سورة " ص " سورة مكية ، نزلت في الفترة المتوسطة من حياة المسلمين بمكة ، فيما بين الهجرة إلى الحبشة والإسراء ، وآياتها 88 آية . وسميت بهذا الاسم لابتدائها بهذا الحرف .
معظم مقصود سورة " ص " بيان تعجب الكفار من نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ووصف الكافرين لرسول الله بالاختلاق والافتراء ، واختصاص الحق تعالى بملك الأرض والسماء ، وظهور أحوال يوم القضاء وعجائب حديث داود وأوريا ، وقصة سليمان ، وذكر قصة أيوب في الابتلاء والشفاء ، وذكر إبراهيم وأولاده من الأنبياء ، وحكاية أحوال ساكني جنة المأوى ، وعجز حال الأشقياء في سقر ولظى ، وواقعة إبليس مع آدم وحواء ، وتهديد الكفار على تكذيبهم للمجتبى {[1]} .
قال تعالى : { إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين } . [ ص : 87 ، 88 ] .
أثارت سورة " ص " عددا من القضايا أهمها : قضية التوحيد ، وقضية الوحي ، وقضية الحساب في الآخرة ، وقد عرضت هذه القضايا الثلاث في مطلعها ، الذي يمثل الدهشة والاستغراب من كبار المشركين في مكة ، حين جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى التوحيد ، وساقت السورة شبهات الكافرين حول قضية الوحي .
فقد استكثروا أن يختار الله سبحانه رجلا منهم لينزل عليه الذكر من بينهم ، وان هذا الرجل هو محمد ابن عبد الله الذي لم تسبق له رئاسة فيهم ولا إمارة فقالوا : { أأنزل عليه الذكر من بيننا . . . } [ ص : 8 ) ] .
وبينت السورة لهم أن رحمة الله لا يمسكها شيء إذا أراد أن يفتحها على من يشاء ، وانه ليس للبشر شيء من ملك السماوات والأرض ، وإنما يفتح الله رزقه ورحمته على من يشاء . . وأنه يختار من عباده من يعلم استحقاقهم للخير ، وينعم عليهم بشتى الإنعامات بلا لا قيد ولا حد ولا حساب . . وفي هذا السياق جاءت قصة داود وقصة سليمان ، وما أغدق الله عليهما من النبوة والملك ، ومن تسخير الجبال والطير ، وتسخير الجن والريح ، فوق الملك وخزائن الأرض والسلطان والمتاع ، وجاء مع القصتين توجيه النبي صلى الله علية وسلم إلى الصبر على ما يلقاه من المكذبين : { اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب } . [ ص : 17 ] .
كذلك جاءت قصة أيوب تصور ابتلاء الله للمخلصين من عباده بالضراء ، وصبر أيوب مثل في الصبر رفيع ، وتصور السورة حسن العاقبة للصابرين .
ونلاحظ أن السياق يجري في سورة " ص " فيربط بين أربعة موضوعات رئيسية ، هي شبه الكافرين ، وقصص الأنبياء ، والمقابلة بين نعيم المتقين وعذاب الكافرين ، ثم قصة خلق آدم وسجود الملائكة له وإباء إبليس .
تشمل الآيات من ( 1-16 ) على شبه الكافرين حول بشرية الرسول ، واختصاصه بالوحي ، وإنكار توحيد الآلهة في إله واحد ، والرد على هذه المفتريات ، وبيان جزاء المكذبين ، من قوم نوح وعاد ، وفرعون وثمود ، وقوم لوط وأصحاب الأيكة ، { إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب } . [ ص : 14 ]
تشمل الآيات من ( 17-48 ) على قصص وأمثلة من حياة الرسل صلوات الله عليهم .
وفي هذا القصص بيان لآثار رحمة الله بالرسل من قبل ، وتذكير بما أغدق الله عليهم من نعمة وفضل ، وبما آتاهم من ملك وسلطان ومن رعاية وإنعام ، وذلك ردّا على عجب الكافرين من اختيار الله لمحمد رسولا من بينهم ، وما هو ببدع من الرسل ، وفيهم من آتاه الله إلى جانب الرسالة الملك والسلطان ، وفيهم من سخر له الجبال يسبحن معه والطير ، وفيهم من سخر الله له الريح والشياطين ، كداود وسليمان . . فما وجه العجب أن يختار الله محمدا الصادق ، لينزل عليه الذكر من بين قريش من آخر الزمان .
كذلك يصور هذا القصص رعاية الله الدائمة لرسله ، وحياطتهم بتوجيهه وتأديبه فقد كانوا بشرا – كما أن محمدا صلى الله عليه وسلم بشر- وكان فيهم ضعف البشر ، وكان الله يرعاهم فلا يدعهم لضعفهم ، وإنما يبين لهم ويوجههم ، ويبتليهم ليغفر لهم ويكرمهم ، وفي هذا ما يطمئن قلب الرسول إلى رعاية ربه له ، وحمايته له من أذى المشركين ، وفي تلك القصص سلوى ومواساة لما لقيه النبي من تكذيب واتهام وتعجيب وافتراء ، وفيه دعوة إلى الصبر حتى ينال رضوان الله ، كما ناله السابقون من الأنبياء .
تعرض الآيات من ( 49-64 ) مشهد المؤمنين في الجنة ، وقد فتحت أبوابها ، وجرت أنهارها ، وكثر حورها وولدانها ، وتنوعت أرزاقها : { إن هذا لرزقنا ما له من نفاد } . [ ص : 54 ] .
كما تعرض مشهد الطاغين في النار ، وقد اشتد لهيبها ، وتنوع عذابها ، واختصم الأتباع والرؤساء فيها ، وأخذوا يبحثون عن ضعفاء المؤمنين بينهم فلا يجدونهم في النار ، لأن هؤلاء الضعفاء في الجنة والرضوان .
تشمل الآيات من 65 إلى آخر السورة على تأكيد وحدانية الله ، وشمول قدرته وملكه لما في السماوات والأرض .
وتستعرض قصة آدم وسجود الملائكة له ، كدليل على أن هؤلاء الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، كما تتضمن القصة لونا من الحسد في نفس الشيطان ، هو الذي أبعده وطرده من رحمة الله ، حينما استكثر على آدم فضل الله الذي أعطاه ، وفي هذا إيحاء لهم ألا يستكثروا على محمد فضل الرسالة وتبليغ وحي السماء ، كذلك تصور الآيات المعركة المستمرة بين الشيطان وأبناء آدم ، والتي لا يهدأ أوارها ، ولا ينفع أوزارها ، والتي يهدف من ورائها إلى إيقاع أكبر عدد منهم في حبائله ، لإيرادهم النار معه ، انتقاما من أبيهم آدم ، وقد كان طرد إبليس من الجنة بسبب امتناعه من السجود له ، فالمعركة بين إبليس وذرية آدم معروفة الأهداف ، ولكن أبناء آدم يستسلمون لعدوهم القديم .
وتختم السورة بتوكيد قضية الوحي ، وإخلاص الرسول في تبليغ الرسالة ، لا يبتغي أجرا ولا يتكلف قولا ، وإنما يبلغ القرآن ، وسيكون لهذا القرآن أبلغ الأثر في حياة البشرية .
{ ص والقرآن ذي الذكر ( 1 ) بل الذين كفروا في عزة وشقاق ( 2 ) كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص ( 3 ) وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب ( 4 ) أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ( 5 ) وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ( 6 ) ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ( 7 ) أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب ( 8 ) أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب ( 9 ) أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب ( 10 ) جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ( 11 ) }
ص : حرف للتنبيه ، كالجرس الذي يقرع فيتنبه التلاميذ لدخول المدرسة .
ذي الذكر : ذي الشرف ، أو الموعظة .
بدأ القرآن الكريم بعض السور بحروف المعجم ، مثل : ص ، ق ، ن ، حم ، ألم . . . . . .
وهي حروف للتنبيه ، كالجرس الذي يقرع فينبه التلاميذ لدخول المدرسة ، كذلك القرآن عندما يفتتح بعض السور بهذه الأحرف ، يتنبه الكافرون لهذا الأمر العجيب ، ثم يقول : { والقرآن ذي الذكر } .
وقيل : هي حروف للتحدي والإعجاز ، وقيل : هي حروف للقسم ، باعتبار أن القرآن مكوّن من هذه الأحرف ، أي أقسم ب : ص ، وأقسم بالقرآن ذي الذكر .
أي : والقرآن ذي الشرف والمنعة والمكانة العالية ، أو القرآن المشتمل على تذكير الناس ووعظهم بما ينفعهم في المعاش والميعاد ، ولا منافاة بين القولين ، فالقرآن كتاب شريف ، والقرآن مشتمل على التذكير والإنذار وأسباب الهداية ، وبذلك يسود الناس ، وينتقلون من كمّ مهمل إلى أمة متحضرة منظمة ، لها فكر ونظام ، وقوة واحترام .
قال تعالى : { وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون } . [ الزخرف : 44 ]
أي : إنه شرف لك أن ينزل عليك وحي السماء ، وشرف لقومك إذا اتبعوه وعملوا به ، وجواب القسم محذوف دل عليه السياق ، تقديره : إن القرآن حق ، أو إنه لمعجز أو إن محمدا لصادق ، أو إن البعث حق ، ويفهم الجواب من روح القرآن وأفكاره ، في السابق واللاحق .
( مكية كما روي عن ابن عباس وغيره وقيل مدنية وليس بصحيح كما قال الداني وهي ثمان وثمانون آية في الكوفي وست وثمانون في الحجازي والبصري والشامي وخمس وثمانون في عد أيوب بن المتوكل وحده قيل ولم يقل أحد إن ( ص ) وحدها آية كما قيل في غيرها من الحروف في أوائل السور وفيه بحث وهي كالمتممة لما قبلها من حيث أنه ذكر فيها ما لم يذكر في تلك من الأنبياء عليهم السلام كداود وسليمان ولما ذكر سبحانه فيما قبل عن الكفار أنهم قالوا ( لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين ) وأنهم كفروا بالذكر لما جاءهم بدأ عز وجل في هذه السورة بالقرآن ذي الذكر وفصل ما أجمل هناك من كفرهم وفي ذلك من المناسبة ما فيه ومن دقق النظر لاح مناسبات أخر والله تعالى الموفق .
{ ص } بالسكون على الوقف عند الجمهور ، وقرأ أبي . والحسن . وابن أبي إسحق وأبو السماء . وابن أبي عبلة . ونصر بن عاصم { صاد } بكسر الدال ؛ والظاهر أنه كسر لالتقاء الساكنين وهو حرف من حروف المعجم نحو { تَعْمَلُونَ ق } و { ن } .
وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه أمر من صادي أي عارض ، ومنه الصدى وهو ما يعارض الصوت الأول ويقابله بمثله في الأماكن الخالية والأجسام الصلبة العالية ، والمعنى عارض القرآن بعملك أي اعمل بأوامره ونواهيه ، وقال عبد الوهاب : أي أعرضه على عملك فانظر أين عملك من القرآن ، وقيل هو أمر من صادى أي حادث ، والمعنى حادث القرآن ، وهو رواية عن الحسن أيضاً وله قرب من الأول . وقرأ عيسى . ومحبوب عن أبي عمرو . وفرقة { صاد } بفتح الدار ، وكذا قرؤوا قاف ونون بالفتح فيهما فقيل هو لالتقاء الساكنين أيضاً طلباً للخفة ، وقيل هو حركة إعراب على أن { صاد } منصوب بفعل مضمر أي اذكر أو اقرأ صاد أو بفعل القسم بعد نزع الخافض لما فيه من معنى التعظيم المتعدي بنفسه نحو الله لأفعلن أو مجرور بإضمار حرف القسم ، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث بناء على أنه علم للسورة ، وقد ذكر الشريف أنه إذا اشتهر مسمى بإطلاق لفظ عليه يلاحظ المسمى في ضمن ذلك اللفظ وأنه بهذا الاعتبار يصح اعتبار التأنيث في الاسم . وقرأ ابن أبي إسحق في رواية { صاد } بالجر والتنوين ، وذلك إما لأن الثلاثي الساكن الوسط يجوز صرفه بل قيل إن الأرجح ، وإما لاعتبار ذلك اسماً للقرآن كما هو أحد الاحتمالات فيه فلم يتحقق فيه العلتان فوجب صرفه ، والقول بأن ذاك لكونه علماً لمعنى السورة لا للفظها فلا تأنيث فيه مع العلمية ليكون هناك علتان لا يخلو عن دغدغة . وقرأ ابن السميقع . وهرون الأعور . والحسن في رواية { صاد } بضم الدال ، وكأنه اعتبر اسماً للسورة وجعل خبر مبتدأ محذوف أي هذه صاد ، ولهم في معناه غير متقيدين بقراءة الجمهور اختلاف كاضرابه من أوائل السور ، فأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال : سئل جابر بن عبد الله وابن عباس عن { ص } فقالا : ما ندري ما هو ، وهو مذهب كثير في نظائره ، وقال عكرمة : سئل نافع بن الأزرق عبد الله بن عباس عن { ص } فقال : ص كان بحراً بمكة وكان عليه عرش الرحمن إذ لا ليل ولا نهار .
وقال ابن جبير : هو بحر يحيي الله تعالى به الموتى بين النفختين ، والله تعالى أعلم بصحة هذين الخبرين .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال { ص } صدق الله ، وأخرج ابن مردويه عنه أنه قال : { ص } يقول إني أنا الله الصادق ، وقال محمد بن كعب القرظي : هو مفتاح أسماء الله تالى صمد وصانع المصنوعات وصادق الوعد .
وقيل هو إراشة إلى صدور الكفار عن القرآن ، وقيل حرف مسرود على منهاج التحدي ، وجنح إليه غير واحد من أرباب التحقيق ، وقيل اسم للسورة وإليه ذهب الخليل . وسيبويه . والأكثرون ، وقيل اسم للقرآن وقيل غير ذلك باعتبار بعض القراآت كما سمعت عن قريب ، ومن الغريب أن المعنى صاد محمد صلى الله عليه وسلم قلوب الخلق واستمالها حتى آمنوا به ، ولعل القائل به اعتبره فعلاً ماضياً مفتوح الآخر أو ساكنه للوقف ، وأنا لا أقول به ولا أرتضيه وجهالً ، وهو على بعض هذه الأوجه لا حظ له من الإعراب ، وعلى بعضها يجوز أن يكون مقسماً به ومفعولاً لمضمر وخبر مبتدأ محذوف ، وعلى بعضها يتعين كونه مقسماً به ، وعلى بعض ما تقدم في القراءات يتأتى ما يتأتى مما لا يخفى عليك ، وبالجملة إن لم يعتبر مقسماً به فالواو في قوله سبحانه : { ص والقرءان ذِى } للقسم وإن اعتبر مقسماً به فهي للعطف عليه لكن إذا كان قسماً منصوباً على الحذف والإيصال يكون العطف عليه باعتبار المعنى والأصل ، ثم المغايرة بينهما قد تكون حقيقية كما إذا أريد بالقرآن كله و { بص } السورة أو بالعكس أو أريد { بص } البحر الذي قيل به فيما مر وبالقرآن كله أو السورة ، وقد تكون اعتبارية كما إذا أريد بكل السورة أو القرآن على ما قيل ، ولا يخفى ما تقتضيه الجزالة الخالية عن التكلف .
وضعف جعل الواو للقسم أيضاً بناء على قول جمع أن توارد قسمين على مقسم عليه واحد ضعيف ، والذكر كما أخرج ابن جرير عن ابن عباس الشرف ومه قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] أو الذكرى والموعظة للناس على ما روى عن قتادة . والضحاك ، أو ذكر ما يحتاج إليه في أمر الدين من الشرائع والأحكام وغيرها من أقاصيص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأخبار الأمم الدارجة والوعد والوعيد على ما قيل ، وجواب القسم قيل مذكور فقال الكوفيون . والزجاج : هو قوله تعالى : { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ الناس } [ ص : 64 ] وتعقبه الفراء بقوله : لا نجده مستقيماً لتأخر ذلك جداً عن القسم ، وقال الأخفش هو { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرسل } وقال قوم : { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ } [ ص : 6 ] وحذفت اللام أي لكم لما طال الكلام كما حذفت من { قَدْ أَفْلَحَ } [ الشمسِ : 9 ] بعد قوله تعالى : { والشمس } [ الشمس : 1 ] حكاه الفراء . وثعلب ، وتعقبه الطبرسي بأنه غلط لأن اللام لا تدخل على المفعول و { كَمْ } مفعول .
وقال أبو حيان : إن هذه الأقوال يجب إطراحها ، ونقل السمرقندي عن بعضهم أنه { بَلِ الذين كَفَرُواْ } [ ص : 2 ] الخ فإن { بَلِ } لنفي ما قبله وإثبات ما بعده فمعناه ليس الذين كفروا إلا في عزة وشقاق .
وجوز أن يريد هذا القائل أن { بَلِ } زائدة في الجواب أو ربط بها الجواب لتجريدها لمعنى الإثبات ، وقيل هو صاد إذ معناه صدق الله تعالى أو صدق محمد صلى الله عليه وسلم ونسب ذلك إلى الفراء . وثعلب ، وهو مبني على جواز تقدم جواب القسم واعتقاد أن { ص } تدل على ما ذكر ، ومع هذا في كون ص نفسه هو الجواب خفاء ، وقيل هو جملة هذه صاد على معنى السورة التي أعجزت العرب فكأنه : قيل هذه السورة التي أعجزت العرب والقرآن ذي الذكر وهذا كما تقول : هذا حاتم والله تريد هذا هو المشهور بالسخاء والله ، وهو مبني على جواز التقدم أيضاً ، وقيل هو محذوف فقدره الحوفي لقد جاءكم الحق ونحوه ، وابن عطية ما الأمر كما تزعمون ونحوه ، وقدره بعض المحققين ما كفر من كفر لخلل وجده ودل عليه بقوله تعالى : { بَلِ الذين } الخ ، وآخر إنه لمعجز ودل عليه ما في { ص } من الدلالة على التحدي بناء على أنه اسم حرف من حروف المعجم ذكر على سبيل التحدي والتنبيه على الإعجاز أو ما في أقسم بص أو هذه ص من الدلالة على ذلك بناء على أنه اسم للسورة أو أنه لواجب العمل به دل عليه { ص } بناء على كونه أمراً من المصاداة ، وقدره بعضهم غير ذلك ، وفي «البحر » ينبغي أن يقدر هنا ما أثبت جواباً للقسم بالقرآن في قوله تعالى : { يس والقرءان الحكيم إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين } [ يس : 1-3 ] .
ويقوى هذا التقدير ذكر النذارة هنا في قوله تعالى : { وَعَجِبُواْ أَن جَاءهُم مٌّنذِرٌ مّنْهُمْ } [ ص : 4 ] وهناك في قوله سبحانه : { لِتُنذِرَ قَوْماً } فالرسالة تتضمن النذارة والبشارة