بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا} (1)

{ يا أَيُّهَا الناس } قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى { يا أَيُّهَا الناس } قال : الناس عامة ، وقد يكون { يا أَيُّهَا الناس } خاصة وعامة ، يعني خاصة لأهل مكة ، وفي هذا الموضع عام لجميع الناس { اتقوا رَبَّكُمُ } يعني اخشوا ربكم ويقال أطيعوا ربكم احذروا المعاصي لكي تنجوا من عقوبة ربكم . وقال : وحّدوا ربكم ولا تشركوا به شيئاً ، ثم دل على وحدانية نفسه بصنيعه فقال : { الذي خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة } يعني آدم { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } يعني خلق من نفس آدم زوجها حواء ، وذلك أن الله تعالى لما خلق آدم وأسكنه الجنة ألقى عليه النوم ، فكان آدم بين النائم واليقظان ، فخلق من ضلع من أضلاعه اليسرى حواء ، فلما استيقظ قيل له من هذه يا آدم ؟ قال امرأة لأنها خلقت من المرء ، فقيل : ما اسمها ؟ قال : حواء لأنها خلقت من حي . وقد قيل : إنما سميت حواء لأنه كان على شفتيها حوة وقيل لأن لونها كان يضرب إلى السمرة فسميت حواء من قولك أحوى كقوله تعالى { فَجَعَلَهُ غُثَاءً أحوى } [ الأعلى : 5 ]

ثم قال تعالى : { وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء } يعني : خلق منهما يعني من آدم وحواء ، ونشر منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، يعني خلق منهما رجالاً كثيراً ونساءً . قال مقاتل : أي خلق منهما ألف ذرية من الناس . ثم قال تعالى : { واتقوا الله } أي أطيعوا الله { الذي تَسَاءلُونَ بِهِ } قرأ حمزة ، والكسائي ، وعاصم ، وأبو عمرو في رواية هارون : «تسألون » بغير تشديد . وقرأ الباقون بالتشديد ، فأما من قرأ بالتشديد لأن أصله تتساءلون فأدغم إحدى التاءين في السين وأقيم التشديد مقامه ، ومن قرأ بالتخفيف فالأصل أيضاً تتساءلون ، فحذف إحدى التاءين لاجتماع الحرفين من جنس واحد للتخفيف . ثم قال : { والأرحام } قرأ حمزة : { والأرحام } بكسر الميم ، والباقون بنصب الميم ، ومعناه واتقوا الله الذي تسألون به الحاجات ، يعني الذي يسأل الناس بعضهم بعضاً ، فيقول الرجل للرجل : أسألك بالله وأنشدك بالله والأرحام . يقول : واتقوا الله في ذوي الأرحام ، فصلوها ولا تقطعوها . وأما من قرأ بالكسر معناه : أسألك بالله وبالرحم أن تعطيني شيئاً . وقال الزجاج : من قرأ بالخفض فخطأ في العربية وفي أمر الدين ، أما الخطأ في العربية لأن الاسم يعطف على الاسم المفصح به ولا يعطف على المكنى به إلا في اضطرار الشعر ، كقول الشاعر :

فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا . . . فما لنا بك والأيام من عجب

وأما في غير الشعر فلا يستعمل ، وأما الخطأ الذي في الدين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ " فالسؤال بالأرحام أمر عظيم . ولكن روي عن إبراهيم النخعي أنه كان يقرأ بالخفض أيضاً .