فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (103)

قوله : { واعتصموا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً } الحبل لفظ مشترك ، وأصله في اللغة السبب الذي يتوصل به إلى البغية ، وهو : إما تمثيل ، أو استعارة . أمرهم سبحانه بأن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام ، أو بالقرآن ، ونهاهم عن التفرق الناشئ عن الاختلاف في الدين ، ثم أمرهم بأن يذكروا نعمة الله عليهم ، وبين لهم من هذه النعمة ما يناسب المقام ، وهو أنهم كانوا أعداء مختلفين يقتل بعضهم بعضاً ، وينهب بعضهم بعضاً ، فأصبحوا بسبب هذه النعمة إخواناً وكانوا على شفا حفرة من النار بما كانوا عليه من الكفر ، فأنقذهم الله من هذه الحفرة بالإسلام . ومعنى قوله : { أصبحتم } صرتم ، وليس المراد به معناه الأصلي : وهو الدخول في وقت الصباح ، وشفا كل شيء : حرفه ، وكذلك شفيره ، وأشفى على الشيء : أشرف عليه ، وهو تمثيل للحالة التي كانوا عليها في الجاهلية . وقوله : { قَالَ كذلك } إشارة إلى مصدر الفعل الذي بعده أي : مثل ذلك البيان البليغ يبين الله لكم . وقوله : { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } إرشاد لهم إلى الثبات على الهدى ، والازدياد منه .

/خ103