعدة كما أمر الله " وكان عبد الله بن عمر طلقها تطليقة ، فحسبت من طلاقها وراجعها عبد الله بن عمر كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وذكر عن عبد الله بن مسعود أنه قال : طلاق السنة أن يطلقها في كل طهر تطليقة واحدة . وهو مذهب أكثر أهل العلم . وهو قول الحنفية والمالكية وآخرين . واستندوا في ذلك إلى حديث عبد الله بن عمر المتقدم . وعند الشافعية ، لو طلقها ثلاثا في طهر واحد لم يكن بدعة ، واحتج لذلك بما رواه الدارقطني بسنده أن عبد الرحمان بن عوف طلق امرأته تماضر بنت الأصبغ الكلبية ثلاث تطليقات في كلمة واحدة فلم يعبه أحد من أصحابه واحتج أيضا بحديث عويمر العجلاني لما لاعن قال : يا رسول الله ، هي طالق ثلاث . فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم{[4560]} .

قوله : { وأحصوا العدة } أي اضبطوا العدة بحفظ الوقت الذي وقع فيه الطلاق ، وأكملوها ثلاثة أقراء كاملات لا نقصان فيهن .

أما المخاطب بأمر الإحصاء فهم الأزواج ، لأن الضمائر في قوله : { طلقتم } وقوله : { وأحصوا } وقوله : { لا تخرجوهن } ترجع كلها إلى الأزواج . على أن الزوجات يدخلن في المخاطبين على سبيل الإلحاق . فهن يشتركن مع الأزواج في بعض الأمور كالإحصاء للمراجعة ، وإلحاق النسب أو انقطاعه . وقيل : المخاطب ، المسلمون .

قوله : { واتقوا الله ربكم } أي خافوا الله ربكم فاحذروا أن تعصوه أو تتعدوا حدوده { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن } أي ليس لكم أيها الأزواج أن تخرجوا زوجاتكم المطلقات من بيوتهن التي كنتم أسكنتموهن فيها قبل الطلاق ، ما دمن في عدتهن . وليس لهن أن يخرجن وذلك لحق الزوج ، إلا لضرورة ظاهرة . فإن خرجت من بيتها في حال عدتها من غير ضرورة فهي آثمة ولا تنقطع عدتها . ويستوي في ذلك ، الرجعية والمبتوتة .

على أن المطلقة ليس لها أن تخرج من بيتها لا في الليل ولا في النهار ، رجعية كانت أو مبتوتة . وهو قول الحنيفة . وقالوا في المتوفى عنها زوجها : لها أن تخرج نهارا لكسب رزقها ولا تبرح بيتها ليلا . وذهب جمهور الشافعية والمالكية والحنبلية وآخرين إلى أن المعتدة تخرج بالنهار من أجل حوائجها ثم تلزم بيتها ليلا . واستدلوا بما أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله قال : طلقت خالتي فأرادت أن تجدّ نخلها فزجرها رجل أن تخرج ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " بلى فجدّي نخلك فإنك عسى أن تصدّقي أو تفعلي معروفا " ويستوي عند المالكية ما لو كانت المطلقة رجعية أو بائنة . وقالت الشافعية : لا تخرج الرجعية ليلا ولا نهارا . وإنما تخرج نهارا المبتوتة .

قوله : { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } المراد بالفاحشة كل معصية كالزنا والسرقة وبذاءة اللسان على الأهل . أي لا يخرجن من بيوتهن إلا أن يفعلن شيئا من ذلك .

قوله : { وتلك حدود الله } الإشارة إلى الأحكام التي بينها الله فهي حدوده التي حدها لعباده ولا يجوز لهم أن يتجاوزوها إلى غيرها { ومن يتعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه } يعني من يتعدّ أحكام الله التي حدها لخلقه فيتجاوزها إلى غيرها فقد أورد نفسه مورد الهلاك .

قوله : { لاتدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } الأمر الذي يحدثه الله ، هو أن يقلب قلب الزوج من بغض زوجته إلى محبتها ، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها ، ومن العزم على الطلاق إلى الندم ثم مراجعتها فالمراد بالأمر ، في الجملة الرغبة والرجعة{[4561]} .


[4559]:أسباب النزول للنيسابوري ص 289 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 377.
[4560]:تفسير القرطبي جـ 18 ص 150 – 153 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 378 وأحكام القرآن للجصاص جـ 5 ص 346 –350.
[4561]:تفسير القرطبي جـ 18 ص 148- 156 وأحكام القرآن للجصاص جـ 5 ص 346 – 350 والكشاف جـ 4 ص 119 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 378.