{ 101 - 102 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ }
ينهى عباده المؤمنين عن سؤال الأشياء التي إذا بينت لهم ساءتهم وأحزنتهم ، وذلك كسؤال بعض المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم ، وعن حالهم في الجنة أو النار ، فهذا ربما أنه لو بين للسائل لم يكن له فيه خير ، وكسؤالهم للأمور غير الواقعة .
وكالسؤال الذي يترتب عليه تشديدات في الشرع ربما أحرجت الأمة ، وكالسؤال عما لا يعني ، فهذه الأسئلة ، وما أشبهها هي المنهي عنها ، وأما السؤال الذي لا يترتب عليه شيء من ذلك فهذا{[280]} مأمور به ، كما قال تعالى : { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }
{ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } أي : وإذا وافق سؤالكم محله فسألتم عنها حين ينزل عليكم القرآن ، فتسألون عن آية أشكلت ، أو حكم خفي وجهه عليكم ، في وقت يمكن فيه نزول الوحي من السماء ، تبد لكم ، أي : تبين لكم وتظهر ، وإلا فاسكتوا عمّا سكت الله عنه .
{ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا } أي : سكت معافيا لعباده منها ، فكل ما سكت الله عنه فهو مما أباحه وعفا عنه . { وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } أي : لم يزل بالمغفرة موصوفا ، وبالحلم والإحسان معروفا ، فتعرضوا لمغفرته وإحسانه ، واطلبوه من رحمته ورضوانه .
وبعد هذا الحديث المستفيض عن الحلال والحرام في شريعة الإِسلام اتجهت آيات السورة الكريمة إلى تربية المسلمين وإرشادهم إلى الآداب التي يجب أن يتمسكوا بها ونهيهم عن الأسئلة التي لا خير يرجى من وراء إثارتها . . فقال تعالى :
{ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ . . . }
قد ذكر المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين روايات متعددة ، منها ما حكاه القرطبي في قوله : روى البخاري ومسلم وغيرهما - واللفظ للبخاري - عن أنس قال : " قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله من أبى ؟ قال : " أبوك فلان " " .
وخرج البخاري أيضاً عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه : " فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا " فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي يا رسول الله ؟ قال " النار " فقام عبد الله بن حذافة - وكان إذا لا حي يدعى إلى غيره أبيه - فقال من أبي يا رسول الله ؟ فقال : أبوك حذافة " .
وروى الدارقطني والترمذي عن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية { وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً } قالوا : " يا رسول الله ، أفي كل عام ؟ فسكت . فقالوا : أفي كل عام ؟ قال : " لا ولو قلت نعم لوجبت " فأنزل الله تعالى { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } . . الآية .
وروى مجاهد عن ابن عباس أنها نزلت في قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام .
ثم قال القرطبي : ويحتمل أن تكون الآية نزلت جوابا للجميع ، فيكون السؤال قريبا بعضه من بعض .
والمعنى : يا أيها الذين آمنوا بالله حق الإِيمان ، لا تسألوا نبيكم صلى الله عليه وسلم أو غيره ، عن أشياء تتعلق بالعقيدة أو بالأحكام الشرعية أو بغيرها . هذه الأشياء { إِن تُبْدَ لَكُمْ } وتظهر { تَسُؤْكُمْ } أي : تتغمكم وتحزنكم وتندموا على السؤال عنها لما يترتب عليها من إحراجكم . ومن المشقة عليكم ، ومن الفضيحة لبعضكم .
فالآية الكريمة - كما يقول ابن كثير - تأديب من الله لعباده المؤمنين ، ونهى لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها ، لأنها إن ظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم ، وشق عليهم سماعها ، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يبلغني أحد عن أحد شيئا ، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر " .
وقد وجه - سبحانه - النداء إليهم بصفة الإِيمان ، لتحريك حرارة العقيدة في نفوسهم ، حتى يستجيبوا بسرعة ورغبة إلى ما كلفوا به .
وقوله { أشياء } اسم جمع من لفظ شيء ، فهو مفرد لفظا جمع معنى كطرفاء وقصباء - وهذا رأي الخليل وسيبويه وجمهور البصريين - .
ويرى الفراء أن أشياء جمع لشيء . وهو ممنوع من الصرف لألف التأنيث الممدودة ، ومتعلق بقوله : { تسألوا } .
ومفعول { تسألوا } محذوف للتعميم .
أي : لا تسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولا تسألوا غيره عن أشياء لا فائدة من السؤال عنها ، بل إن السؤال عنها قد يؤدي إلى إخراجكم وإلى المشقة عليكم .
وقوله : { إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } صفة لأشياء داعية إلى الانتهاء عن السؤال عنها .
وعبر " بإن " المفيدة للشك وعدم القطع بوقوع الشرط والجزاء للإِشارة إلى أن هذا الشك كاف في تركهم للسؤال عن هذه الأشياء ، فإن المؤمن الحق يبتعد عن كل ما لا فائدة من ورائه من أسئلة أو غيرها .
وقوله : { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القرآن تُبْدَ لَكُمْ } معطوف على ما قبله وهو قوله : { إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } .
والضمير في قوله : { عنها } يعود على { أشياء } و { حين } ظرف زمان منصوب بالفعل { تسألوا } .
والمعنى : لا تكثروا - أيها المؤمنون - من الأسئلة التي لا خير لكم في السؤال عنها ، إن تسألوا عن أشياء نزل بها القرآن مجملة ، فتطلبوا بيانها تبين لكم حينئذ لاحتياجكم إليها .
قال الفخر الرازي : السؤال على قسمين :
أحدهما : السؤال عن شيء لم يجر ذكره في الكتاب والسنة بوجه من الوجوه . فهذا السؤال منهى عنه بقوله : { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } .
والنوع الثاني من السؤال : السؤال عن شيء نزل به القرآن لكن السامع لم يفهمه كما ينبغي فها هنا السؤال واجب ، وهو المراد بقوله : { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القرآن تُبْدَ لَكُمْ } .
والفائدة في ذكر هذا القسم ، أنه لما منع في الجملة الأولى من السؤال ، أو هم أن جميع أنواع السؤال ممنوع فيه ، فذكر ذلك تمييزا لهذا القسم عن ذلك القسم .
فإن قيل : إن قوله { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا } هذا الضمير عائد على الأشياء المذكورة في قوله { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } فكيف يعقل في { أشياء } بأعيانهها أن يكون السؤال عنها ممنوعا وجائزاً معاً ؟
الأول : جائز أن يكون السؤال عنها ممنوعاً قبل نزول القرآن بها ومأمورا به بعد نزول القرآن بها . والثاني : " أنهما وإن كانا نوعين مختلفين ، إلا أنهما في حكم شيء واحد ، فلهذا حسن اتحاد الضمير ، وإن كانا في الحقيقة نوعين مختلفين " .
وقال القرطبي : قوله - تعالى - : { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القرآن تُبْدَ لَكُمْ } فيه غموض ، وذلك أن في ذلك الآية النهي عن السؤال ، ثم قال : { وَإِن تَسْأَلُواْ } . . إلخ . فأباحه لهم .
فقيل : المعنى وإن تسألوا عن غيرها فيما مست الحاجة إليه ، فحذف المضاف ولا يصح حمله على غير الحذف .
قال الجرجاني : الكناية في " عنها " ترجع إلى أشياء أخر ، كقوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } يعني آدم ، ثم قال { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً } أي : ابن آدم ، لأن آدم لم يجعل نطفة في قرار مكين ، لكن لما ذكر الإنسان وهو آدم دل على إنسان مثله ، وعرف ذلك بقرينة الحال .
فالمعنى : وإن تسألوا عن أشياء - أخر - حين ينزل القرآن من تحليل أو تحريم أو حكم ، أو مست حاجتكم إلى التفسير ، فإذا سألتم فحينئذ تبدلكم فقد أباح - سبحانه - هذا النوع من السؤال .
والضمير في قوله { عَفَا الله عَنْهَا } يعود إلى أشياء ، والجملة في محل جر صفة أخرى لأشياء .
أي : أن هذه الأشياء التي نهيتم عن السؤال عنها هي مما عفا الله عنه - رحمة منه وفضلا- حيث لم يكلفكم بها . ولم يفضحكم بيانها .
ويجوز أن يعود الضمير إلى الأسئلة المدلول عليها بقوله { لاَ تَسْأَلُواْ } فتكون الجملة مستأنفة ، ويكون المعنى : عفا الله عن أسئلتكم السالفة التي سألتموها قبل النهي ، وتجاوز - سبحانه - عن معاقبتكم عليها رحمة منه وكرما ؛ فمن الواجب عليكم بعد ذلك ألا تعودوا إلى مثلها أبداً .
قال صاحب المنار : ولا مانع عندنا يمنعنا من إرادة المعنيين معا . فإن كل ما تدل عليه عبارات القرآن من المعاني الحقيقية والمجازية والكناية يجوز عندنا أن يكون مرادا منها مجتمعة تلك المعاني أو منفردة ما لم يمنع مانع من ذلك كأن تكون تلك المعاني مما لا يمكن اجتماعها شرعاً أو عقلا ، فحينئذ لا يصح أن تكون كلها مرادة بل يرجح بعهضا على بعض بطرق الترجيح المعروفة من لفظية ومعنوية .
وقوله { والله غَفُورٌ حَلِيمٌ } اعتراض تذييلي مقرر لعفوه - سبحانه - أي : عفا الله عن كل ذلك ، وهو - سبحانه - واسع المغفرة والحلم والصفح ولذا لم يكلفكم بما يشق عليهم ، ولم يؤاخذكم بها فرط منكم من أقوال وأعمال قبل النهي عنها .
بعد ذلك يتجه السياق إلى شيء من تربية الجماعة المسلمة وتوجيهها إلى الأدب الواجب مع رسول الله [ ص ] وعدم سؤاله عما لم يخبرها به ؛ مما لو ظهر لساء السائل وأحرجه أو ترتب عليه تكاليف لا يطيقها ، أو ضيق عليه في أشياء وسع الله فيها ، أو تركها بلا تحديد رحمة بعباده .
( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم . عفا الله عنها والله غفور حليم . لقد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين ) . .
كان بعضهم يكثر على رسول الله [ ص ] من السؤال عن أشياء لم يتنزل فيها أمر أو نهي . أو يلحف في طلب تفصيل أمور أجملها القرآن ، وجعل الله في إجمالها سعة للناس . أو في الاستفسار عن أمور لا ضرورة لكشفها فإن كشفها قد يؤذي السائل عنها أو يؤذي غيره من المسلمين .
وروي أنه لما نزلت آية الحج سأل سائل : أفي كل عام ؟ فكره رسول الله [ ص ] هذا السؤال لأن النص على الحج جاء مجملا : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا ) والحج مرة يجزي . فأما السؤال عنه أفي كل عام فهو تفسير له بالصعب الذي لم يفرضه الله .
وفي حديث مرسل رواه الترمذي والدارقطني عن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا ) قالوا : يا رسول الله أفي كل عام ؟ فسكت . فقالوا : أفي كل عام ؟ قال : " لا . ولو قلت نعم لوجبت " فأنزل الله :
( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) . . الخ الآية .
وأخرجه الدارقطني أيضا عن أبي عياض عن أبي هريرة قال : قال رسول الله [ ص ] : يا أيها الناس كتب عليكم الحج . فقام رجل فقال : أفي كل عام يا رسول الله ؟ فأعرض عنه ، ثم عاد فقال : أفي كل عام يا رسول الله ؟ فقال : " ومن القائل ؟ " قالوا : فلان . قال : " والذي نفسي بيده لو قلت : نعم . لوجبت . ولو وجبت ما أطقتموها . ولو لم تطيقوها لكفرتم " . فأنزل الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم )
وفي حديث أخرجه مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي [ ص ] : " . . . فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا " فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي يا رسول الله ؟ قال : " النار " فقام عبدالله بن حذافة فقال : " من أبي يا رسول الله ؟ " فقال : " أبوك حذافة " . . قال ابن عبد البر : عبدالله بن حذافة أسلم قديما ، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية ، وشهد بدرا ، وكانت فيه دعابة ! وكان رسول الله [ ص ] أرسله إلى كسرى بكتاب رسول الله [ ص ] ولما قال : من أبي يا رسول الله ؟ قال : " أبوك حذافة " قالت أمه : ما سمعت بابن أعق منك . أأمنت أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس ؟ ! فقال : والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به . .
وفي رواية لابن جرير - بسنده - عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله [ ص ] وهو غضبان محمار وجهه حتى جلس على المنبر . فقام إليه رجل فقال : أين أنا ؟ قال : " في النار " فقام آخر فقال : من ابي ؟ فقال : " أبوك حذافة " فقام عمر بن الخطاب ، فقال : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد [ ص ] نبيا وبالقرآن إماما . إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك ، والله أعلم من آباؤنا . قال : فسكن غضبه ، ونزلت هذه الآية ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) . . الآية .
وروى مجاهد عن ابن عباس أنها نزلت في قوم سألوا رسول الله [ ص ] عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام . وهو قول سعيد بن جبير . وقال : ألا ترى أن بعده : ( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ) ؟
ومجموعة هذه الروايات وغيرها تعطي صورة عن نوع هذه الأسئلة التي نهى الله الذين آمنوا أن يسألوها . .
لقد جاء هذا القرآن لا ليقرر عقيدة فحسب ، ولا ليشرع شريعة فحسب . ولكن كذلك ليربي أمة ، وينشى ء مجتمعا ، وليكون الأفراد وينشئهم على منهج عقلي وخلقي من صنعه . . وهو هنا يعلمهم أدب السؤال ، وحدود البحث ، ومنهج المعرفة . . وما دام الله - سبحانه - هو الذي ينزل هذه الشريعة ، ويخبر بالغيب ، فمن الأدب أن يترك العبيد لحكمته تفصيل تلك الشريعة أو إجمالها ؛ وأن يتركوا له كذلك كشف هذا الغيب أو ستره . وأن يقفوا هم في هذه الأمور عند الحدود التي أرادها العليم الخبير . لا ليشددوا على أنفسهم بتنصيص النصوص ، والجري وراء الاحتمالات والفروض . كذلك لا يجرون وراء الغيب يحاولون الكشف عما لم يكشف الله منه وما هم ببالغيه . والله أعلم بطاقة البشر واحتمالهم ، فهو يشرع لهم في حدود طاقتهم ، ويكشف لهم من الغيب ما تدركه طبيعتهم . وهناك أمور تركها الله مجملة أو مجهلة ؛ ولا ضير على الناس في تركها هكذا كما أرادها الله . ولكن السؤال - في عهد النبوة وفترة تنزل القرآن - قد يجعل الإجابة عنها متعينة فتسوء بعضهم ، وتشق عليهم كلهم وعلى من يجيء بعدهم .
لذلك نهى الله الذين آمنوا أن يسألوا عن أشياء يسوؤهم الكشف عنها ؛ وأنذرهم بأنهم سيجابون عنها إذا سألوا في فترة الوحي في حياة رسول الله [ ص ] وستترتب عليهم تكاليف عفا الله عنها فتركها ولم يفرضها :
( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم . . عفا الله عنها . . ) .
أي لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها وترك فرضها أو تفصيلها ليكون في الإجمال سعة . . كأمره بالحج مثلا . . أو تركه ذكرها أصلا . .
ثم ضرب لهم المثل بمن كانوا قبلهم - من أهل الكتاب - ممن كانوا يشددون على أنفسهم بالسؤال عن التكاليف والأحكام . فلما كتبها الله عليهم كفروا بها ولم يؤدوها . ولو سكتوا وأخذوا الأمور باليسر الذي شاءه الله لعبادة ما شدد عليهم ، وما احتملوا تبعة التقصير والكفران .
ولقد رأينا في سورة البقرة كيف أن بني إسرائيل حينما أمرهم الله أن يذبحوا بقرة ، بلا شروط ولا قيود ، كانت تجزيهم فيها بقرة أية بقرة . . أخذوا يسألون عن أوصافها ويدققون في تفصيلات هذه الأوصاف . وفي كل مرة كان يشدد عليهم . ولو تركوا السؤال ليسروا على أنفسهم .
وكذلك كان شأنهم في السبت الذي طلبوه ثم لم يطيقوه ! . .
ولقد كان هذا شأنهم دائما حتى حرم الله عليهم أشياء كثيرة تربية لهم وعقوبة !
وفي الصحيح عن رسول الله [ ص ] أنه قال : " ذروني ما تركتكم . فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم " .
وفي الصحيح أيضا : " إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها . وسكت عن أشياء رحمة بكم - غير نسيان - فلا تسألوا عنها " . .
وفي صحيح مسلم عن عامر بن سعد عن أبيه قال : قال رسول الله [ ص ] " إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما ، من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجل مسألته " . .
ولعل مجموعة هذه الأحاديث - إلى جانب النصوص القرآنية - ترسم منهج الإسلام في المعرفة . .
إن المعرفة في الإسلام إنما تطلب لمواجهة حاجة واقعة وفي حدود هذه الحاجة الواقعة . . فالغيب وماوراءه تصان الطاقة البشرية أن تنفق في استجلائه واستكناهه ، لأن معرفته لا تواجه حاجة واقعية في حياة البشرية . وحسب القلب البشري أن يؤمن بهذا الغيب كما وصفه العليم به . فأما حين يتجاوز الإيمان به إلى البحث عن كنهه ؛ فإنه لا يصل إلى شيء أبدا ، لأنه ليس مزودا بالمقدرة على استكناهه إلا في الحدود التي كشف الله عنها . فهو جهد ضائع . فوق أنه ضرب في التيه بلا دليل ، يؤدي إلى الضلال البعيد .
وأما الأحكام الشرعية فتطلب ويسأل عنها عند وقوع الأقضية التي تتطلب هذه الأحكام . . وهذا هو منهج الإسلام . .
ففي طوال العهد المكي لم يتنزل حكم شرعي تنفيذي - وإن تنزلت الأوامر والنواهي عن أشياء وأعمال - ولكن الأحكام التنفيذية كالحدود والتعازير الكفارات لم تتنزل إلا بعد قيام الدولة المسلمة التي تتولى تنفيذ هذه الأحكام .
ووعى الصدر الأول هذا المنهج واتجاهه ؛ فلم يكونوا يفتون في مسألة إلا إذا كانت قد وقعت بالفعل ؛ وفي حدود القضية المعروضه دون تفصيص للنصوص ، ليكون للسؤال والفتوى جديتهما وتمشيهما كذلك مع ذلك المنهج التربوي الرباني :
كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يلعن من سأل عما لم يكن . . ذكره الدارمي في مسنده . . وذكر عن الزهري قال : بلغنا أن زيد بن ثابت الأنصاري كان يقول إذا سئل عن الأمر : أكان هذا ؟ فإن قالوا : نعم قد كان ، حدث فيه بالذي يعلم . وإن قالوا : لم يكن ، قال : فذروه حتى يكون . وأسند عن عمار بن ياسر - وقد سئل عن مسألة - فقال : هل كان هذا بعد ؟ قالوا : لا . قال دعونا حتى يكون ، فإذا كان تجشمناها لكم .
وقال الدرامي : حدثنا عبدالله بن محمد بن أبي شيبة ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله [ ص ] ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض ، كلهن في القرآن ، منهن : ( يسألونك عن الشهر الحرام ) . . ( ويسألونك عن المحيض ) . . وشبهه . . ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم .
وقال مالك : أدركت هذا البلد [ يعني المدينة ] وما عندهم علم غير الكتاب والسنة . فإذا نزلت نازلة ، جمع الأمير لها من حضر من العلماء ، فما اتفقوا عليه أنفذه . وأنتم تكثرون المسائل وقد كرهها رسول الله [ ص ] !
وقال القرطبي في سياق تفسيره للآية : روى مسلم عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله [ ص ] قال : " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ، ووأد البنات ، ومنعا وهات . وكره لكم ثلاثا : قيل وقال ؛ وكثرة السؤال ، وإضاعة المال " . . قال كثير من العلماء : المراد بقوله : " وكثرة السؤال " : التكثير من السؤال في المسائل الفقهية تنطعا ، وتكلفا فيما لم ينزل ، والأغلوطات ، وتشقيق المولدات . وقد كان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلف . ويقولون : إذا نزلت النازلة وفق المسؤول لها . .
إنه منهج واقعي جاد . يواجه وقائع الحياة بالأحكام ، المشتقة لها من أصول شريعة الله ، مواجهة عملية واقعية . . مواجهة تقدر المشكلة بحجمها وشكلها وظروفها كاملة وملابساتها ، ثم تقضي فيها بالحكم الذي يقابلها ويغطيها ويشملها وينطبق عليها انطباقا كاملا دقيقا . .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } . .
ذكر أن هذه الاية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب مسائل كان يسألها إياه أقوام ، امتحانا له أحيانا ، واستهزاء أحيانا ، فيقول له بعضهم : من أبي ؟ ويقول له بعضهم إذا ضلت ناقته : أين ناقتي ؟ فقال لهم تعالى ذكره : لا تسألوا عن أشياء من ذلك ، كمسألة عبد الله بن حذافة إياه من أبوه ، " إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " يقول : إن أبدينا لكم حقيقة ما تسألون عنه ساءكم إبداؤها وإظهارها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك تظاهرت الأخبار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر الرواية بذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا بعض بني نفيل ، قال : حدثنا زهير بن معاوية ، قال : حدثنا أبو الجويرية ، قال : قال ابن عباس لأعرابي من بني سليم : هل تدري فيما أنزلت هذه الاية " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " ؟ حتى فرغ من الاية ، فقال : كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء ، فيقول الرجل : من أبي ؟ والرجل تضلّ ناقته فيقول : أين ناقتي ؟ فأنزل الله فيهم هذه الاية .
حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو عامر وأبو داود ، قالا : حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة ، فصعد المنبر ذات يوم ، فقال : «لا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إلاّ بَيّنْتُهُ لَكُمْ » . قال أنس : فجعلت أنظر يمينا وشمالاً ، فأرى كلْ إنسان لافّا ثوبه يبكي فأنشأ رجل كان ذا لاحى يدعى إلى غير أبيه ، فقال : يا رسول الله ، من أبي ؟ فقال : «أبُوكَ حُذَافَةُ » . قال : فأنشأ عمر فقال : رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ، وأعوذ بالله من سوء الفتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَمْ أرَ فِي الشّرّ والخَيْرِ كاليَوْم قَطّ ، إنّهُ صُوّرَتْ لِيَ الجَنّةُ وَالنّارُ حتى رأيْتُهُما وَرَاءَ الحائِطِ » . وكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الاية : " لا تَسأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " .
حدثني محمد بن معمر البحراني ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرني موسى بن أنس ، قال : سمعت أنسا يقول : قال رجل : يا رسول الله من أبي ؟ قال : «أبُوكَ فُلانٌ » . قال : فنزلت : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْألُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " قال : فحُدّثنا أن أنس بن مالك حدثهم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه حتى أحفوه بالمسألة ، فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر ، فقال : «لا تَسْأَلُونِي اليَوْمَ عَنْ شَيْءٍ إلاّ بَيّنْتُهُ لَكُمْ » فأشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون بين يديه أمر قد حضر ، فجعلت لا ألتفت يمينا ولا شمالاً إلاّ وجدت كلاًّ لافّاً رأسه في ثوبه يبكي . فأنشأ رجل كان يُلاحَى فيدعى إلى غير أبيه ، فقال : يا نبيّ الله من أبي ؟ قال : «أبُوكَ حُذَافة » . قال : ثم قام عمر أو قال : فأنشأ عمر فقال : رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً عائذا بالله أو قال : أعوذ بالله من سوء الفتن . قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَمْ أرَ فِي الخَيْرِ والشّرّ كاليَوْمِ قَطّ ، صُوّرَتْ ليَ الجَنّةُ والنّارُ حتى رأيْتُهُما دُونَ الحائِطِ » .
حدثنا أحمد بن هشام وسفيان بن وكيع ، قالا : حدثنا معاذ ، قال : حدثنا ابن عون ، قال : سألت عكرمة مولى ابن عباس عن قوله : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " قال : ذاك يوم قام فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : «لا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إلاّ أخْبَرْتُكُمْ بِهِ » قال : فقام رجل ، فكره المسلمون مقَامه يومئذ ، فقال : يا رسول الله من أبي ؟ قال : «أبُوكَ حُذَافَة » قال : فنزلت هذه الاية .
حدثنا الحسين بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : نزلت : " لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " في رجل قال : يا رسول الله من أبي ؟ قال : «أبُوك فلان » .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أكثروا عليه ، فقام مغضبا خطيبا ، فقال : " سَلُوني فَوَاللّهِ لا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ ما دُمْتُ في مَقامي إلاّ حَدّثْتُكُمْ " فقام رجل فقال : من أبي ؟ قال : «أبُوكَ حُذَافَة » واشتدّ غضبه وقال : «سَلُونِي » فلما رأى الناس ذلك كثر بكاؤهم ، فجثا عمر على ركبتيه فقال : رضينا بالله ربّا ، قال معمر : قال الزهري : قال أنس مثل ذلك : فجثا عمر على ركبتيه ، فقال : رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أمَا وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَقَدْ صُوّرَتْ ليَ الجَنّةُ وَالنّارُ آنِفا فِي عَرْضِ هَذَا الحائِطِ ، فَلَمْ أرَ كاليَوْمِ فِي الخَيْرِ والشّرّ » . قال الزهريّ : فقالت أمّ عبد الله بن حُذافة : ما رأيت ولدا أعقّ منك قطّ ، أتأمن أن تكون أمك قارفت ما قارف أهل الجاهلية ، فتفضحها على رؤوس الناس فقال : والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " قال : غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الأيام فقام خطيبا ، فقال : «سَلُونِي فإنّكُمْ لا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْء إلاّ أنْبَأْتُكُمْ بِهِ » فقام إليه رجل من قريش من بني سَهْم يقال له عبد الله بن حُذَافة ، وكان يُطعنَ فيه ، قال : فقال يا رسول الله من أبي ؟ قال : «أبُوكَ فُلانٌ » فدعاه لأبيه فقام إليه عمر ، فقبّل رجله وقال : يا رسول الله ، رضينا بالله ربا ، وبك نبيا ، وبالإسلام دينا ، وبالقرآن إماما ، فاعف عنا عفا الله عنك فلم يزل به حتى رضي ، فيومئذ قال : «الوَلَدُ للفِرَاش وللعاهِرِ الحَجَرُ » .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا قيس ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمارّ وجههُ ، حتى جلس على المنبر ، فقام إليه رجل ، فقال أين أبي ؟ قال : «في النّارِ » فقام آخر فقال : من أبي ؟ قال : «أبُوكَ حُذَافَةُ » . فقام عمر بن الخطاب فقال : رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ، وبالقرآن إماما ، إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك ، والله يعلم من آباؤنا . قال : فسكن غضبه ، ونزلت : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " .
وقال آخرون : نزلت هذه الاية على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل مسألة سائل سأله عن شيء في أمر الحجّ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا منصور بن وردان الأسديّ ، قال : حدثنا عليّ بن عبد الأعلى ، قال : لما نزلت هذه الاية : " وَللّهِ على النّاسِ حِجّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً " قالوا : يا رسول الله أفي كلّ عام ؟ فسكت ، ثم قالوا : أفي كلّ عام ؟ فسكت ، ثم قال : «لا ، ولَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ » فأنزل الله هذه الاية : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سليمان ، عن إبراهيم بن مسلم الهَجَريّ ، عن ابن عياض ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ اللّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الحَجّ » فقال رجل : أفي كلّ عام يا رسول الله ؟ فأعرض عنه ، حتى عاد مرّتين أو ثلاثا ، فقال : «مَنِ السّائِلُ ؟ » فقال فلان ، فقال : «والذي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ ، وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْكُمْ ما أطَقْتُموه ، وَلَوْ تَرَكْتُمُوهُ لَكَفَرْتمْ » . فأنزل الله هذه الاية : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " حتى ختم الاية .
حدثني محمد بن عليّ بن الحسين بن شقيق ، قال سمعت أبي ، قال : أخبرنا الحسين بن واقد ، عن محمد بن زياد ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «يا أيّهَا النّاسُ ، كَتَبَ اللّهُ عَلَيْكُمْ الحَجّ » . فقام محصن الأسديّ ، فقال : أفي كلّ عام يا رسول الله ؟ فقال : «أمَا إنّي لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ ، ولَوْ وَجَبَتْ ثُمّ تَرَكْتُمْ لَضَلَلْتُمْ . اسْكُتُوا عَنّى ما سَكَتّ عَنْكُمْ ، فإنّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ واخْتِلافِهِمْ على أنْبِيائِهمْ » فأنزل الله تعالى : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " إلى آخر الاية .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين وقد ، عن محمد بن زيادة ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله ، إلا أنه قال : فقام عُكاشة ابنِ محْصَن الأسديّ .
حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري ، قال : حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أبي العمر ، قال : حدثنا أبو مطيع معاوية بن يحيى ، عن صفوان بن عمرو ، قال : ثني سليم بن عامر ، قال : سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فقال : «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الحَجّ » فقام رجل من الأعراب ، فقال : أفي كل عام ؟ قال : فعلا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسكت وأغضب واستغضب . فمكث طويلاً ثم تكلم فقال : مَنِ السّائِلُ ؟ » فقال الأعرابيّ : أنا ذا ، فقال : «وَيْحَكَ ماذَا يُؤْمِنُكَ أنْ أقُولَ نَعَمْ ، وَلَوْ قُلْتُ نَعَمُ لَوَجَبَتْ ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُمْ ؟ ألا إنّهُ إنّمَا أهْلَكَ الّذِينَ قبْلَكُمْ أئِمّةُ الحَرَجِ ، وَاللّهُ لَوْ أنّي أحْلَلْتُ لَكُمْ جَمِيعَ ما فِي الأرْضِ وَحَرّمْتُ عَلَيْكُمْ مِنْها مَوْضِعَ خُفّ لَوَقَعْتُمْ فِيهِ » قال : فأنزل الله تعالى عند ذلك " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ . . . " إلى آخر الاية .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاء إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذّن في الناس ، فقال : «يا قَوْمِ ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الحَجّ » فقام رجل من بني أسد فقال : يا رسول الله ، أفي كلّ عام ؟ فأُغْضِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا ، فقال : «وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدِ بَيَدِهِ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ ، وَلَوْ وَجَبَتْ ما اسْتَطَعْتُمْ ، وِإذَنْ لَكَفَرْتُمْ فاتْرُكُونِي ما تَرَكْتُكُمْ ، فإذَا أمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فافْعَلُوا ، وإذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْء فانُتَهُوا عَنْهُ » . فأنزل الله تعالى : " يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " . نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من المائدة ، فأصبحوا بها كافرين فنهى الله تعالى عن ذلك ، وقال : لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك ، ولكن انتظروا فإذا نزل القرآن فإنّكُمْ لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، قال : حدثنا عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : " يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وإنْ تَسْأَلُوا عَنْها حِينَ يُنزّل القُرْآنِ تُبْدَ لَكُمْ " قال : لما أنزلت آية الحجّ ، نادى النبي صلى الله عليه وسلم في الناس ، فقال «يا أيّها النّاسُ ، إنّ اللّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَيْكُمْ الحَجّ فَحُجّوا » فقالوا : يا رسول الله ، أعاما واحدا أم كل عام ؟ فقال «لا بَلْ عاما وَاحِدا ، وَلَوْ قُلْتُ كُلّ عامٍ لَوَجَبَتْ ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُمْ » ثم قال الله تعالى : " يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " قال : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء فوعظهم ، فانتهوا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجّ ، فقيل : أواجب هو يا رسول الله كلّ عام ؟ قال : «لا ، لَوْ قُلْتُها لَوَجَبَتْ ، وَلَوْ وَجَبَتْ ما أطَقْتُمْ ، وَلَوْ لَمْ تُطِيقُوا لَكَفَرْتُمْ » ثم قال : «سَلُونِي فَلا يَسْأَلُنِي رَجُلٌ في مَجْلِسِي هَذَا عَنْ شَيْءٍ إلاّ أخْبَرْتُهُ ، وإنْ سَأَلَنِي عَنْ أبِيهِ » فقام إليه رجل ، فقال : من أبي ؟ قال : «أبُوكَ حُذَافَةُ بْنُ قَيْسٍ » فقام عمر ، فقال : يا رسول اصلى الله عليه وسلم رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ، ونعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله .
وقال آخرون : بل نزلت هذه الاية من أجل أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي . ذكر من قال ذلك :
حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ، قال : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن مجاهد ، عن ابن عباس لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ قال : هي البحيرة والسائبة والوصيلة والحام . ألا ترى أنه يقول بعد ذلك : ما جعل الله من كذا ولا كذا ؟ قال : وأما عكرمة فإنه قال : إنهم كانوا يسألونه عن الايات فنهوا عن ذلك . ثم قال : " قَدْ سَأَلها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمّ أصْبَحُوا بها كَافِرينَ " قال : فقلت : قد حدثني مجاهد بخلاف هذا ابن عباس ، فما لك تقول هذا ؟ فقال هيه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن ابن عون ، عن عكرمة عن الأعمش ، قال : هو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أبي ؟ . وقال سعيد بن جبير : هم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة .
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال : نزلت هذه الاية من أجل إكثار السائلين رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل ، كمسألة ابن حذافة إياه من أبوه ، ومسألة سائله إذ قال : «إنّ اللّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ الحَجّ » : أفي كلّ عام ؟ وما أشبه ذلك من المسائل ، لتظاهر الأخبار بذلك عن الصحابة والتابعين وعامة أهل التأويل ، وأما القول الذي رواه مجاهد عن ابن عباس ، فقول غير بعيد من الصواب ، ولكن الأخبار المتظاهرة عن الصحابة والتابعين بخلافه ، وكرهنا القول به من أجل ذلك . على أنه غير مستنكر أن تكون المسألة عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام كانت فيما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنه من المسائل التي كره الله لهم السؤال عنها ، كما كره الله لهم المسألة عن الحجّ ، أكلّ عام هو أم عاما واحدا ؟ وكما كره لعبد الله بن حذافة مسألته عن أبيه ، فنزلت الاية بالنهي عن المسائل لها ، فأخبر كلّ مخبر منهم ببعض ما نزلت الاية من أجله وأجل غيره . وهذا القول أولى الأقوال في ذلك عندي بالصحة ، لأن مخارج الأخبار بجميع المعاني التي ذُكرت إصحاح ، فتوجيهها إلى الصواب من وجودها أوْلى .
القول في تأويل قوله تعالى : " وَإنْ تَسْأَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ " :
يقول تعالى ذكره للذين نهاهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عما نهاهم عن مسألتهم إياه عنه ، من فرائض لم يفرضها الله عليهم ، وتحليل أمور لهم يحللها لهم ، وتحريم أشياء لم يحرّمها عليهم قبل نزول القرآن بذلك : أيها المؤمنون السائلون عما سألوا عنه رسولي مما لم أنزل به كتابا ولا وحيا ، لا تسألوا عنه ، فإنكم إن أظهر ذلك لكم تبيان بوحي وتنزيل ساءكم لأن التنزيل بذلك إذا جاءكم يجيئكم بما فيه امتحانكم واختباركم ، إما بإيجاب عمل عليكم ، ولزوم فرض لكم ، وفي ذلك عليكم مشقة ولزوم مؤنة وكلفة ، وإما بتحريم ما لو لم يأتكم بتحريمه وحي كنتم من التقدّم عليه في فسحة وسعة ، وإما بتحليل ما تعتقدون تحريمه ، وفي ذلك لكم مساءة لنقلكم عما كنتم ترونه حقا إلى ما كنتم ترونه باطلاً ، ولكنكم إن سألتم عنها بعد نزول القرآن بها وبعد ابتدائكم شأن أمرها في كتابي إلى رسولي إليكم ، بين لكم ما أنزلته إليه من إتيان كتابي وتأويل تنزيلي ووحيي ، وذلك نظير الخبر الذي رُويَ عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي :
حدثنا به هناد بن السريّ ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن داود بن أبي هند ، عن مكحول ، عن أبي ثعلبة الخشني ، قال : «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها ، وحدّ حدودا فلا تعتدوها ، وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها » .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء ، قال : كان عبيد بن عمير يقول : إن الله تعالى أحلّ وحرّم ، فما أحلّ فاستحلوه وما حرّم فاجتنبوه ، وترك من ذلك أشياء لم يحلها ولم يحرّمها فذلك عفو من الله عفاه ثم يتلو : " يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا الضحاك ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء ، عن عبيد ابن عمير ، أنه كان يقول : إن الله حرّم وأحلّ ، ثم ذكر نحوه .
وأما قوله : عَفا اللّهُ عَنْها فإنه يعني به : عفا الله لكم عن مسألتكم عن الأشياء التي سألتم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كره الله لكم مسألتكم إياه عنها ، أن يؤاخذكم بها ، أو يعاقبكم عليها ، إن عرف منها توبتكم وإنابتكم . وَاللّهُ غَفُورٌ يقول : والله ساتر ذنوب من تاب منها ، فتارك أن يصفحه في الاخرة ، حَلِيمٌ أن يعاقبه بها ، لتغمده التائب منها برحمته وعفوه ، عن عقوبته عليها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك رُوي الخبر عن ابن عباس الذي ذكرناه آنفا . وذلك ما :
حدثني به محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " لا تسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ " إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك ، ولكن انتظروا فإذا نزل القرآن ، فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه .
{ يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبدلكم } الشرطية وما عطف عليها صفتان لأشياء والمعنى : لا تسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء إن تظهر لكم تغمكم وإن تسألوا عنها في زمان الوحي تظهر لكم وهما كمقدمتين تنتجان ما يمنع السؤال وهو أنه مما يغمهم والعاقل لا يفعل ما يغمه ، وأشياء اسم جمع كطرفاء غير أنه قلبت لامه فجعلت لفعاء . وقيل أفعلاء حذفت لامه جمع لشيء على أن أصله شيء كهين ، أو شيء كصديق فخفف . وقيل أفعال جمع له من غير تغيير كبيت وأبيات ويرده منع صرفه . { عفا الله عنها } صفة أخرى أي عن أشياء عفا الله عنها ولم يكلف بها . إذ روي أنه لما نزلت { ولله على الناس حج البيت } قال سراقة بن مالك : أكل عام فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعاد ثلاثا فقال : " لا ولو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت لما استطعتم فاتركوني ما تركتكم " فنزلت أو استئناف أي عفا الله عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا لمثلها . { والله غفور حليم } لا يعاجلكم بعقوبة ما يفرط منكم ، ويعفو عن كثير .
وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء } الآية ، اختلف الرواة في سببها فقالت فرقة منهم أنس بن مالك وغيره : نزلت بسبب سؤال عبد الله بن حذافة السهمي{[4740]} ، ( وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر مغضباً ، فقال : لا تسألوني اليوم عن شيء إلا أخبرتكم به ، فقام رجل فقال أين أنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في النار فقام عبد الله بن حذافة السهمي وكان يطعن في نسبه ، فقال من أبي ؟ فقال : أبوك حذافة ) .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وفي الحديث مما لم يذكر الطبري ( فقام آخر فقال من أبي ؟ فقال أبوك سالم مولى أبي شيبة ، فقام عمر بن الخطاب فجثا على ركبتيه وقال رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً ومحمد نبياً نعوذ بالله من الفتن ، وبكى الناس من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزلت هذه الآية بسبب هذه الاسئلة ){[4741]} .
قال القاضي أبو محمد : وصعود رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر مغضباً إنما كان بسبب سؤالات الأعراب والجهال والمنافقين ، فكان منهم من يقول أين ناقتي ؟ وآخر يقول ما الذي ألقى في سفري هذا ؟ ونحو هذا مما هو جهالة أو استخفاف وتعنيت ، وقال علي بن أبي طالب وأبو هريرة وأبو أمامة الباهلي وابن عباس ، في لفظهم اختلاف ، والمعنى واحد ، خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال : أيها الناس كتب عليكم الحج وقرأ عليهم { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً }{[4742]} قال علي : فقالوا يا رسول الله : أفي كل عام ؟ فسكت ، فأعادوا ، قال : لا ولو قلت نعم ، لوجبت ، وقال أبو هريرة : فقال عكاشة بن محصن وقال مرة فقال محصن الأسدي ، وقال غيره فقام رجل من بني أسد ، وقال بعضهم فقام أعرابي فقال يا رسول الله ، أفي كل عام ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : من السائل ؟ فقيل فلان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لم تطيقوه ، ولو تركتموه ، لهلكتم »{[4743]} فنزلت هذه الآية بسبب ذلك ، ويقوي هذا حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي عليه السلام قال : «إن أعظم المسلمين على المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته »{[4744]} وروي عن ابن عباس أنه قال : نزلت الآية بسبب قوم سألوا عن البحيرة والسائبة والوصيلة ونحو هذا من أحكام الجاهلية ، وقاله سعيد بن جبير{[4745]} .
قال القاضي أبو محمد : وروي أنه لما بين الله تعالى في هذه الآيات أمر الكعبة والهدي والقلائد ، وأعلم أن حرمتها هو الذي جعلها إذ هي أمور نافعة قديمة من لدن عهد إبراهيم عليه السلام ، ذهب ناس من العرب إلى السؤال عن سائر أحكام الجاهلية ليروا هل تلحق بتلك أم لا ، إذ كانوا قد اعتقدوا الجميع سنة لا يفرقون بين ما هو من عند الله وما هو من تلقاء الشيطان والمغيرين لدين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كعمرو بن لحي وغيره ، وفي عمرو بن لحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيته يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب{[4746]} .
قال القاضي أبو محمد : والظاهر من الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحت عليه الأعراب والجهال بأنواع من السؤالات حسبما ذكرناه ، فزجر الله تعالى عن ذلك بهذه الآية و { أشياء } اسم جمع لشيء أصله عند الخليل وسيبويه شيئاً مثل فعال قلبت إلى الفعل لثقل اجتماع الهمزتين ، وقال أبو حاتم { أشياء } وزنها أفعال وهو جمع شيء وترك الصرف فيه سماع ، وقال الكسائي : لم ينصرف { أشياء } لشبه آخرها بآخر حمراء ، ولكثرة استعمالها ، والعرب تقول أشياوات كما تقول حمراوات ، ويلزم على هذا أن لا ينصرف أسماء لأنهم يقولون أسماوات{[4747]} ، وقال الأخفش : { أشياء } أصلها أشياء على وزن أفعلاء ، اسثقلت اجتماع الهمزتين فأبدلت الأولى ياء لانكسار ما قبلها ثم حذفت الياء استخفافاً ، ويلزم على هذا أن يكون واحد الأشياء شيئاً مثل هين وأهوناء{[4748]} .
وقرأ جمهور الناس «إن تُبدَ » بضم التاء وفتح الدال وبناء الفعل للمفعول ، وقرأ مجاهد «إن تَبدُ » بفتح التاء وضم الدال على بناء الفعل للفاعل ، وقرأ الشعبي «إن يبد لكم » بالياء من أسفل مفتوحة والدال مضمومة «يسؤكم » بالياء من أسفل ، أي يبده الله لكم .
وقوله تعالى { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم } قال ابن عباس : معناه لا تسألوا عن أشياء في ضمن الإخبار عنها مساءة لكم إما لتكليف شرعي يلزمكم وإما لخبر يسوء ، كما قيل للذي قال أين أنا ؟ ولكن إذا نزل القرآن بشيء وابتدأكم ربكم بأمر فحينئذٍ إن سألتم عن تفصيله وبيانه ُبِّين لكم وُأبدى .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله : فالضمير في قوله { عنها } عائد على نوعها لا على الأولى التي نهى عن السؤال عنها ، وقال أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه : إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحد حدوداً فلا تعتدوها وعفا من غير نسيان عن أشياء فلا تبحثوا عنها ، وكان عبيد بن عمير يقول : إن الله أحل وحرم فما أحل فاستحلوا وما حرم فاجتنبوا وترك بين ذلك أشياء لم يحلها ولم يحرمها ، فذلك عفو من الله عفاه ، ثم يتلو هذه الآية .
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل قوله تعالى : { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم } أن يكون في معنى الوعيد كأنه قال لا تسألوا وإن سألتم لقيتم عبء ذلك وصعوبته لأنكم تكلفون وتستعجلون علم ما يسوءكم كالذي قيل له إنه في النار ، وقوله تعالى : { عفا الله عنها } تركها ولم يعرف بها ، وهذه اللفظة التي هي { عفا } ، تؤيد أن الأشياء التي هي في تكليفات الشرع ، وينظر إلى ذلك قول النبي عليه السلام ( إن الله قد عفا لكم عن صدقة الخيل ){[4749]} ، و { غفور حليم } صفتان تناسب{[4750]} العفو وترك المباحثة والسماحة في الأمور .
استئناف ابتدائي للنهي عن العودة إلى مسائل سألها بعض المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست في شؤون الدين ولكنّها في شؤون ذاتية خاصّة بهم ، فنهوا أن يشغلوا الرسول بمثالها بعد أن قدّم لهم بيان مُهمّة الرسول بقوله تعالى : { ما على الرسول إلاّ البلاغ } [ المائدة : 99 ] الصالح لأن يكون مقدّمة لمضمون هذه الآية ولمضمون الآية السابقة ، وهي قوله : { قل لا يستوي الخبيث والطيّب } [ المائدة : 100 ] فالآيتان كلتاهما مرتبطتان بآية { ما على الرسول إلاّ البلاغ } [ المائدة : 99 ] ، وليست إحدى هاتين الآيتين بمرتبطة بالأخرى .
وقد اختلفت الروايات في بيان نوع هذه الأشياء المسؤول عنها والصحيح من ذلك حديث موسى بن أنس بن مالك عن أبيه في « الصحيحين » قال : سأل الناس رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حتى أحْفَوْهُ بالمسألة ، فصعِد المنبر ذات يوم فقال : " لا تسألونني عن شيء إلاّ بيّنت لكم " ، فأنشأ رجل كانَ إذا لاحَى يُدعى لغير أبيه ، فقال : يا رسول الله من أبي قال : أبوك حذافة ( أي فدعاه لأبيه الذي يعرف به ) ، والسائل هو عبد الله بن حُذَافة السَّهمي ، كما ورد في بعض روايات الحديث . وفي رواية لمسلم عن أبي موسى : فقام رجل آخر فقال مَن أبي ، قال : أبوك سالم مولى شيبة . وفي بعض روايات هذا الخبر في غير الصحيح عن أبي هريرة أنّ رجلاً آخر قام فقال : أين أبي . وفي رواية : أين أنا ؟ فقال : في النار .
وفي « صحيح البخاري » عن ابن عبّاس قال : كان قوم ، أي من المنافقين ، يسألون رسول الله استهزاء فيقول الرجل تضلّ ناقته : أين ناقتي ، ويقول الرجل : من أبي ، ويقول المسافر : ماذا ألقى في سفري ، فأنزل الله فيهم هذه الآية : { يا أيّها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبْدَ لكم تَسؤُكم } . قال الأيمّة : وقد انفرد به البخاري . ومحمله أنّه رأي من ابن عباس ، وهو لا يناسب افتتاح الآية بخطاب الذين آمنوا اللهمّ إلاّ أن يكون المراد تحذير المؤمنين من نحو تلك المسائل عن غفلة من مقاصد المستهزئين ، كما في قوله : { يأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعِنا } [ البقرة : 104 ] ، أو أريد بالذين آمنوا الذين أظهروا الإيمان ، على أنّ لهجة الخطاب في الآية خالية عن الإيماء إلى قصد المستهزئين ، بخلاف قوله : { لا تقولوا راعنا } [ البقرة : 104 ] فقد عقّب بقوله : { وللكافرين عذاب أليم } [ البقرة : 104 ] .
وروى الترمذي والدارقطني عن علي بن أبي طالب لمّا نزلت { ولله على الناس حجّ البيت } [ آل عمران : 97 ] قالوا : يا رسول الله في كلّ عام ، فسكت ، فأعادوا . فقال : لا ، ولو قلت : نعم لوجبتْ ، فأنزل الله { يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } قال : هذا حديث حسن غريب .
وروى الطبري قريباً منه عن أبي أمامة وعن ابن عباس . وتأويل هذه الأسانيد أنّ الآية تليتْ عند وقوع هذا السؤال وإنّما كان نزولها قبل حدوثه فظنّها الراوون نزلت حينئذٍ . وتأويل المعنى على هذا أنّ الأمّة تكون في سعة إذا لم يشرع لها حكم ، فيكون الناس في سعة الاجتهاد عند نزول الحادثة بهم بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإذا سألوا وأجيبوا من قِبل الرسول صلى الله عليه وسلم تعيّن عليهم العمل بما أجيبوا به . وقد تختلف الأحوال والأعصار فيكونون في حرج إن راموا تغييره ؛ فيكون معنى { إن تبد لكم تسؤكم } على هذا الوجه أنّها تسوء بعضهم أو تسوءهم في بعض الأحوال إذا شقّت عليهم . وروى مجاهد عن ابن عباس : نزلت في قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البَحيرة والسائبة والوصيلة والحامي . وقال مثله سعيد بن جبير والحسن .
وقوله : { أشياء } تكثير شيء ، والشيء هو الموجود ، فيصدق بالذات وبحال الذات ، وقد سألوا عن أحوال بعض المجهولات أو الضَّوالّ أو عن أحكام بعض الأشياء . و ( أشياء ) كلمة تدلّ على جمع ( شيء ) ، والظاهر أنّه صيغة جمع لأنّ زنة شيء ( فَعْل ) ، و ( فَعْل ) إذا كان معتلّ العين قياس جمعه ( أفعال ) مثل بيت وشيخ . فالجاري على متعارف التصريف أن يكون ( أشياء ) جمعاً وأنّ همزته الأولى همزة مزيدة للجمع . إلاّ أنّ ( أشياء ) ورد في القرآن هنا ممنوعاً من الصرف ، فتردّد أئمّة اللغة في تأويل ذلك ، وأمثل أقوالهم في ذلك قول الكسائي : إنّه لما كثر استعماله في الكلام أشبه ( فعلاء ) ، فمنعوه من الصرف لهذا الشبه ، كما منعواسراويل من الصرف وهو مفرد لأنّه شابه صيغة الجمع مثل مصابيح .
وقال الخليل وسيبويه : ( أشياء ) اسم جمع ( شيء ) وليس جمعاً ، فهو مثل طَرْفاء وحلفاء فأصله شيْئاء ، فالمّدة في آخره مدّة تأنيث ، فلذلك منع من الصرف ، وادّعى أنّهم صيّروه أشياء بقلب مَكَاني . وحقُّه أن يقال : شيْئَاء بوزن ( فعلاء ) فصار بوزن ( لفعاء ) .
وقوله { إن تبد لكم تسؤكم } صفة { أشياء } ، أي إن تُظهرْ لكم وقد أخفيت عنكم يكن في إظهارها ما يسوءكم ، ولمّا كانت الأشياء المسؤول عنها منها ما إذا ظهر ساء من سأل عنه ومنها ما ليس كذلك ، وكانت قبل إظهارها غير متميّزة كان السؤال عن مجموعها معرّضاً للجواب بما بعضه يسوء ، فلمّا كان هذا البعض غير معيّن للسائلين كان سؤالهم عنها سُؤالاً عن ما إذا ظهر يسوءهُم ، فإنّهم سألوا في موطن واحد أسئلة منها : ما سرّهم جوابه ، وهو سؤال عبد الله بن حذافة عن أبيه فأجيب بالذي يصدّق نسبه ، ومنها ما ساءهم جوابه ، وهو سؤال من سأل أين أبي ، أو أين أنا فقيل له : في النار ، فهذا يسوءه لا محالة . فتبيّن بهذا أنّ قوله : { إن تبد لكم تسؤكم } روعي فيه النهي عن المجموع لكراهية بعض ذلك المجموع .
والمقصود من هذا استئناسهم للإعراض عن نحو هذه المسائل ، وإلاّ فإنّ النهي غير مقيّد بحال ما يسوءهم جوابه ، بدليل قوله بعده { عفا الله عنها } . لأنّ العفو لا يكون إلاّ عن ذنب وبذلك تعلم أنّه لا مفهوم للصفة هنا لتعذّر تمييز ما يسوء عمّا لا يسوء .
وجملة { وإن تسألوا عنها حين ينزّل القرآن تبْدَ لكم } عطف على جملة { لا تسألوا } ، وهي تفيد إباحة السؤال عنها على الجملة لقوله : { وإن تسألوا } فجعلهم مخيّرين في السؤال عن أمثالها ، وأنّ ترك السؤال هو الأوْلى لهم ، فالانتقال إلى الإذن رخصة وتوسعة ، وجاء ب { إنْ } للدلالة على أنّ الأولى ترك السؤال عنها لأنّ الأصل في ( إنْ ) أن تدلّ على أنّ الشرط نادر الوقوع أو مرغوب عن وقوعه .
وقوله : { حين ينزّل القرآن } ظرف يجوز تعلّقه بفعل الشرط وهو { تسألوا } ، ويجوز تعلّقه بفعل الجواب وهو { تُبدَ لكم } ، وهو أظهر إذ الظاهر أنّ حين نزول القرآن لم يجعل وقتاً لإلقاء الأسئلة بل جعل وقتاً للجواب عن الأسئلة . وتقديمه على عامله للاهتمام ، والمعنى أنّهم لا ينتظرون الجواب عمّا يسألون عنه إلاّ بعد نزول القرآن ، لقوله تعالى : { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب إلى قوله إن أتّبعُ إلاّ ما يوحى إليّ } [ الأنعام : 50 ] فنبّههم الله بهذا على أنّ النبي يتلقّى الوحي من علاّم الغيوب . فمن سأل عن شيء فلينتظر الجواب بعد نزول القرآن ، ومن سأل عند نزول القرآن حصل جوابه عقِب سؤاله . ووقتُ نزول القرآن يعرفه من يحضر منهم مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فإنّ له حالة خاصّة تعتري الرسول صلى الله عليه وسلم يعرفها الناس ، كما ورد في حديث يعلى بن أمية في حكم العمرة . ومما يدلّ لهذا ما وقع في حديث أنس من رواية ابن شهاب في « صحيح مسلم » أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى لهم صلاة الظهر فلما سلّم قام على المنبر فذكر الساعة وذكر أنّ قبلها أموراً عظاماً ثم قال : مَنْ أحبّ أن يسألني عن شيء فليسألني عنه فوالله لا تسألونني عن شيء إلاّ أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا . ثم قال : " لقد عرضت عليَّ الجنة والنار آنفاً في عُرض هذا الحائط فلم أر كاليوم في الخير والشر " الحديث ، فدلّ ذلك على أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك الحينَ في حال نزول وحي عليه . وقد جاء في رواية موسى بن أنس عن أبيه أنس أنّه أنزل عليه حينئذٍ قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء } الآية . فتلك لا محالة ساعة نزول القرآن واتّصال الرسول عليه الصلاة والسلام بعالم الوحي .
وقوله : { عفا الله عنها } يحتمل أنّه تقرير لمضمون قوله : { وإن تسألوا عنها حين ينزّل القرآن تبدَ لكم } ، أي أنّ الله نهاكم عن المسألة وعفا عنكم أن تسألوا حين ينزّل القرآن . وهذا أظهر لعوذ الضمير إلى أقرب مذكور باعتبار تقييده { حين ينزّل القرآن } . ويحتمل أن يكون إخباراً عن عفوه عمّا سلف من إكثار المسائل وإحفاء الرسول صلى الله عليه وسلم فيها لأنّ ذلك لا يناسب ما يجب من توقيره .