واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ ، فقرأته عامة قرّاء المدينة وبعض الكوفيين : وَقَرْنَ بفتح القاف ، بمعنى : واقررن في بيوتكنّ ، وكأن من قرأ ذلك كذلك حذف الراء الأولى من اقررن ، وهي مفتوحة ، ثم نقلها إلى القاف ، كما قيل : فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ ، وهو يريد فظللتم ، فأسقطت اللام الأولى ، وهي مكسورة ، ثم نُقلت كسرتها إلى الظاء . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة «وَقِرْنَ » بكسر القاف ، بمعنى : كنّ أهل وقار وسكينة فِي بُيُوتِكُنّ .
وهذه القراءة ، وهي الكسر في القاف أَولى عندنا بالصواب ، لأن ذلك إن كان من الوقار على ما اخترنا ، فلا شكّ أن القراءة بكسر القاف ، لأنه يقال : وقر فلان في منزله فهو يقر وقورا ، فتكسر القاف في تفعل فإذا أمر منه قيل : قرّ ، كما يقال من وزن : يزن زن ، ومن وَعد : يعِد عِد . وإن كان من القرار ، فإن الوجه أن يقال : اقررن ، لأن من قال من العرب : ظلت أفعل كذا ، وأحست بكذا ، فأسقط عين الفعل ، وحوّل حركتها إلى فائه في فعل وفعلنا وفعلتم ، لم يفعل ذلك في الأمر والنهِي ، فلا يقول : ظلّ قائما ، ولا تظلّ قائما ، فليس الذي اعتلّ به من اعتلّ لصحة القراءة بفتح القاف في ذلك يقول العرب في ظللت وأحسست ظلت ، وأحست بعلة توجب صحته لما وصفت من العلة . وقد حكى بعضهم عن بعض الأعراب سماعا منه : ينحطن من الجبل ، وهو يريد : ينحططن . فإن يكن ذلك صحيحا ، فهو أقرب إلى أن يكون حجة لأهل هذه القراءة من الحجة الأخرى .
وقوله : وَلا تَبَرّجْنَ تُبرّجَ الجاهِلِيّةِ الأُولى قيل : إن التبرّج في هذا الموضع التبخْتُر والتكسّر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلا تَبرّجْنَ تَبرّجَ الجاهِلِيّةِ الأُولى : أي إذا خرجتن من بيوتكنّ قال : كانت لهن مشية وتكسّر وتغنّج ، يعني بذلك الجاهلية الأولى فنهاهنّ الله عن ذلك .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : سمعت ابن أبي نجيح ، يقول في قوله : وَلا تَبَرّجْنَ تَبرّجَ الجاهِلِيّةِ الأُولى قال : التبختر . وقيل : إن التبرّج هو إظهار الزينة ، وإبراز المرأة محاسنها للرجال .
وأما قوله : تَبرّجَ الجاهِلِيّةِ الأُولى فإن أهل التأويل اختلفوا في الجاهلية الأولى ، فقال بعضهم : ذلك ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن زكريا ، عن عامر وَلا تَبرّجْنَ تَبرّجَ الجاهِلِيّةِ الأُولى قال : الجاهلية الأولى : ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام .
وقال آخرون : ذلك ما بين آدم ونوح . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن أبيه ، عن الحكم وَلا تَبرّجْنَ تَبرّجَ الجاهِلِيّةِ الأُولى قال : وكان بين آدم ونوح ثمان مائة سنة ، فكان نساؤهم من أقبح ما يكون من النساء ، ورجالهم حسان ، فكانت المرأة تريد الرجل على نفسه ، فأنزلت هذه الاَية : وَلا تَبرّجْنَ تَبرّجَ الجاهِلِيّةِ الأُولى .
وقال آخرون : بل ذلك بين نوح وإدريس . ذكر من قال ذلك :
حدثني ابن زهير ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا داود ، يعني ابن أبي الفرات ، قال : حدثنا علباء بن أحمر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : تلا هذه الاَية : وَلا تَبرّجْنَ تَبرّجَ الجاهِلِيّةِ الأُولى قال : كان فيما بين نوح وإدريس ، وكانت ألف سنة ، وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل ، والاَخر يسكن الجبل ، وكان رجال الجبل صباحا ، وفي النساء دمامة ، وكان نساء السهل صباحا ، وفي الرجال دمامة ، وإن إبليس أتى رجلاً من أهل السهل في صورة غلام ، فأجر نفسه منه ، وكان يخدمه ، واتخذ إبليس شيئا مثل ذلك الذي يزمر فيه الرّعاء ، فجاء فيه بصوت لم يسمع مثله ، فبلغ ذلك من حولهم ، فانتابوهم يسمعون إليه ، واتخذوا عيدا يجتمعون إليه في السنة ، فتتبرّج الرجال للنساء . قال : ويتزين النساء للرجال ، وإن رجلاً من أهل الجبل هجم عليهم وهم في عيدهم ذلك ، فرأى النساء ، فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك ، فتحوّلوا إليهنّ ، فنزلوا معهنّ ، فظهرت الفاحشة فيهنّ ، فهو قول الله : وَلا تَبرّجْنَ تَبرّجَ الجاهِلِيّةِ الأُولى .
وأَولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره نهى نساء النبيّ أن يتبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى ، وجائز أن يكون ذلك ما بين آدم وعيسى ، فيكون معنى ذلك : ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى التي قبل الإسلام .
فإن قال قائل : أَوَ في الإسلام جاهلية حتى يقال : عنى بقوله الجاهِلِيّةِ الأولى التي قبل الإسلام ؟ قيل : فيه أخلاقٌ من أخلاق الجاهلية . كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلا تَبرّجْنَ تَبرّجَ الجاهِلِيّةِ الأُولى قال : يقول : التي كانت قبل الإسلام ، قال : وفي الإسلام جاهلية ؟ قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء ، وقال للرجل وهو ينازعه : يا ابْن فلانة ، لأُمّ كان يعيره بها في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا الدّرْدَاءِ إنّ فِيكَ جاهِلِيّةً » ، قال : أجاهلية كفر أو إسلام ؟ قال : «بل جاهِلِيّةُ كُفْرٍ » ، قال : فتمنيت أن لو كنت ابتدأت إسلامي يومئذ . قال : وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «ثَلاثٌ مِنْ عَمَلِ أهْلِ الجاهِلِيّةِ لا يَدَعُهُنّ النّاسُ : الطّعْنُ بالأنْساب ، والإسْتِمْطارُ بالكَوَاكِبِ ، والنّياحَةُ » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قال : أخبرني سليمان بن بلال ، عن ثور ، عن عبد الله بن عباس ، أن عمر بن الخطاب ، قال له : أرأيت قول الله لأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم : وَلا تَبرّجْنَ تَبرّجَ الجاهِلِيّةِ الأُولى هل كانت إلا واحدة ، فقال ابن عباس : وهل كانت من أُولى إلا ولها آخرة ؟ فقال عمر : لله درك يابن عباس ، كيف قلت ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، هل كانت من أُولى إلا ولها آخرة ؟ قال : فأت بتصديق ما تقول من كتاب الله ، قال : نعم وَجاهِدُوا فِي اللّهِ حَقّ جِهادِهِ : كمَا جاهَدْتُمْ أوّلَ مَرّةٍ . قال عمر : فمن أُمر بالجهاد ؟ قال : قبيلتان من قريش : مخزوم ، وبنو عبد شمس ، فقال عمر : صدقت .
وجائز أن يكون ذلك ما بين آدم ونوح . وجائز أن يكون ما بين إدريس ونوح ، فتكون الجاهلية الاَخرة ، ما بين عيسى ومحمد ، وإذا كان ذلك مما يحتمله ظاهر التنزيل . فالصواب أن يقال في ذلك ، كما قال الله : إنه نهى عن تبرّج الجاهلية الأولى .
وقوله : وأقِمْنَ الصّلاةَ وآتِينَ الزّكاةَ يقول : وأقمن الصلاة المفروضة ، وآتين الزكاة الواجبة عليكنّ في أموالكنّ ، وَأطِعْنَ اللّهَ وَرَسُولهُ فيما أمراكنّ ونهياكنّ . إنّمَا يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ يقول : إنما يريد الله ليذهب عنكم السوء والفحشاء يا أهل بيت محمد ، ويطهركم من الدنس الذي يكون في أهل معاصي الله تطهيرا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّمَا يَرِيدُ اللّهُ ليُذْهبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهّركُمْ تَطْهيرا . فهم أهل بيت طهرهم الله من السوء ، وخصهم برحمة منه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّمَا يُرِيدُ اللّهُ ليُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهيرا ، قال : الرجس ههنا : الشيطان ، وسوى ذلك من الرجس : الشرك .
اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله أهْلَ البَيْتِ فقال بعضهم : عني به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا بكر بن يحيى بن زبان العنزي ، قال : حدثنا مندل ، عن الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدريّ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ فِي خَمْسَةٍ : فِيّ ، وفِي عليّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ، وَحَسَنٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ، وَحُسَيْنٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ، وَفاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْها » إنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، عن زكريا ، عن مصعب بن شيبة ، عن صفية بنت شيبة قالت : قالت عائشة : خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم ذات غداة ، وعليه مِرْطٌ مُرَجّلٌ من شعر أسود ، فجاء الحسن ، فأدخله معه ، ثم قال : إنّمَا يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن حماد بن سلمة ، عن عليّ بن زيد ، عن أنس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يمرّ ببيت فاطمة ستة أشهر ، كلما خرج إلى الصلاة فيقول : «الصّلاةَ أهْلَ البَيْتِ » إنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهيرَا .
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا يحيى بن إبراهيم بن سويد النخعي ، عن هلال ، يعني ابن مقلاص ، عن زبيد ، عن شهر بن حوشب ، عن أمّ سلمة ، قالت : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم عندي ، وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، فجعلت لهم خزيرة ، فأكلوا وناموا ، وغطى عليهم عباءة أو قطيفة ، ثم قال : «اللّهُمّ هَؤُلاءِ أهْلُ بَيْتِي ، أذْهِبْ عَنْهُمُ الرّجْسَ وَطَهّرْهُمْ تَطْهِيرا » .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، قال : أخبرني أبو داود ، عن أبي الحمراء ، قال : رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر ، جاء إلى باب عليّ وفاطمة فقال : «الصّلاةَ الصّلاةَ » إنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا .
حدثني عبد الأعلى بن واصل ، قال : حدثنا الفضل بن دكين ، قال : حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، مثله .
حدثني عبد الأعلى بن واصل ، قال : حدثنا الفضل بن دكين ، قال : حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن كلثوم المحاربي ، عن أبي عمار ، قال : إني لجالس عند واثلة بن الأسقع إذ ذكروا عليا رضي الله عنه ، فشتموه فلما قاموا ، قال : اجلس حتى أخبرك عن هذا الذي شتموا ، إني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ جاءه عليّ وفاطمة وحسن وحسين ، فألقى عليهم كساء له ، ثم قال : «اللّهُمّ هَؤُلاءِ أهْلُ بَيْتِي ، اللّهُمّ أذْهِبْ عَنْهُمُ الرّجْسَ وَطَهّرْهُمْ تَطْهيرا » . قلت : يا رسول الله وأنا ؟ قال : «وأنْتَ » قال : فوالله إنها لأوثق عملي عندي .
حدثني عبد الكريم بن أبي عمير ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا أبو عمرو ، قال : ثني شدّاد أبو عمار قال : سمعت واثلة بن الأسقع يحدّث ، قال : سألت عن عليّ بن أبي طالب في منزله ، فقالت فاطمة : قد ذهب يأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ جاء ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلت ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفراش وأجلس فاطمة عن يمينه ، وعليا عن يساره وحسنا وحسينا بين يديه ، فلفع عليهم بثوبه وقال : «إنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا . اللّهُمّ هَؤلاءِ أهْلي ، اللّهُمّ أهْلي أحَقّ » . قال واثلة : فقلت من ناحية البيت : وأنا يا رسول الله من أهلك ؟ قال : «وأنت من أهلي » ، قال واثلة : إنها لمن أَرْجَى ما أرتجي .
حدثني أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، عن أمّ سلمة ، قالت : لما نزلت هذه الاَية : إنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فجلل عليهم كساء خَيبريا ، فقال : «اللّهُمّ هَؤُلاءِ أهْلُ بَيْتِي ، اللّهُمّ أذْهِبْ عَنْهُمُ الرّجْسَ وَطَهّرْهُمْ تَطْهِيرا » قالت أمّ سلمة : ألستُ منهم ؟ قال : أنت إلى خَيْرٍ .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا مصعب بن المقدام ، قال : حدثنا سعيد بن زربي ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن أمّ سلمة ، قالت : جاءت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بُبْرَمة لها قد صنعت فيها عصيدة تحلها على طبق ، فوضعته بين يديه ، فقال : «أين ابن عمك وابناك ؟ » فقالت : في البيت ، فقال : «ادعيهم » ، فجاءت إلى عليّ ، فقالت : أجب النبيّ صلى الله عليه وسلم أنت وابناك . قالت أمّ سلمة : فلما رآهم مقبلين مدّ يده إلى كساء كان على المنامة فمدّه وبسطه وأجلسهم عليه ، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله ، فضمه فوق رؤوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربه ، فقال : «هَؤُلاءِ أهْلُ البَيْتِ ، فأذْهِبْ عَنْهُمُ الرّجْسَ وَطَهّرْهُمْ تَطْهِيرا » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا حسن بن عطية ، قال : حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، عن أبي سعيد عن أمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أن هذه الاَية نزلت في بيتها { إنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا } قالت : وأنا جالسة على باب البيت ، فقلت : أنا يا رسول الله ألست من أهل البيت ؟ قال : «إنّكِ إلى خَيْرٍ ، أنْتِ مِنْ أزْوَاجِ النّبِيّ صلى اللّهُ عليهِ وسلّمَ » قالت : وفي البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا خالد بن مخلد ، قال : حدثنا موسى بن يعقوب ، قال : ثني هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، عن عبد الله بن وهب بن زمعة ، قال : أخبرتني أمّ سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع عليا والحَسنين ، ثم أدخلهم تحت ثوبه ، ثم جأر إلى الله ، ثم قال : «هؤلاء أهل بيتي » ، فقالت أمّ سلمة : يا رسول الله أدخلني معهم ، قال : «إنّكِ مِنْ أهْلِي » .
حدثني أحمد بن محمد الطوسي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن صالح ، قال : حدثنا محمد بن سليمان الأصبهاني ، عن يحيى بن عبيد المكي ، عن عطاء ، عن عمر بن أبي سلمة ، قال : نزلت هذه الاَية على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أمّ سلمة إنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا فدعا حسنا وحُسينا وفاطمة ، فأجلسهم بين يديه ، ودعا عليا فأجلسه خلفه ، فتجلّل هو وهم بالكساء ثم قال : «هَؤُلاءِ أهْلُ بَيْتِي ، فَأذْهِبْ عَنْهُمُ الرّجْسَ وَطَهّرْهُمْ تَطْهِيرا » قالت أم سلمة : أنا معهم . قال : مكانك وأنْتِ على خَيْرٍ .
حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبان ، قال : حدثنا الصباح بن يحيى المرّيّ ، عن السديّ ، عن أبي الديلم ، قال : قال عليّ بن الحسين لرجل من أهل الشام : أما قرأت في الأحزاب : إنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا قال : ولأنتم هم ؟ قال : نعم .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، قال : حدثنا بكير بن مسمار ، قال : سمعت عامر بن سعد ، قال : قال سعد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه الوحي ، فأخذ عليا وابنيه وفاطمة ، وأدخلهم تحت ثوبه ، ثم قال : «رَبّ هَؤُلاءِ أهْلِي وأهْلُ بَيْتِي » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا عبد الله بن عبد القدوس ، عن الأعمش ، عن حكيم بن سعد ، قال : ذكرنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عند أمّ سلمة قالت : فيه نزلت : إنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا . قالت أمّ سلمة : جاء النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى بيتي ، فقال : «لا تَأْذَنِي لأَحَدٍ » ، فجاءت فاطمة ، فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها ، ثم جاء الحسن ، فلم أستطع أن أمنعه أن يدخل على جدّه وأمه ، وجاء الحسين ، فلم أستطع أن أحجبه ، فاجتمعوا حول النبيّ صلى الله عليه وسلم على بساط ، فجللهم نبيّ الله بكساء كان عليه ، ثم قال : «هَؤُلاءِ أهْلُ بَيْتِي ، فَأذْهِبْ عَنْهُمُ الرّجْسَ وَطَهّرْهُمْ تَطْهِيرا » ، فنزلت هذه الاَية حين اجتمعوا على البساط . قالت : فقلت : يا رسول الله : وأنا ، قالت : فوالله ما أنعم . وقال : «إنّكِ إلى خَيْرٍ » .
وقال آخرون : بل عنى بذلك أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الأصبغ ، عن علقمة ، قال : كان عكرمة ينادي في السوق : إنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا . قال : نزلت في نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة .
{ وقرن في بيوتكن } من وقر يقر وقارا أو من قر يقر حذفت الأولى من راءي أقررن ونقلت كسرتها إلى القاف ، فاستغني عن همزة الوصل ، ويؤيده قراءة نافع وعاصم بالفتح من قررت أقر وهو لغة فيه ، ويحتمل أن يكون من قار يقار إذا اجتمع . { ولا تبرجن } ولا تتبخترن في مشيكن . { تبرج الجاهلية الأولى } تبرجا مثل تبرج النساء في أيام الجاهلية القديمة ، وقيل هي ما بين آدم ونوح ، وقيل الزمان الذي ولد فيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، كانت المرأة تلبس درعا من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال . والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، وقيل الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام ، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق في الإسلام ، ويعضده قوله عليه الصلاة والسلام لأبي الدرداء رضي الله عنه " إن فيك جاهلية ، قال جاهلية كفر أو إسلام قال بل جاهلية كفر " . { وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله } في سائر ما أمركن به ونهاكن عنه . { إنما يريد ليذهب عنكم الرجس } الذنب المدنس لعرضكم ، وهو تعليل لأمرهن ونهيهن على الاستئناف ؛ولذلك عمم الحكم . { أهل البيت } نصب على النداء أو المدح . { ويطهركم } عن المعاصي . { تطهيرا } واستعارة الرجس للمعصية والترشيح بالتطهير للتنفير عنها ، وتخصيص الشيعة أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيهما رضي الله عنهم لما روي " أنه عليه الصلاة والسلام خرج ذات غدوة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجلس فأتت فاطمة رضي الله عنها فأدخلها فيه ثم جاء علي فأدخله فيه ثم جاء الحسن والحسين رضي الله عنهما فأدخلهما فيه ثم قال : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } ، والاحتجاج بذلك على عصمتهم وكون إجماعهم حجة ضعيف ؛لأن التخصيص بهم لا يناسب ما قبل الآية وما بعدها ، والحديث يقتضي أنهم من أهل البيت لا أنه ليس غيرهم .