تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمۡ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلۡمَجَٰلِسِ فَٱفۡسَحُواْ يَفۡسَحِ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (11)

{ 11 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

هذا تأديب{[1016]}  من الله لعباده المؤمنين ، إذا اجتمعوا في مجلس من مجالس مجتمعاتهم ، واحتاج بعضهم أو بعض القادمين عليهم للتفسح له في المجلس ، فإن من الأدب أن يفسحوا له تحصيلا لهذا المقصود .

وليس ذلك بضار للجالس{[1017]}  شيئا ، فيحصل مقصود أخيه من غير ضرر يلحقه هو ، والجزاء من جنس العمل ، فإن من فسح فسح الله له ، ومن وسع لأخيه ، وسع الله عليه .

{ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا } أي : ارتفعوا وتنحوا عن مجالسكم لحاجة تعرض ، { فَانْشُزُوا } أي : فبادروا للقيام لتحصيل تلك المصلحة ، فإن القيام بمثل هذه الأمور من العلم والإيمان ، والله تعالى يرفع أهل العلم والإيمان درجات بحسب ما خصهم الله به ، من العلم والإيمان .

{ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فيجازي كل عامل بعمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .

وفي هذه الآية فضيلة العلم ، وأن زينته وثمرته التأدب بآدابه والعمل بمقتضاه .


[1016]:- في ب: هذا أدب.
[1017]:- في ب: للفاسح.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمۡ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلۡمَجَٰلِسِ فَٱفۡسَحُواْ يَفۡسَحِ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (11)

ثم يأخذ الذين آمنوا بأدب آخر من آداب الجماعة :

( يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم : تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم . وإذا قيل : انشزوا فانشزوا ، يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات . والله بما تعملون خبير ) . .

ويظهر من بعض الروايات التي حكت سبب نزول الآية أن لها علاقة واقعية بالمنافقين ، مما يجعل بينها وبين الآيات قبلها أكثر من ارتباط واحد في السياق .

قال قتادة : نزلت هذه الآية في مجالس الذكر ، وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلا ضنوا بمجالسهم عند رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فأمرهم الله تعالى أن يفسح بعضهم لبعض .

وقال مقاتل بن حيان : أنزلت هذه الآية يوم الجمعة . وكان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يومئذ في الصفة ، وفي المكان ضيق . وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار . فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجالس فقاموا حيال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقالوا : السلام عليكم أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، فرد النبي [ صلى الله عليه وسلم ] عليهم . ثم سلموا على القوم بعد ذلك فردوا عليهم فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم . فعرف النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ما يحملهم على القيام ، فلم يفسح لهم . فشق ذلك على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار من غير أهل بدر : قم يا فلان . وأنت يا فلان . فلم يزل يقيمهم بعدة النفر الذين هم قيام بين يديه من المهاجرين والأنصار أهل بدر . فشق ذلك على من أقيم من مجلسه ، وعرف النبي [ صلى الله عليه وسلم ] الكراهة في وجوههم . فقال المنافقون : ألستم تزعمون أن صاحبكم هذا يعدل بين الناس ? والله ما رأيناه قد عدل على هؤلاء ! إن قوما أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب من نبيهم ، فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه . . فبلغنا أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : " رحم الله رجلا يفسح لأخيه " . . فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعا ، فيفسح القوم لإخوانهم . ونزلت هذه الآية يوم الجمعة .

وإذا صحت هذه الرواية فإنها لا تتنافى مع الأحاديث الأخرى التي تنهى عن أن يقيم الرجل الرجل من مكانه ليجلس فيه . كما جاء في الصحيحين : " لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه فيجلس فيه ، ولكن تفسحوا وتوسعوا " . . وما ورد كذلك من ضرورة استقرار القادم حيث انتهى به المجلس . فلا يتخطى رقاب الناس ليأخذ مكانا في الصدر !

فالآية تحض على الإفساح للقادم ليجلس ، كما تحض على إطاعة الأمر إذا قيل لجالس أن يرفع فيرفع . وهذا الأمر يجيء من القائد المسئول عن تنظيم الجماعة . لا من القادم .

والغرض هو إيجاد الفسحة في النفس قبل إيجاد الفسحة في المكان . ومتى رحب القلب اتسع وتسامح ، واستقبل الجالس إخوانه بالحب والسماحة ، فأفسح لهم في المكان عن رضى وارتياح . فأما إذا رأى القائد أن هناك اعتبارا من الاعتبارات يقتضي إخلاء المكان فالطاعة يجب أن ترعى عن طواعية نفس ورضى خاطر وطمأنينة بال . مع بقاء القواعد الكلية مرعية كذلك ، من عدم تخطي الرقاب أو إقامة الرجل للرجل ليأخذ مكانه . وإنما هي السماحة والنظام يقررهما الإسلام . والأدب الواجب في كل حال .

وعلى طريقة القرآن في استجاشة الشعور عند كل تكليف ، فإنه يعد المفسحين في المجالس بفسحة من الله لهم وسعة : ( فافسحوا يفسح الله لكم ) . . ويعد الناشزين الذين يرفعون من المكان ويخلونه عن طاعة لأمر الرسول برفعة في المقام : ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) . . وذلك جزاء تواضعهم وقيامهم عند تلقي الأمر بالقيام .

وقد كانت المناسبة مناسبة قرب من الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] لتلقي العلم في مجلسه . فالآية تعلمهم : أن الإيمان الذي يدفع إلى فسحة الصدر وطاعة الأمر ، والعلم الذي يهذب القلب فيتسع ويطيع ؛ يؤديان إلى الرفعة عند الله درجات . وفي هذا مقابل لرفعة المكان الذي تطوعوا بتركه ورفعوا عنه لاعتبار رآه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ( والله بما تعملون خبير ) . . فهو يجزي به عن علم ومعرفة بحقيقة ما تعملون ، وبما وراءه من شعور مكنون .

وهكذا يتولى القرآن تربية النفوس وتهذيبها ، وتعليمها الفسحة والسماحة والطاعة بأسلوب التشويق والاستجاشة . فالدين ليس بالتكاليف الحرفية ، ولكنه تحول في الشعور ، وحساسية في الضمير . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمۡ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلۡمَجَٰلِسِ فَٱفۡسَحُواْ يَفۡسَحِ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (11)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُواْ فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُواْ يَفْسَحِ اللّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ اللّهُ الّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } .

يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المَجالِسِ يعني بقوله تفسّحُوا توسعوا من قولهم مكان فسيح إذا كان واسعا .

واختلف أهل التأويل في المجلس الذي أمر الله المؤمنين بالتفسح فيه ، فقال بعضهم : ذلك كان مجلس النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : تَفَسّحُوا فِي المجالس قال : مجلس النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقال ذاك خاصة .

حدثنا الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المجالس . . . } الآية ، كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلاً ضنّوا بمجلسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم أن يفسح بعضهم لبعض .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المجالس قال : كان هذا للنبيّ صلى الله عليه وسلم ومن حوله خاصة يقول : استوسعوا حتى يصيب كلّ رجل منكم مجلسا من النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وهي أيضا مقاعد للقتال .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله تَفَسّحُوا فِي المَجْلِسِ قال : كان الناس يتنافسون في مجلس النبيّ صلى الله عليه وسلم فقيل لهم : { إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المَجْلِس فافْسَحُوا } .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : { إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المَجالِس فافْسَحُوا يَفْسَحِ اللّهُ لَكُمْ } قال : هذا مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان الرجل يأتي فيقول : افسحوا لي رحمكم الله ، فيضنّ كلّ أحد منهم بقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم الله بذلك ، ورأى أنه خير لهم .

وقال آخرون : بل عُنِي بذلك في مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المجالس يَفْسَحِ اللّهُ لَكُمْ قال : ذلك في مجلس القتال .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين أن يتفسحوا في المجلس ، ولم يخصص بذلك مجلس النبيّ صلى الله عليه وسلم دون مجلس القتال ، وكلا الموضعين يقال له مجلس ، فذلك على جميع المجالس من مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجالس القتال .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار : { تَفَسّحُوا فِي المجْلِسِ } على التوحيد غير الحسن البصري وعاصم ، فإنهما قرآ ذلك فِي المَجالِسِ على الجماع ، وبالتوحيد قراءة ذلك عندنا لإجماع الحجة من القرّاء عليه .

وقوله : { فافْسَحُوا }يقول : فوسعوا يَفْسَحِ اللّهُ لَكُمْ يقول : يوسع الله منازلكم في الجنة { وإذَا قِيلَ انْشُزُوا فانْشُزُوا }يقول تعالى ذكره : وإذا قيل ارتفعوا ، وإنما يُراد بذلك : وإذا قيل لكم قوموا إلى قتال عدوّ ، أو صلاة ، أو عمل خير ، أو تفرّقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقوموا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { وَإذَا قِيلَ انْشُزُوا فانْشُزُوا إلى وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلونَ خَبِيرٌ }قال : إذا قيل : انشزوا فانشزوا إلى الخير والصلاة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { فانْشُزُوا }قال : إلى كلّ خير ، قتال عدّو ، أو أمر بالمعروف ، أو حقّ ما كان .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإذَا قِيلَ انْشُزُوا فانْشُزُوا }يقول : إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا . وقال الحسن : هذا كله في الغزو .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وَإذَا قِيلَ انْشُزُوا فانْشُزُوا }كان إذا نودي للصلاة تثاقل رجال ، فأمرهم الله إذا نودي للصلاة أن يرتفعوا إليها ، يقوموا إليها .

وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله { وَإذَا قِيلَ انْشُزُوا فانْشُزُوا }قال : انشزوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : هذا في بيته إذا قيل انشزوا ، فارتفعوا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فإن له حوائج ، فأحبّ كلّ رجل منهم أن يكون آخر عهده برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : { وَإذَا قِيلَ انْشُزُوا فانْشُزُوا } .

وإنما اخترت التأويل الذي قلت في ذلك ، لأن الله عزّ وجلّ أمر المؤمنين إذا قيل لهم انشزوا ، أن ينشزوا ، فعمّ بذلك الأمر جميع معاني النشوز من الخيرات ، فذلك على عمومه حتى يخصه ما يجب التسليم له .

واختلفت القرّاء في قراة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة فانْشُزُوا بضم الشين ، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة بكسرها .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، ولغتان مشهورتان بمنزلة يعكُفون ويعكِفون ، ويعرُشون ويعرشون ، فبأيّ القراءتين قرأ القاريء فمصيب .

وقوله : { يَرْفَعِ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالّذِينَ أُوتُوا العِلْم دَرَجاتٍ }يقول تعالى ذكره : يرفع الله المؤمنين منكم أيها القوم بطاعتهم ربهم فما أمرهم به من التفسح في المجلس إذا قيل لهم تفسحوا ، أو بنشوزهم إلى الخيرات إذا قيل لهم انشزوا إليها ، ويرفع الله الذين أوتوا العلم من أهل الإيمان على المؤمنين الذين يؤتوا العلم بفضل علمهم درجات ، إذا عملوا بما أمروا به ، كما : حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يَرْفَعِ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالّذِينَ أُوتُوا العِلْم دَرَجاتٍ } إن بالعلم لأهله فضلاً ، وإن له على أهله حقا ، ولعمري للحقّ عليك أيها العالم فضل ، والله معطي كل ذي فضل فضله .

وكان مطرف بن عبد الله بن الشّخّير يقول : فضل العلم أحبّ إليّ من فضل العبادة ، وخير دينكم الورع .

وكان عبد الله بن مطرف يقول : إنك لتلقى الرجلين أحدهما أكثر صوما وصلاة وصدقة ، والاَخر أفضل منه بونا بعيدا ، قيل له : وكيف ذاك ؟ فقال : هو أشدّهما ورعا لله عن محارمه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله { يَرْفَعِ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالّذِينَ أُوتُوا العِلْم دَرَجاتٍ }في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به .

وقوله : { واللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }يقول تعالى ذكره : والله بأعمالكم أيها الناس ذو خبرة ، لا يخفى عليه المطيع منكم ربه من العاصي ، وهو مجاز جميعكم بعمله المحسن بإحسانه ، والمسيىء بالذي هو أهله ، أو يعفو .