الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ أُحِلَّتۡ لَكُم بَهِيمَةُ ٱلۡأَنۡعَٰمِ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ غَيۡرَ مُحِلِّي ٱلصَّيۡدِ وَأَنتُمۡ حُرُمٌۗ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ مَا يُرِيدُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المائدة مدنية وآياتها ستون ومائة

أخرج أحمد وأبو عبيد في فضائله والنحاس في ناسخه والنسائي وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن جبير بن نفير قال : حججت فدخلت على عائشة ، فقالت لي : يا جبير تقرأ المائدة ؟ فقلت : نعم . فقالت : أما إنها آخر سورة نزلت ، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه ، وما وجدتم من حرام فحرموه .

وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عبد لله بن عمرو قال : آخر سورة نزلت سورة المائدة ، والفتح .

وأخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو قال : أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المائدة وهو راكب على راحلته ، فلم يستطع أن تحمله فنزل عنها .

وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير ومحمد بن نصر في الصلاة والطبراني وأبو نعيم في الدلائل والبيهقي في شعب الإيمان عن أسماء بنت يزيد قالت : إني لآخذة بزمام العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نزلت المائدة كلها ، فكادت من ثقلها تدق عضد الناقة .

وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده والبغوي في معجمه وابن مردويه والبيهقي في دلائل النبوة عن أم عمرو بنت عبس عن عمها " أنه كان في مسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت عليه سورة المائدة ، فاندق كتف راحلته العضباء من ثقل السورة " .

وأخرج عبد بن حميد في مسنده عن ابن عباس " ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في خطبته سورة المائدة ، والتوبة " .

وأخرج أبو عبيد عن محمد بن كعب القرظي قال " نزلت سورة المائدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فيما بين مكة والمدينة وهو على ناقته ، فانصدعت كتفها ، فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

وأخرد بن جرير عن الربيع بن أنس قال : نزلت سورة المائدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسير ، في حجة الوداع وهو راكب راحلته ، فبركت به راحلته من ثقلها .

وأخرج أبو عبيد عن ضمرة بن حبيب وعطية بن قيس قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المائدة من آخر القرآن تنزيلا ، فأحلوا حلالها ، وحرموا حرامها " .

وأخرج أبو سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي ميسر قال : آخر سورة أنزلت سورة المائدة ، وأن فيها لسبع عشرة فريضة .

وأخرج الفريابي وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي ميسرة قال : في المائدة ثمان عشرة فريضة ليس في سورة من القرآن غيرها وليس فيها منسوخ . المنخنقة ، والموقوذة ، والمرتدية ، والنطحية ، وما أكل السبع ، إلا ما ذكيتم ، وما ذبح على النصب ، وأن تستقسموا بالأزلام ، والجوارح مكلبين ، وطعام الذين أوتوا الكتاب ، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ، وتمام الطهور ، وإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ، والسارق والسارقة ، وما جعل الله من بحيرة الآية .

وأخرج أبو داود والنحاس كلاهما في الناسخ عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال : لم ينسخ من المائدة شيء .

وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن المنذر عن ابن عون قال : قلت للحسن : نسخ من المائدة شيء ؟ فقال : لا .

وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر والنحاس عن الشعبي قال : لم ينسخ من المائدة إلا هذه الآية ( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ) ( المائدة :2 ) .

وأخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم والنحاس والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : نسخ من هذه السورة آيتان آية . القلائد ، وقوله( فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) ( المائدة :42 ) .

وأخرج البغوي في معجمه من طريق عبدة بن أبي لبابة قال : بلغني عن سالم مولى أبي حذيفة قال " كانت لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة ، فأتيت المسجد فوجدته قد كبر ، فتقدمت قريبا منه ، فقرأ بسورة البقرة ، وسورة النساء ، وبسورة المائدة ، وبسورة الأنعام ، ثم ركع ، فسمعته يقول سبحان ربي العظيم ، ثم قام فسجد ، فسمعته يقول سبحان ربي الأعلى ثلاثا في كل ركعة " .

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله { أوفوا بالعقود } يعني بالعهود ، ما أحل الله وما حرم ، وما فرض وما حدَّ في القرآن كله ، لا تغدروا ولا تنكثوا .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { أوفوا بالعقود } أي بعقد الجاهلية ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول « أوفوا بعقد الجاهلية ، ولا تحدثوا عقداً في الإسلام » .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله { أوفوا بالعقود } قال : بالعهود ، وهي عقود الجاهلية الحلف .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عبد الله بن عبيدة قال : العقود خمس : عقدة الإيمان ، وعقدة النكاح ، وعقدة البيع ، وعقدة العهد ، وعقدة الحلف .

وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم في الآية قال : العقود خمس : عقدة الإيمان ، وعقدة النكاح ، وعقدة البيع ، وعقدة العهد ، وعقدة الحلف .

وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقِّه أهلها ، ويعلمهم السنة ، ويأخذ صدقاتهم ، فكتب بسم الله الرحمن الرحيم . هذا كتاب من الله ورسوله { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } عهداً من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم ، أمره بتقوى الله في أمره كله { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } [ النحل : 128 ] ، وأمره أن يأخذ الحق كما أمره ، وأن يبشر بالخير الناس ، ويأمرهم به الحديث بطوله .

وأخرج الحرث بن أبي أسامة في مسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أدوا للحلفاء عقودهم التي عاقدت أيمانكم . قالوا : وما عقدهم يا رسول الله ؟ قال : العقل عنهم ، والنصر لهم » .

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن مقاتل بن حيان قال : بلغنا في قوله { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } يقول : أوفوا بالعهود ، يعني العهد الذي كان عهد إليهم في القرآن فيما أمرهم من طاعته أن يعملوا بها ، ونهيه الذي نهاهم عنه ، وبالعهد الذي بينهم وبين المشركين ، وفيما يكون من العهود بين الناس .

وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى { أحلت لكم بهيمة الأنعام } قال : يعني الإبل والبقر والغنم قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم . أما سمعت الأعشى وهو يقول :

أهل القباب الحمر والن *** عم المؤثل والقبائل

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله { أحلت لكم بهيمة الأنعام } قال : الإبل ، والبقر ، والغنم .

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس . أنه أخذ بذنب الجنين ، فقال : هذا من بهيمة الأنعام التي أحلَّت لكم .

وأخرج ابن جرير عن ابن عمر في قوله { أحلت لكم بهيمة الأنعام } قال : ما في بطونها . قلت : إن خرج ميتاً آكله ؟ قال : نعم .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله { أحلت لكم بهيمة الأنعام } قال : الأنعام كلها { إلا ما يتلى عليكم } قال : إلا الميتة ، وما لم يذكر اسم الله عليه .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله { أحلَّت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم } قال { الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به } [ المائدة : 3 ] إلى آخر الآية فهذا ما حرم الله من بهيمة الأنعام .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله { إلا ما يتلى عليكم } قال : إلا الميتة وما ذكر معها { غير محلي الصيد وأنتم حرم } قال : غير أن يحل الصيد أحد وهو محرم .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن أيوب قال : سئل مجاهد عن القرد أيؤكل لحمه ؟ فقال : ليس من بهيمة الأنعام .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الربيع بن أنس في الآية قال : الأنعام كلها حل إلا ما كان منها وحشياً فإنه صيد ، فلا يحل إذا كان محرماً .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { إن الله يحكم ما يريد } قال : إن الله يحكم ما أراد في خلقه ، وبين ما أراد في عباده ، وفرض فرائضه ، وحدَّ حدوده ، وأمر بطاعته ، ونهى عن معصيته .