تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الإخلاص ، [ وهي ] مكية .

{ 1 - 4 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }

أي { قُلْ } قولًا جازمًا به ، معتقدًا له ، عارفًا بمعناه ، { هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أي : قد انحصرت فيه الأحدية ، فهو الأحد المنفرد بالكمال ، الذي له الأسماء الحسنى ، والصفات الكاملة العليا ، والأفعال المقدسة ، الذي لا نظير له ولا مثيل .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، في قول ابن مسعود والحسن وعطاء وعكرمة وجابر . ومدنية ، في أحد قولي ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي . وهي أربع آيات .

قوله تعالى : { قل هو الله أحد } أي الواحد الوتر ، الذي لا شبيه له ، ولا نظير ولا صاحبة ، ولا ولد ولا شريك . وأصل " أحد " : وحد ، قلبت الواو همزة . ومنه قول النابغة{[16565]} :

بِذِي الجَلِيلِ على مُسْتَأْنِسٍ وَحَدِ

وقد تقدم في سورة " البقرة " الفرق بين واحد وأحد ، وفي كتاب " الأسنى في شرح أسماء الله الحسي " أيضا مستوفى . والحمد لله . و " أحد " مرفوع ، على معنى : هو أحد . وقيل : المعنى : قل : الأمر والشأن : الله أحد . وقيل : " أحد " بدل من قوله : " الله " .

وقرأ جماعة { أحد الله } بلا تنوين ، طلبا للخفة ، وفرارا من التقاء الساكنين ، ومنه قول الشاعر :

ولا ذاكرَ اللهَ إلا قليلا{[16566]}


[16565]:صدر البيت كما في معلقته: * كأن رحلي وقد زال النهار بنا * و"ذو الجليل" مكان ينبت الجليل، وهو الثمام. والثمام: نبت ضعيف قصير لا يطول.
[16566]:هذا عجز بيت لأبي الأسود الدؤلى. وصدره: * فألفيته غير مستعتب *
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الإخلاص

مكية ، وآياتها 4 ، نزلت بعد الناس .

سبب نزول هذه السورة أن اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد ، صف لنا ربك وانسبه ، فإنه وصف نفسه في التوراة ونسبها ، فارتعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خر مغشيا عليه ، ونزل عليه جبريل بهذه السورة ، وقيل : إن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : انسب لنا ربك ، فنزلت . وعلى الرواية الأولى السورة مدنية ؛ لأن سؤال اليهود بالمدينة ، وعلى الرواية الثانية تكون مكية . واختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن " . فقيل : إن ذلك في الثواب ، أي : لمن قرأها من الأجر مثل أجر من قرأ ثلث القرآن ، وقيل : إن ذلك فيما تضمنته من المعاني والعلوم ، وذلك أن علوم القرآن ثلاثة : توحيد وأحكام وقصص ، وقد اشتملت هذه السورة على التوحيد ، فهي ثلث القرآن بهذا الاعتبار ، وهذا أظهر ، وعليه حمل ابن عطية الحديث . ويؤيده أن في بعض روايات الحديث : " ن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء : فجعل قل هو الله أحد جزءا من أجزاء القرآن " ؛ وخرج النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرؤها فقال : " أما هذا فقد غفر له " ، وفي رواية أنه قال : " وجبت له الجنة " ، وخرج مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية فكان يقرأ لأصحابه في الصلاة ( قل هو الله أحد ) ، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " سلوه لأي شيء يصنع ذلك ؟ فسألوه فقال : لأنها صفة الرحمن ، فأنا أحب أن أقرأها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخبروه أن الله يحبه " ، وفي رواية خرجها الترمذي : " أنه صلى الله عليه وسلم قال للرجل : حبك إياها أدخلك الجنة " ، وخرج الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ ( قل هو الله أحد ) مائة مرة كل يوم غفرت له ذنوب خمسين سنة إلا أن يكون عليه دين " .

{ قل هو الله أحد } الضمير هنا عند البصريين ضمير الأمر والشأن ، والذي يراد به التعظيم والتفخيم ، وإعرابه مبتدأ ، وخبره الجملة التي بعده ، وهي المفسرة له ، والله مبتدأ ، وأحد خبره . وقيل : الله هو الخبر ، وأحد بدل منه ، وقيل : الله بدل ، وأحد هو الخبر ، وأحد له معنيان :

أحدهما : أن يكون من أسماء النفي التي لا تقع إلا في غير الواجب ، كقولك : ما جاءني أحد ، وليس هذا موضع هذا المعنى ، وإنما موضعه قوله : { ولم يكن له كفوا أحد } .

والآخر : أن يكون بمعنى واحد ، وأصله وحد بواو ، ثم أبدل من الواو همزة ، وهذا هو المراد هنا . واعلم أن وصف الله تعالى بالواحد له ثلاثة معان كلها صحيحة في حق الله تعالى :

الأول : أنه واحد لا ثاني معه ، فهو نفي للعدد .

والثاني : أنه واحد لا نظير ولا شريك له ، كما تقول فلان واحد عصره ، أي : لا نظير له .

والثالث : أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعض .

والأظهر أن المراد في السورة نفي الشريك لقصد الرد على المشركين ، ومنه قوله تعالى : { وإلهكم إله واحد } [ البقرة : 163 ] . قال الزمخشري : أحد وصف بالوحدانية ، ونفي الشركاء . قلت : وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على وحدانيته ، وذلك في القرآن كثير جدا ، وأوضحها أربعة براهين :

الأول : قوله : { أفمن يخلق كمن لا يخلق } [ النحل : 17 ] ؛ لأنه إذا ثبت أن الله تعالى خلق جميع الموجودات لم يمكن أن يكون واحد منها شريكا له .

والثاني : قوله : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } [ الأنبياء : 22 ] .

والثالث : قوله : { قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا } [ الإسراء : 42 ] .

والرابع : قوله : { وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض } [ المؤمنون : 91 ] ، وقد فسرنا هذه الآيات في مواضعها ، وتكلمنا على حقيقة التوحيد في قوله : { وإلهكم إله واحد } [ البقرة : 163 ] .