تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23)

{ 23-26 } { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }

يقول تعالى : { أَفَرَأَيْتَ } الرجل الضال الذي { اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } فما هويه سلكه سواء كان يرضي الله أو يسخطه . { وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ } من الله تعالى أنه لا تليق به الهداية ولا يزكو عليها . { وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ } فلا يسمع ما ينفعه ، { وَقَلْبِهِ } فلا يعي الخير { وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً } تمنعه من نظر الحق ، { فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ } أي : لا أحد يهديه وقد سد الله عليه أبواب الهداية وفتح له أبواب الغواية ، وما ظلمه الله ولكن هو الذي ظلم نفسه وتسبب لمنع رحمة الله عليه { أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } ما ينفعكم فتسلكونه وما يضركم فتجتنبونه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23)

وإلى جوار هذا الأصل الثابت يشير إلى الهوى المتقلب . الهوى الذي يجعل منه بعضهم إلها يتعبده ، فيضل ضلالا لا اهتداء بعده ، والعياذ بالله :

( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ، وأضله الله على علم ، وختم على سمعه وقلبه ، وجعل على بصره غشاوة ? فمن يهديه من بعد الله ? أفلا تذكرون ? ) . .

والتعبير القرآني المبدع يرسم نموذجاً عجيباً للنفس البشرية حين تترك الأصل الثابت ، وتتبع الهوى المتقلب وحين تتعبد هواها ، وتخضع له ، وتجعله مصدر تصوراتها وأحكامها ومشاعرها وتحركاتها . وتقيمه إلهاً قاهراً لها ، مستولياً عليها ، تتلقى إشاراته المتقلبة بالطاعة والتسليم والقبول . يرسم هذه الصورة ويعجِّب منها في استنكار شديد :

( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ? ) . .

أفرأيته ? إنه كائن عجيب يستحق الفرجة والتعجيب ! وهو يستحق من الله أن يضله ، فلا يتداركه برحمة الهدى . فما أبقى في قلبه مكاناً للهدى وهو يتعبد هواه المريض !

( وأضله الله على علم ) . .

على علم من الله باستحقاقه للضلالة . أو على علم منه بالحق ، لا يقوم لهواه ولا يصده عن اتخاذه إلهاً يطاع . وهذا يقتضي إضلال الله له والإملاء له في عماه :

( وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ) . .

فانطمست فيه تلك المنافذ التي يدخل منها النور ؛ وتلك المدارك التي يتسرب منها الهدى . وتعطلت فيه أدوات الإدراك بطاعة للهوى طاعته العبادة والتسليم .

( فمن يهديه من بعد الله ? ) . .

والهدى هدى الله . وما من أحد يملك لأحد هدى أو ضلالة . فذلك من شأن الله ، الذي لا يشاركه فيه أحد ، حتى رسله المختارون .

( أفلا تذكرون ? ) . .

ومن تذكر صحا وتنبه ، وتخلص من ربقة الهوى ، وعاد إلى النهج الثابت الواضح ، الذي لا يضل سالكوه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23)

ثم قال [ تعالى ] {[26329]} { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } أي : إنما يأتمر بهواه ، فمهما رآه حسنا فعله ، ومهما رآه قبيحا تركه : وهذا قد يستدل به على المعتزلة في قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين .

وعن مالك فيما روي عنه من التفسير : لا يهوى شيئا إلا عبده .

وقوله : { وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ } يحتمل قولين :

أحدها{[26330]} وأضله الله لعلمه أنه يستحق ذلك . والآخر : وأضله الله بعد بلوغ العلم إليه ، وقيام الحجة عليه . والثاني يستلزم الأول ، ولا ينعكس .

{ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً } أي : فلا يسمع ما ينفعه ، ولا يعي شيئا يهتدي به ، ولا يرى حجة يستضيء بها ؛ ولهذا قال : { فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } كقوله : { مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ{[26331]} وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ الأعراف : 186 ] .


[26329]:- (8) زيادة من ت.
[26330]:- (9) في أ: "أحدهما".
[26331]:- (10) في ت، م: "ومن يضلل الله فما له من هاد" وهو خطأ.