ثم شرع - سبحانه - فى نهيهم عن منكر آخر كانوا يباشرونه فقال - تعالى .
{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } .
وقوله { وَإِنْ خِفْتُمْ } شرط ، وجوابه قوله { فانكحوا } .
والمراد من الخوف : العلم ، وعبر عنه بذلك للأشعار بكون المعلوم مخوفا محذورا . ويقوم الظن الغالب مقام العلم .
وقوله { تُقْسِطُواْ } من الإِقساط وهو العدل . يقال : أقسط الرجل إذا عدل . قال - تعالى - : { وأقسطوا إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين } ويقال : قسط الرجل إذا جار وظلم صاحبه . قال - تعالى - { وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } والمراد " باليتامى : يتامى النساء . قال الزمخشرى : ويقال للاناث اليتامى كما يقال للذكور وهو جمع يتيمة .
ومعنى { مَا طَابَ لَكُمْ } ما مالت إليه نفوسكم واستطابته من النساء اللائى أحل الله لكم نكاحهن .
هذا ، وللعلماء أقوال فى تفسير هذه الآية الكريمة منها : ما رواه البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى وغيرهم عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة - رضى الله عنها - عن هذه الآية فقال : يا ابن أختى هى اليتيمة تكون فى حجر وليها تشركه فى ماله ويعحبه مالها وجمالها .
فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط فى صداقها ، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره .
قال عروة : قالت عائشة : وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية ، فأنزل الله - تعالى - { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النسآء قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يتلى عَلَيْكُمْ فِي الكتاب فِي يَتَامَى النسآء اللاتي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } قالت عائشة : وقوله الله - تعالى - { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال . قالت : فنهوا عن أن ينكحوا من رغبوا فى مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط ، من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال " .
وعلى هذه الرواية التى ساقها أئمة المحدثين عن عائشة فى المراد من الآية الكريمة يكون المعنى : وإن علمتم أيها الأولياء على النساء اليتامى أنكم لن تعدلوا فيهن إذا تزوجتم بهن - بأن تسيئوا إليهن فى العشرة ، أو بأن تمتنعوا عن إعطائهن الصداق المناسب لهن - إذا علمتم ذلك فانكحوا غيرهن من النساء الحلائل اللائى تميل إليهن نفوسكم ولا تظلموا هؤلاء اليامى بنكاحهن دون أن تعطوهون حقوقهن ؛ فإن الله - تعالى - قد وسع عليكم فى نكاح عيرهن .
فالمقصود من الآية الكريمة على هذا المعنى : نهى الأولياء عن نكاح النساء اليتامى اللائى يلونهن عند خوف عدم العدل فيهن ، إلا أنه أوثر التعبير عن ذلك بالأمر بنكاح النساء الأجنبيات ، كراهة للنهى الصريح عن نكاح اليتيمات ، وتلطفا فى صرف المخاطبين عن نكاح التيامى حال العلم بعدم العدل فيهن .
فكأنه - سبحانه - يقول : إن علمتم أيها الأولياء الجور والظلم فى نكاح اليتامى اللائى فى ولايتكم فلا تنكحوهن ، وانكحوا غيرهن مما طالب لكم من النساء .
وعلى هذا القول الذى أورده المحدثون عن عائشة - رضى الله عنهما - سار كثير من المفسرين في الآية الكريمة . وبعضهم اقتصر عليه ولم يذكر سواه .
قال بعض العلماء : وكلامها هذا أحسن تفسير لهذه الآية . وهى وإن لم تسند ما قالته إلى رسول الله ، إلا أن سياق كلامها يؤذن بأنه عن توقيف ؛ ولذلك أخرجه البخارى فى باب تفسير سورة النساء بسياق الأحاديث المرفوعة ، اعتدادا بأنها ما قالت ذلك إلا عن معاينة حال النزول .
لا سيما وقد قالت : ثم إن الناس استفتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ وعليه يكون إيجاز لفظ الآية اعتدادا بما فهمه الناس مما يعلمون من أحوالهم ، وتكون قد جمعت إلى جانب حفظ حقوق اليتامى فى أموالهم الموروثة ، حفظ حقوفهم فى الأموال التى يستحقها النساء اليتامى كمهور لهن عند الزوج بهن . . "
أما الرأى الثانى فيرى أصحابه أن الآية مسوقة للنهى عن نكاح ما فوق الأربع خوفا على أموال اليتامى أن يتلفها أولياؤهم .
وقد حكى هذا القول الإِمام ابن جرير فقال : وقال آخرون بل معنى ذلك : النهى عن نكاح ما فوق الأربع ، حذرا على أموال اليتامى أن يتلفها أولياؤهم وذلك أن قريشا كان الرجل منهم يتزوج العشر من النساء والأكثر والأقل ، فإذا صار معدما مال على مال اليتيمة التى فى حجره فأنفقه ، أو تزوج به ، فنهوا عن ذلك . وقيل لهم : إن أنتم خفتم على أموال أيتاكم أن تنفقوها فلا تعدلوا فيها من أجل حاجتكم إليها لما يلزمكم من مؤن نسائكم ، - إن خفتم ذلك . فلا تجاوزوا فيما تنكحون من عدد النساء على أربع . وإن خفتم أيضاً من الأربع ألا تعدلوا فى أموالهم - أى أموال اليتامى - ، فاقتصروا على الواحدة أو على ما ملكت أيمانكم - أى إن كان زواجكم بالأربع يؤدى إلى الجور فى أموال اليتامى فاقتصروا على الزواج بامرأة واحدة - " .
وقد انتصر ابن جرير لهذا القول وعده أرجح الأقوال ، فقال ما ملخصه وإنما قلنا : إن ذلك أولى بتأويل الآية ؛ لأن الله - تعالى - افتتح الآية التى قبلها بالنهى عن أكل أموال اليتامى بغير حقها . ثم أعلمهم - هنا - المخلص من الجور فى أموال اليتامى فقال : انكحوا إن أمنتم الجور فى النساء على أنفسكم ما أبحت لكم منهن وحللته : مثنى وثلاث ورباع . فإن خفتم أيضاً الجور على أنفسكم فى أمر الواحدة فلا تنكحوها ، ولكن تسروا من المماليك ، فإنكم أحرى ألا تجوروا عليهن ، لأنهن أملاككم وأموال ، ولا يلزمكم لهن من الحقوق كالذى يلزمكم للحرائر ، فيكون ذلك اقرب لكم إلى السلام من الإِثم والجور " .
وينسب هذا الرأى إلى ابن عباس وسعيد بن جبير ، والسدى ، وقتادة ، وعكرمة .
وقال مجاهد : إن الآية الكريمة مسوقة للنهى عن الزنا . وقد حكى هذا الرأى صاحب الكشاف فقال : كانوا لا يتحرجون من الزنا . ويتحرجون من ولاية اليامى . فقيل لهم : إن خفتم الجور في حق اليتامى ، فخافوا الزنا ، فانكحوا ما حل من النساء ، ولا تحوموا حول المحرمات " .
هذه أشهر الأقوال فى معنى الآية الكريمة ، ويبدو لنا أن أرجحها أولها ، لأنه هو الظاهر من معنى الآية ، ولأن الغالب أن السيدة عائشة - رضى الله عنها - ما فسرت الآية بهذا التفسير الذى قالته لابن أختلها إلا عن توقيف ومعاينة لحال النزول ، ولأن الملازمة بين الشرط والجزاء فى الآية على هذا الوجه تكون ظاهرة . إذ التقدير وإن خفتم أيها الأولياء الجور والظلم فى نكاح اليتامى اللاتى فى ولايتكم فانكحوا من غيرهن ما طاب لكم من النساء .
أما على القول الثانى فمحل الملازمة بين الشرط والجزاء إنما هو فيما تفرع عن الجزاء وهو قوله { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } .
وعلى قول مجاهد تضعف الملازمة بين الشرط والجزاء .
هذا ، والأمر فى قوله { فانكحوا } - على التفسير الأول - للإِباحة كما فى قوله - تعالى - { وكُلُواْ واشربوا . . . } خلافا للظاهرية الذين يرون أنه للوجوب . و { مَا } فى قوله - تعالى - { مَا طَابَ لَكُمْ } موصولة أو موصوفة . وما بعدها صلتها أو صفتها . وأوثرت على { مِّنَ } لأنها أريد بها الصفة وهو الطيب من النساء بدون تحديد لذات معينة ، ولو قال { فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ } لتبادر إلى الذهن أن المراد نسوة طيبات معروفات بينهم .
وقوله - تعالى - { مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } حال من فاعل { طَابَ } المستتر أو من مرجعه - وهو { مَا } - ، أو بدل منه .
وهذه الكلمات الثلاث من ألفاظ العدد . وتدل كل واحدة منها على المكرر من نوعها . فمثنى تدل على اثنين اثنين . وثلاث تدل على ثلاثة ثلاثة . ورباع تدل على أربعة أربعة .
والمراد منها هنا : الإِذن لكل من يريد الجمع أن ينكح ما شاء من العدد المذكور متفقين فيه ومختلفين .
والمعنى : فانكحوا ما طالب لكم من النساء معدودات هذا العدد : ثنتين ثنتين . وثلاثا ثلاثا . وأربعا أربعا . حسبما تريدون وتستطيعون .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : الذى أطلق للنكاح فى الجمع أن يجمع بين ثنتين أو ثلاث أو أربع . فما معنى التكرير فى مثنى وثلاث ورباع .
قلت : الخطاب للجميع . فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذى أطلق له . كما تقول للجماعة : اقتسموا هذا المال - وهو ألف درهم - : درهمين درهمين ، وثلاثة ثلاثة . وأربعة أربعة . ولو أفردت لم يكن له معنى .
فإن قلت : فلم جاء العطف بالواو دون أو ؟
قلت : كما جاء بالواو فى المثال الذى حذوته لك . ولو ذهبت تقول : اقتسموا هذا المال درهمين درهمين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة ؛ علمت أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة . وليس لهم أن يجمعوا بينها . فيجعوا بعض القسم على تثنية ، وبعضا على تثليث ، وبعضا على تربيع ، وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة الذى دلت عليه الواو .
وتحريره : أن الواو دلت على إطلاق أن يأخذ الناكحون من أرادوا نكاحهن من النساء على طريق الجمع : إن شاؤوا مختلفين فى تلك الأعداد ، وإن شاؤوا متفقين فيها ، محظوراً عليهم ما وراء ذلك " .
ثم بين - سببحاه - لعباده ما ينبغى عليهم فعله فى حال توقعهم عدم العدل بين الزوجات فقال - تعالى { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } .
فالمراد بالعدل عنا : العدل بين الزوجات المتعددات .
أى : فإن علمتم أنكم لا تعدلون بين الأكثر من الزوجة الواحدة فى القسم والنفقة وحقوق الزوجية بحسب طاقتكم ، كما علمتم فى حق اليتامى أنكم لا تعدلون - إذا علمتم ذلك فالزموا زوجة واحدة ، أو أى عدد شئتم من السرارى بالغة ما بلغت .
فكأنه - سبحانه - لما وسع عليهم بأن أباح لهم الزواج بالمثنى والثلاث والرباع من النساء ، أتبأهم بأنه قد يلزم من هذه التوسعة خوف الميل وعدم العدل . فمن الواجب عليهم حينئذ أن يحترزوا بالتقليل من عدد النساء فيقتصروا على الزوجة الواحدة .
ومفهومه : إباحة الزيادة على الواحدة إذا أمن الجور بين الزوجات المتعدات .
وقوله { فَوَاحِدَةً } منصوب بفعل مضمر والتقدير : فالزموا واحدة أو فاختاروا واحدة فإن الأمر كله يدور مع العدل ، فأينما وجدتم العدل فعليكم به .
وقرىء بالرفع أى فحسبكم واحدة . { أَوْ } للتسوية أى سوى - سبحانه - فى السهولة واليسر بين نكاح الحرة الواحدة وبين السرارى من غير تقييد بعدد ، لقلة تبعتهن ، ولخفة مؤنتهن ، وعدم وجوب القسم فيهن .
وقوله { ذلك أدنى أَلاَّ تَعُولُواْ } جملة مستأنفة بمنزلة التعليل مما قبلها .
واسم الإِشارة " ذلك " يعود إلى اختيار الواحدة أو التسرى .
وقوله { أدنى } هنا بمعى أقرب . وهو قرب مجازى . أى أحق وأعون أن لا تعولوا .
وقوله { تَعُولُواْ } مأخوذ من العول وهو فى الأصل الميل المحسوس .
يقال . عال الميزان عولا إذا مال . ثم نقل إلى الميل المعنوى وهو الجور والظلم ؛ ومنه عال الحاكم إذا جار ، والمراد هنا الميل المحظور المقابل للعدل .
والمعنى : أن ما ذكر من اختيار الزوجة الواحدة والتسرى ، أقرب بالنسبة إلى ما عداهما إلى العدل وإلى عدم الميل المحظور ، لأن من اختار زوجة واحدة فقد انتفى عنه الميل والجور رأسا لانتفاء محله ومن تسرى فقد انتفى عنه خطر الجور والميل . أما من اخترا عددا من الحرائر فالميل المحظور متوقع منه لتحقق المحل والخطر .
ولأن التعدد فى الزوجات يعرض المكلف غالبا للجور وإن بذل جهده فى العدل .
وهذا المعنى على تفسير ( تعولوا ) بمعنى تجوروا وتميلوا عن الحق . وهو اختيار أكثر المفسرين .
وقيل : إن معنى { أَلاَّ تَعُولُواْ } ألا تكثر عيالكم . يقال : عال يعول ، إذا كثرت عياله . وقد حكى صاحب الكشاف هذا المعنى عن الإِمام الشافعى فقال :
" والذي يحكى عن الشافعى - رحمه الله - أن فسر { أن لا تعولوا } بأن لا تكثر عيالكم . فوجهه أن يجعل من قولك : عال الرجل عياله يعولهم كقولهم : ما نهم يمونهم إذا أنفق عليهم . لأن من كثر عياله لزمه أن يعولهم ، وفى ذلك ما يصعب عليه المحافظة على حدود الكسب وحدود الورع وكسب الحلال والرزق الطيب .
ثم قال : وكلام مثله من أعلام العلم ، وأئمة الشرع ، ورءوس المجتهدين ، حقيق بالحمل على الصحة والسداد .
وقرأ طاووس : أن لا تعيلوا من أعال الرجل إذا كثر عياله .
وهذه القراءة تعضد تفسير الشافعي من حيث المعنى الذى قصده " .
هذا ، وقد أخذ العلماء من هذه الآية أحكاما منها : جواز تعدد الزوجات إلى أربع بحيث لا يجوز الزيادة عليهم مجتمعات ، لأن هذا العدد قد ذكر فى مقام التوسعة على المخاطبين ، ولو كانت تجوز الزيادة على هذا العدد لذكرها الله - تعالى - .
وقد أجمع الفقهاء على أنه لا تجوز الزيادة على الأربع ، ولا يقدح فى هذا الإِجماع ما ذهب إليه بعض المبتدعة من جواز الجمع بين ما هو أكثر من الأربع الحرائر ، لأن ما ذهب إليه هؤلاء ، المقتبدعة لا يعتد به . إذ الإِجماع قد وقع وانقضى عصر المجمعين قبل ظهور هؤلاء المبتدعين المخالين .
وقد رد العلماء على هؤلاء المخالفين بما يهدم أقوالهم ، ومن العلماء الذين تولوا الرد عليهم الإِمام القرطبي فقد قال - ما ملخصه - :
" أعلم أن هذا العدد مثنى وثلاث ورباع لا يدل على إباحة تسع . كما قاله من بعُد فهمه عن الكتاب والسنة ، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة ، وزعم أن الواو جامعة ، وعضد ذلك بأن النبى صلى الله عليه وسلم نكح تسعا ، وجمع بينهن فى عصمته . والذى صار إلى هذه الجهالة وقال هذه المقالة الراقضة وبعض أهل الظاهر ، جعلوا مثنى مثل اثنين ، وكذلك ثلاث ورباع .
وهذا كله جهل باللسان والسنة ومخالفة لإِجماع الأمة ، إذ لا يسمع عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه جمع فى عصمته أكثر من أربع .
وأخرج مالك فى الموطأ والنسائى والدارقطنى فى سننهما " أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن أمية الثقفى وقد أسلم وتحته عشر نسوة " اختر منهن أربعا وفارق سائرهن "
وأما ما أبيح من ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فذلك من خصوصياته .
وأما قولهم إن الواو جامعة . فقد قيل ذلك ، ولكن الله - تعالى - خاطب العرب بأفصح اللغات . والعرب لا تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين وثلاثة وأربعة . وكذلك تستقبح ممن يقول ، أعط فلانا أربعة ، ستة ، ثمانية ، ولا يقول : ثمانية عشر .
وإنما الواو فى هذه الموضع بدل ، أى أنكحوا ثلاث بدلا من مثنى ، ورباع بدلا من ثلاث ، ولذلك عطف بالواو ولم يعطف بأو . ولو جاء بأو لجاز ألا يكون لصاحب المثنى ثلاث ، ولا لصاحب الثلاث رباع .
وقد قال مالك والشافعى فى الذي يتزوج خامسة وعنده أربع : عليه الحد إن كان عالما . وقال الزهرى : يرجم إن كان عالما ، وإن كان جاهلا فعليه أدنى الحدين الذى هو الجلد ، ولها مهرها ، ويفرق بينهما ولا يجتمعان أبداً " .
كذلك من الأحكام التى أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة أن الله تعالى وإن كان قد أباح التعدد وحدد غايته بأربع بحيث لا يجوز الزيادة عليهن ، إلا أنه - سبحانه - قد قيد هذه الإِباحة بالعدل بينهم فيما يستطيع الإِنسان العدل فيه بحسب طاقته البشرية ، بأن يعدل بينهن فى النفقة والكسوة والمعاشرة الزوجية .
فإن عجز عن ذلك لم يبح له التعدد .
وللإِمام الشيخ محمد عبده كلام حسن فى المعنى ، فقد قال - رحمه الله - " قد أباحت الشريعة الإِسلامية للرجل الاقتران بأربع من النسوة إن علم من نفسه القدرة على العدل بينهن ، وإلا فلا يجوز الاقتران بغير واحدة . قال - تعالى : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً } فإن الرجل إذا لم يستطع إعطاء كل منهن حقبها اختل نظام المنزل ، وساءت معيشة العائلة إذا العماد القويم لتدبير المنزل هو بقاء الاتحاد والتآلف بين أفراد العائلة .
وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم ، والخلفاء الراشدون ، والعلماء الصالحون من كل قرن إلى هذا العهد يجمعون بين النسوة مع المحافظة على حدود الله فى العدل بينهن . فكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون من أمته لا يأتون حجرة إحدى الزوجات فى نوبة الأخرى إلا بإذنها .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : " من كان له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل "
وكان صلى الله عليه وسلم يعتذر عن ميله القلبى بقوله : " اللهم هذا - أى العدل فى البيات والعطاء - جهدى فيما أملك ، ولا طاقة لى فيما تملك ولا أملك - يعنى الميل القلبى " وكان يقرع بينهم إذا أراد سفرا .
ثم قال فى نهاية حديثه : فعلى العقلاء أن يتبصروا قبل طلب التعدد فى الزوجات فيما يجب عليهم شرعا من العدل وحفظ الألفظ بين الأولاد ، وحفظ النساء من الغوائل التى تؤدى بهن إلى الأعمال التى لا تليق بمسلمة .
هذا ، وقد ذكر العلماء حكما كثيرة لمشروعية تعدد الزوجات ، ومن هذه الحكم أن فى هذا التعدد وسيلة إلى تكثير عدد الأمة بازدياد عدد المواليد فيها . ولا شك أن كثيرا من الأمم الإِسلامية التى اتسعت أرضها ، وتعددت موارد الثروة فيها ، فى حاجة إلى تكثير عدد أفرادها حتى تنتفع بما حباها الله من خيرات ، وتستيطع الدفاع عن نفسها إذا ما طمع فيها الطامعون ، واعتدى عليها المعتدون .
ومنها أن التعدد يعين على كفالة النساء وحفظهن وصيانتهن من الوقوع فى الفاحشة ، لا سيما فى أعقاب الحروب التى - تقضى على الكثيرين من الرجال ، ويصبح عدد النساء أكبر بكثير من عدد الرجال .
ومنها أن الشريعة الإِسلامية قد حرمت الزنا تحريما قاطعا ، وعاقبت مرتكبه بأقسى أنواعه العقوبات وأزجرها ، بسبب ما يجر إليه من فساد فى الأخلاق والأنساب ونظام الأسر ، فناسب أن توسع على الناس فى تعدد النساء لمن كان من الرجال ميالا للتعدد ، مستطيعا لتكاليفه ومطالبه .
ومنها قصد الابتعاد عن الطلاق ، فإن المرأة قد لا تكون قادرة على القيام بالمطالب الزوجية التى تحتمها حياتها مع زوجها بسبب مرضها أو عجزها أو عقمها أو غير ذلك من الأسباب ، فيلجأ زوجها إلى الزواج بأخرى غيرها مع بقاء الزوجة الأولى فى عصمته بدل أن يطلقها فتفقد حياتها الزوجية ، وقد تكون هى فى حاجة إلى هذا الزوج الذى يقوم برعايتها وحمايتها والقيام بشأنها .
والخلاصة أن الله - تعالى - قد علم أن مصلحة الرجال والنساء قد تستدعى تعدد الزوجات ، - بل قد توجبه فى بعض الحالات - فأباح لهم هذا التعدد ، وحدد غايته بأربع بحيث لا يجوز الزيادة عليهن ، وقيد - سبحانه - هذه الإِباحة بالعدل بينهن فيما يستطيع الإِنسان العدل فيه بحسب طاقته البشرية ، فإن علم الإِنسان من نفسه عدم القدرة على العدل بينهن لم يبح له التعدد .
ولو أن المسلمين ساروا على حسب ما شرع الله لهم لسعدوا فى دنياهم وفى آخرتهم ؛ فأن الله - تعالى - ما شرع لهم إلا ما فيه منفعتهم وسعادتهم .
( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع . فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ، أو ما ملكت أيمانكم ، ذلك أدنى ألا تعولوا ) . .
عن عروة بن الزبير - رضي الله عنه - أنه سأل عائشة - رضي الله عنها - عن قوله تعالى : ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ) فقالت : " يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها ، تشركه في ماله ، ويعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها ، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا اليهن ؛ ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق ، وأمروا أن ينكحوا من النساء سواهن " قال عروة : قالت عائشة : " وإن الناس استفتوا رسول الله [ ص ] بعد هذه الآية ، فأنزل الله : ( ويستفتونك في النساء . قل الله يفتيكم فيهن . وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن . . . ) قالت عائشة : [ وقول الله في هذه الآية الأخرى : ( وترغبون أن تنكحوهن ) رغبة أحدكم عن يتيمته إذا كانت قليلة المال والجمال . فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال ] .
وحديث عائشة - رضي الله عنها - يصور جانبا من التصورات والتقاليد التي كانت سائدة في الجاهلية ، ثم بقيت في المجتمع المسلم ، حتى جاء القرآن ينهى عنها ويمحوها ، بهذه التوجيهات
الضمائر ، وهو يقول : ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ) . . فهي مسألة تحرج وتقوى وخوف من الله إذا توقع الولي ألا يعدل مع اليتيمة في حجره ، ونص الآية مطلق لا يحدد مواضع العدل ، فالمطلوب هو العدل في كل صوره وبكل معانيه في هذه الحالة ، سواء فيما يختص بالصداق ، أو فيما يتعلق بأي اعتبار آخر . كأن ينكحها رغبة في مالها ، لا لأن لها في قلبه مودة ، ولا لأنه يرغب رغبة نفسية في عشرتها لذاتها . وكأن ينكحها وهناك فارق كبير من السن لا تستقيم معه الحياة ، دون مراعاة لرغبتها هي في إبرام هذا النكاح ، هذه الرغبة التي قد لا تفصح عنها حياء أو خوفا من ضياع مالها إذا هي خالفت عن إرادته . . إلى آخر تلك الملابسات التي يخشى ألا يتحقق فيها العدل . . والقرآن يقيم الضمير حارسا ، والتقوى رقيبا . وقد أسلف في الآية السابقة التي رتب عليها هذه التوجيهات كلها قوله : ( إن الله كان عليكم رقيبا ) . .
فعندما لا يكون الأولياء واثقين من قدرتهم على القسط مع اليتيمات اللواتي في حجورهم ، فهناك النساء غيرهن ، وفي المجال متسع للبعد عن الشبهة والمظنة :
( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع . فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم . ذلك أدنى ألا تعولوا ) . .
وهذه الرخصة في التعدد ، مع هذا التحفظ عند خوف العجز عن العدل ، والاكتفاء بواحدة في هذه الحالة ، أو بما ملكت اليمين . .
هذه الرخصة - مع هذا التحفظ - يحسن بيان الحكمة والصلاح فيها . في زمان جعل الناس يتعالمون فيه على ربهم الذي خلقهم ، ويدعون لأنفسهم بصرا بحياة الإنسان وفطرته ومصلحته فوق بصر خالقهم سبحانه ! ويقولون في هذا الأمر وذاك بالهوى والشهوة ، وبالجهالة والعمى . كأن ملابسات وضرورات جدت اليوم ، يدركونها هم ويقدرونها ولم تكن في حساب الله - سبحانه - ولا في تقديره ، يوم شرع للناس هذه الشرائع ! ! !
وهي دعوى فيها من الجهالة والعمى ، بقدر ما فيها من التبجح وسوء الأدب ، بقدر ما فيها من الكفر والضلالة ! ولكنها تقال ، ولا تجد من يرد الجهال العمي المتبجحين المتوقحين الكفار الضلال عنها ! وهم يتبجحون على الله وشريعته ، ويتطاولون على الله وجلاله ، ويتوقحون على الله ومنهجه ، آمنين سالمين غانمين ، مأجورين من الجهات التي يهمها أن تكيد لهذا الدين !
وهذه المسألة - مسألة إباحة تعدد الزوجات بذلك التحفظ الذي قرره الإسلام - يحسن أن تؤخذ بيسر ووضوح وحسم ؛ وأن تعرف الملابسات الحقيقية والواقعية التي تحيط بها . .
روى البخاري - بإسناده - أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم - وتحته عشر نسوة - فقال له النبي [ ص ] : " اختر منهن أربعا " . .
وروى أبو داود - بإسناده - أن عميرة الأسدي قال : أسلمت وعندي ثماني نسوة ، فذكرت ذلك للنبي [ ص ] فقال : " اختر منهن أربعا " .
وقال الشافعي في مسنده : أخبرني من سمع ابن أبي الزياد يقول : أخبرني عبد المجيد عن ابن سهل بن عبد الرحمن ، عن عوف بن الحارث ، عن نوفل بن معاوية الديلمي ، قال : أسلمت وعندي خمس نسوة ، فقال لي رسول الله [ ص ] : " اختر أربعا أيتهن شئت وفارق الأخرى " . .
فقد جاء الإسلام إذن ، وتحت الرجال عشر نسوة أو أكثر أو أقل - بدون حد ولا قيد - فجاء ليقول للرجال : إن هناك حدا لا يتجاوزه المسلم - هو أربع - وإن هناك قيدا - هو إمكان العدل - وإلا فواحدة . . أو ما ملكت أيمانكم . .
جاء الإسلام لا ليطلق ، ولكن ليحدد . ولا ليترك الأمر لهوى الرجل ، ولكن ليقيد التعدد بالعدل . وإلا امتنعت الرخصة المعطاة !
إن الإسلام نظام للإنسان . نظام واقعي إيجابي . يتوافق مع فطرة الإنسان وتكوينه ، ويتوافق مع واقعه وضروراته ، ويتوافق مع ملابسات حياته المتغيرة في شتى البقاع وشتى الأزمان ، وشتى الأحوال .
إنه نظام واقعي إيجابي ، يلتقط الإنسان من واقعه الذي هو فيه ، ومن موقفه الذي هو عليه ، ليرتفع به في المرتقى الصاعد ، إلى القمة السامقة . في غير إنكار لفطرته أو تنكر ؛ وفي غير إغفال لواقعه أو إهمال ؛ وفي غير عنف في دفعه أو اعتساف !
إنه نظام لا يقوم على الحذلقة الجوفاء ؛ ولا على التظرف المائع ؛ ولا على " المثالية " الفارغة ؛ ولا على الأمنيات الحالمة ، التي تصطدم بفطرة الإنسان وواقعه وملابسات حياته ، ثم تتبخر في الهواء !
وهو نظام يرعى خلق الإنسان ، ونظافة المجتمع ، فلا يسمح بإنشاء واقع مادي ، من شأنه انحلال الخلق ، وتلويث المجتمع ، تحت مطارق الضرورة التي تصطدم بذلك الواقع . بل يتوخى دائما أن ينشىء واقعا يساعد على صيانة الخلق ، ونظافة المجتمع ، مع أيسر جهد يبذله الفرد ويبذله المجتمع .
فإذا استصحبنا معنا هذه الخصائص الأساسية في النظام الإسلامي ، ونحن ننظر إلى مسألة تعدد الزوجات . . فماذا نرى ؟
نرى . . أولا . . أن هناك حالات واقعية في مجتمعات كثيرة - تاريخية وحاضرة - تبدو فيها زيادة عدد النساء الصالحات للزواج ، على عدد الرجال الصاحلين للزواج . . والحد الأعلى لهذا الاختلال الذي يعتري بعض المجتمعات لم يعرف تاريخيا أنه تجاوز نسبة أربع إلى واحد . وهو يدور دائما في حدودها .
فكيف نعالج هذا الواقع ، الذي يقع ويتكرر وقوعه ، بنسب مختلفة . هذا الواقع الذي لا يجدي فيه الإنكار ؟
نعالجه بهز الكتفين ؟ أو نتركه يعالج نفسه بنفسه ؟ حسب الظروف والمصادفات ؟ !
إن هز الكتفين لا يحل مشكلة ! كما أن ترك المجتمع يعالج هذا الواقع حسبما اتفق لا يقول به إنسان جاد ، يحترم نفسه ، ويحترم الجنس البشري !
ولا بد إذن من نظام ، ولا بد إذن من إجراء . .
وعندئذ نجد أنفسنا أمام احتمال من ثلاثة احتمالات :
1- أن يتزوج كل رجل صالح للزواج امرأة من الصالحات للزواج . . ثم تبقى واحدة أو أكثر - حسب درجة الاختلال الواقعة - بدون زواج ، تقضي حياتها - أو حياتهن - لا تعرف الرجال !
2- أن يتزوج كل رجل صالح للزواج واحدة فقط زواجا شرعيا نظيفا . ثم يخادن أو يسافح واحدة أو أكثر ، من هؤلاء اللواتي ليس لهن مقابل في المجتمع من الرجال . فيعرفن الرجل خدينا أو خليلا في الحرام والظلام !
3- أن يتزوج الرجال الصالحون - كلهم أو بعضهم - أكثر من واحدة . وأن تعرف المرأة الأخرى الرجل ، زوجة شريفة ، في وضح النور لا خدينة وولا خليلة في الحرام والظلام !
الاحتمال الأول ضد الفطرة ، وضد الطاقة ، بالقياس إلى المرأة التي لا تعرف في حياتها الرجال . ولا يدفع هذه الحقيقة ما يتشدق به المتشدقون من استغناء المرأة عن الرجل بالعمل والكسب . فالمسألة أعمق بكثير مما يظنه هؤلاء السطحيون المتحذلقون المتظرفون الجهال عن فطرة الإنسان . وألف عمل ، وألف كسب لا تغني المرأة عن حاجتها الفطرية إلى الحياة الطبيعية . . سواء في ذلك مطالب الجسد والغريزة ، ومطالب الروح والعقل ، من السكن والأنس بالعشير . . والرجل يجد العمل ويجد الكسب ؛ ولكن هذا لا يكفيه فيروح يسعى للحصول على العشيرة ، والمرأة كالرجل - في هذا - فهما من نفس واحدة !
والاحتمال الثاني ضد اتجاه الإسلام النظيف ؛ وضد قاعدة المجتمع الإسلامي العفيف ؛ وضد كرامة المرأة الإنسانية . والذين لا يحفلون أن تشيع الفاحشة في المجتمع ، هم أنفسهم الذين يتعالمون على الله ، ويتطاولون على شريعته . لأنهم لا يجدون من يردعهم عن هذا التطاول . بل يجدون من الكائدين لهذا الدين كل تشجيع وتقدير !
والاحتمال الثالث هو الذي يختاره الإسلام . يختاره رخصة مقيدة . لمواجهة الواقع الذي لا ينفع فيه هز الكتفين ؛ ولا تنفع فيه الحذلقة والادعاء . يختاره متمشيا مع واقعيته الإيجابية ، في مواجهة الإنسان كما هو - بفطرته وظروف حياته - ومع رعايته للخلق النظيف والمجتمع المتطهر ، ومع منهجه في التقاط الإنسان من السفح ، والرقي به في الدرج الصاعد إلى القمة السامقة . ولكن في يسر ولين وواقعية !
ثم نرى . . ثانيا . . في المجتمعات الإنسانية . قديما وحديثا . وبالأمس واليوم والغد . إلى آخر الزمان . واقعا في حياة الناس ، لا سبيل إلى إنكاره كذلك أو تجاهله .
نرى أن فترة الإخصاب في الرجل تمتد إلى سن السبعين أو ما فوقها . بينما هي تقف في المرأة عند سن الخمسين أو حواليها . فهناك في المتوسط عشرون سنة من سني الإخصاب في حياة الرجل لا مقابل لها في حياة المرأة . وما من شك أن من أهداف اختلاف الجنسين ثم التقائهما ، امتداد الحياة بالإخصاب والإنسال ، وعمران الأرض بالتكاثر والانتشار . فليس مما يتفق مع هذه السنة الفطرية العامة أن نكف الحياة عن الانتفاع بفترة الإخصاب الزائدة في الرجال . ولكن مما يتفق مع هذا الواقع الفطري أن يسن التشريع - الموضوع لكافة البيئات في جميع الأزمان والأحوال - هذه الرخصة - لا على سبيل الإلزام الفردي ، ولكن على سبيل إيجاد المجال العام الذي يلبي هذا الواقع الفطري ، ويسمح للحياة أن تنتفع به عند الاقتضاء . . وهو توافق بين واقع الفطرة وبين اتجاه التشريع ملحوظ دائما في التشريع الإلهي . لا يتوافر عادة في التشريعات البشرية ، لأن الملاحظة البشرية القاصرة لا تنتبه له ، ولا تدرك جميع الملابسات القريبة والبعيدة ، ولا تنظر من جميع الزوايا ، ولا تراعي جميع الاحتمالات .
ومن الحالات الواقعية - المرتبطة بالحقيقة السالفة - ما نراه أحيانا من رغبة الزوج في أداء الوظيفة الفطرية ، مع رغبة الزوجة عنها - لعائق من السن أو من المرض - مع رغبة الزوجين كليهما في استدامة العشرة الزوجية وكراهية الانفصال - فكيف نواجه مثل هذه الحالات ؟
نواجهها بهز الكتفين ؛ وترك كل من الزوجين يخبط رأسه في الجدار ؟ ! أو نواجهها بالحذلقة الفارغة والتظرف السخيف ؟
إن هز الكتفين - كما قلنا - لا يحل مشكلة . والحذلقة والتظرف لا يتفقان مع جدية الحياة الإنسانية ، ومشكلاتها الحقيقية . .
وعندئذ نجد أنفسنا - مرة أخرى - أمام احتمال من ثلاثة احتمالات :
1- أن نكبت الرجل ونصده عن مزاولة نشاطه الفطري بقوة التشريع وقوة السلطان ! ونقول له : عيب يا رجل ! إن هذا لا يليق ، ولا يتفق مع حق المرأة التي عندك ولا مع كرامتها !
2- أن نطلق هذا الرجل يخادن ويسافح من يشاء من النساء !
3- أن نبيح لهذا الرجل التعدد - وفق ضرورات الحال - ونتوقى طلاق الزوجة الأولى . .
الاحتمال الأول ضد الفطرة ، وفوق الطاقة ، وضد احتمال الرجل العصبي والنفسي . وثمرته القريبة - إذا نحن أكرهناه بحكم التشريع وقوة السلطان - هي كراهية الحياة الزوجية التي تكلفه هذا العنت ، ومعاناة جحيم هذه الحياة . . وهذه ما يكرهه الإسلام ، الذي يجعل من البيت سكنا ، ومن الزوجة أنسا ولباسا .
والاحتمال الثاني ضد اتجاه الإسلام الخلقي ، وضد منهجه في ترقية الحياة البشرية ، ورفعها وتطهيرها وتزكيتها ، كي تصبح لائقة بالإنسان الذي كرمه الله على الحيوان !
والاحتمال الثالث هو وحده الذي يلبي ضرورات الفطرة الواقعية ، ويلبي منهج الإسلام الخلقي ، ويحتفظ للزوجة الأولى برعاية الزوجية ، ويحقق رغبة الزوجين في الإبقاء على عشرتهما وعلى ذكرياتهما ، وييسر على الإنسان الخطو الصاعد في رفق ويسر وواقعية .
وشيء كهذا يقع في حالة عقم الزوجة ، مع رغبة الزوج الفطرية في النسل . حيث يكون أمامه طريقان لا ثالث لهما :
1- أن يطلقها ليستبدل بها زوجة أخرى تلبي رغبة الإنسان الفطرية في النسل .
2- أو أن يتزوج بأخرى ، ويبقي على عشرته مع الزوجة الأولى .
وقد يهذر قوم من المتحذلقين - ومن المتحذلقات - بإيثار الطريق الأول . ولكن تسعا وتسعين زوجة - على الأقل - من كل مائة سيتوجهن باللعنة إلى من يشير على الزوج بهذا الطريق ! الطريق الذي يحطم عليهن بيوتهن بلا عوض منظور - فقلما تجد العقيم وقد تبين عقمها راغبا في الزواج - وكثيرا ما تجد الزوجة العاقر أنسا واسترواحا في الأطفال الصغار ، تجيء بهم الزوجة الأخرى من زوجها ، فيملأون عليهم الدار حركة وبهجة أيا كان ابتئاسها لحرمانها الخاص .
وهكذا حيثما ذهبنا نتأمل الحياة الواقعية بملابساتها العملية ، التي لا تصغي للحذلقة ، ولا تستجيب للهذر ، ولا تستروح للهزل السخيف والتميع المنحل في مواضع الجد الصارم . . وجدنا مظاهر الحكمة العلوية ، في سن هذه الرخصة ، مقيدة بذلك القيد : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء - مثنى وثلاث ورباع - فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) فالرخصة تلبي واقع الفطرة ، وواقع الحياة ؛ وتحمي المجتمع من الجنوح - تحت ضغط الضرورات الفطرية والواقعية المتنوعة - إلى الانحلال أو الملال . . والقيد يحمي الحياة الزوجية من الفوضى والاختلال ، ويحمي الزوجة من الجور والظلم ؛ ويحمي كرامة المرأة أن تتعرض للمهانة بدون ضرورة ملجئة واحتياط كامل . ويضمن العدل الذي تحتمل معه الضرورة ومقتضياتها المريرة .
إن أحدا يدرك روح الإسلام واتجاهه ، لا يقول : إن التعدد مطلوب لذاته ، مستحب بلا مبرر من ضرورةفطرية أو اجتماعية ؛ وبلا دافع إلا التلذذ الحيواني ، وإلا التنقل بين الزوجات ، كما يتنقل الخليل بين الخليلات . إنما هو ضرورة تواجه ضرورة ، وحل يواجه مشكلة . وهو ليس متروكا للهوى ، بلا قيد ولا حد في النظام الإسلامي ، الذي يواجه كل واقعيات الحياة .
فإذا انحرف جيل من الأجيال في استخدام هذه الرخصة . إذا راح رجال يتخذون من هذه الرخصة فرصة لإحالة الحياة الزوجية مسرحا للذة الحيوانية . إذا أمسوا يتنقلون بين الزوجات كما يتنقل الخليل بين الخليلات . إذا أنشأوا " الحريم " في هذه الصورة المريبة . . فليس ذلك شأن الإسلام ؛ وليس هؤلاء هم الذين يمثلون الإسلام . . إن هؤلاء إنما انحدروا إلى هذا الدرك لأنهم بعدوا عن الإسلام ، ولم يدركوا روحه النظيف الكريم . والسبب أنهم يعيشون في مجتمع لا يحكمه الإسلام ، ولا تسيطر فيه شريعته . مجتمع لا تقوم عليه سلطة مسلمة ، تدين للإسلام وشريعته ؛ وتأخذ الناس بتوجيهات الإسلام وقوانينه ، وآدابه وتقاليده .
إن المجتمع المعادي للإسلام المتفلت من شريعته وقانونه ، هو المسؤول الأول عن هذه الفوضى . هو المسؤول الأول عن " الحريم " في صورته الهابطة المريبة . هو المسؤول الأول عن اتخاذ الحياة الزوجية مسرح لذة بهيمية . فمن شاء أن يصلح هذه الحال فليرد الناس إلى الإسلام ، وشريعة الإسلام ، ومنهج الإسلام ؛ فيردهم إلى النظافة والطهارة والاستقامة والاعتدال . . من شاء الاصلاح فليرد الناس إلى الإسلام لا في هذه الجزئية ولكن في منهج الحياة كلها . فالإسلام نظام متكامل لا يعمل إلا وهو كامل شامل . .
والعدل المطلوب هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة . أما العدل في مشاعر القلوب وأحاسيس النفوس ، فلا يطالب به أحد من بني الإنسان ، لأنه خارج عن إرادة الإنسان . . وهو العدل الذي قال الله عنه في الآية الأخرى في هذه السورة : ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء - ولو حرصتم - فلا تميلوا كل الميل ، فتذروها كالمعلقة . . هذه الآية التي يحاول بعض الناس أن يتخذوا منها دليلا على تحريم التعدد . والأمر ليس كذلك . وشريعة الله ليست هازلة ، حتى تشرع الأمر في آية ، وتحرمه في آية ، بهذه الصورة التي تعطي باليمين وتسلب بالشمال ! فالعدل المطلوب في الآية الأولى ؛ والذي يتعين عدم التعدد إذا خيف ألا يتحقق ؛ هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة ، وسائر الأوضاع الظاهرة ، بحيث لا ينقص إحدى الزوجات شيء منها ؛ وبحيث لا تؤثر واحدة دون الأخرى بشيء منها . . على نحو ما كان النبي [ ص ] وهو أرفع إنسان عرفته البشرية ، يقوم به . في الوقت الذي لم يكن أحد يجهل من حوله ولا من نسائه ، أنه يحب عائشة - رضي الله عنها - ويؤثرها بعاطفة قلبية خاصة ، لا تشاركها فيها غيرها . . فالقلوب ليست ملكا لأصحابها . إنما هي بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء . . وقد كان [ ص ] يعرف دينه ويعرف قلبه . فكان يقول : " اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " . .
ونعود فنكرر قبل أن نتجاوز هذه النقطة ، أن الإسلام لم ينشىء التعدد إنما حدده . ولم يأمر بالتعدد إنما رخص فيه وقيده . وأنه رخص فيه لمواجهة واقعيات الحياة البشرية ، وضرورات الفطرة الإنسانية . هذه الضرورات وتلك الواقعيات التي ذكرنا بعض ما تكشف لنا حتى الآن منها . وقد يكون وراءها غيرها تظهره أطوار الحياة في أجيال أخرى ، وفي ظروف أخرى كذلك . كما يقع في كل تشريع أو توجيه جاء به هذا المنهج الرباني ، وقصر البشر في فترة من فترات التاريخ ، عن استيعاب كل ما وراءه من حكمة ومصلحة . فالحكمة والمصلحة مفترضتان وواقعتان في كل تشريع إلهي ، سواء أدركهما البشر أم لم يدركوهما ، في فترة من فترات التاريخ الإنساني القصير ، عن طريق الإدراك البشري المحدود !
ثم ننتقل إلى الإجراء الثاني الذي تنص عليه الآية عند الخوف من عدم تحقق العدل :
( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ، أو ما ملكت أيمانكم ) . .
أي إنه إن خيف عدم العدل في التزوج بأكثر من واحدة تعين الاقتصار على واحدة ! ولم يجز تجاوزها أو ( ما ملكت أيمانكم ) من الإماء زواجا أو تسريا ، فالنص لم يحدد .
ولقد سبق أن وقفنا في الجزء الثاني من هذه الظلال وقفة قصيرة أمام مسألة الرق إجمالا . فلعله يحسن هنا أن نلم بمسألة الاستمتاع بالإماء خاصة .
إن الزواج من مملوكة فيه رد لاعتبارها وكرامتها الإنسانية . فهو مؤهل من مؤهلات التحرير لها ولنسلها من سيدها - حتى ولو لم يعتقها لحظة الزواج - فهي منذ اليوم الذي تلد فيه تسمى " أم ولد " ويمتنع على سيدها بيعها ؛ وتصبح حرة بعد وفاته . أما ولدها فهو حر منذ مولده .
وكذلك عند التسري بها . فإنها إذا ولدت أصبحت " أم ولد " وامتنع بيعها ، وصارت حرة بعد وفاة سيدها . وصار ولدها منه كذلك حرا إذا اعترف بنسبه ، وهذا ما كان يحدث عادة .
فالزواج والتسري كلاهما طريق من طرق التحرير التي شرعها الإسلام وهي كثيرة . . على أنه قد يحيك في النفس شيء من مسألة التسري هذه . فيحسن أن نتذكر أن قضية الرق كلها قضية ضرورة - كما بينا هناك - وأن الضروة التي اقتضت إباحة الاسترقاق في الحرب الشرعية التي يعلنها الإمام المسلم المنفذ لشريعة الله ، هي ذاتها التي اقتضت إباحة التسري بالإماء ؛ لأن مصير المسلمات الحرائر العفيفات حين يؤسرن كان شرا من هذا المصير !
على أنه يحسن ألا ننسى أن هؤلاء الأسيرات المسترقات ، لهن مطالب فطرية لا بد أن يحسب حسابها في حياتهن ، ولا يمكن إغفالها في نظام واقعي يراعي فطرة الإنسان وواقعه . . فإما أن تتم تلبية هذه المطالب عن طريق الزواج ، وإما أن تتم عن طريق تسري السيد ، ما دام نظام الاسترقاق قائما ، كي لا ينشرن في المجتمع حالة من الانحلال الخلقي ، والفوضى الجنسية ، لا ضابط لها ، حين يلبين حاجتهن الفطرية عن طريق البغاء أو المخادنة ، كما كانت الحال في الجاهلية .
أما ما وقع في بعض العصور من الاستكثار من الإماء - عن طريق الشراء والخطف والنخاسة وتجميعهن في القصور ، واتخاذهن وسيلة للإلتذاذ الجنسي البهيمي ، وتمضية الليالي الحمراء بين قطعان الإماء ، وعربدة السكر والرقص والغناء . . إلى آخر ما نقلته الينا الأخبار الصادقة والمبالغ فيها على السواء . . أما هذا كله فليس هو الإسلام . وليس من فعل الإسلام ، ولا إيحاء الإسلام . ولا يجوز أن يحسب على النظام الإسلامي ، ولا أن يضاف إلى واقعه التاريخي . .
إن الواقع التاريخي " الإسلامي " هو الذي ينشأ وفق أصول الإسلام وتصوراته وشرعته وموازينه . هذا وحده هو الواقع التاريخي " الإسلامي " . . أما ما يقع في المجتمع الذي ينتسب إلى الإسلام ، خارجا على أصوله وموازينه ، فلا يجوز أن يحسب منه ، لأنه انحراف عنه .
إن للإسلام وجوده المستقل خارج واقع المسلمين في أي جيل . فالمسلمون لم ينشئوا الإسلام ، إنما الإسلام هو الذي أنشأ المسلمين . الإسلام هو الأصل ، والمسلمون فرع عنه ، ونتاج من نتاجه . ومن ثم فإن ما يصنعه الناس أو ما يفهمونه ليس هو الذي يحدد أصل النظام الإسلامي أو مفهوم الإسلام الأساسي . إلا أن يكون مطابقا للأصل الإسلامي الثابت المستقل عن واقع الناس ومفهومهم ، والذي يقاس إليه واقع الناس في كل جيل ومفهومهم ، ليعلم كم هو مطابق أو منحرف عن الإسلام .
إن الأمر ليس كذلك في النظم الأرضية التي تنشأ ابتداء من تصورات البشر ، ومن المذاهب التي يضعونها لأنفسهم - وذلك حين يرتدون إلى الجاهلية ويكفرون بالله مهما ادعوا أنهم يؤمنون به ، فمظهر الإيمان الأول بالله هو استمداد الأنظمة من منهجه وشريعته ، ولا إيمان بغير هذه القاعدة الكبيرة - ذلك أن المفهومات المتغيرة للناس حينئذ ، والأوضاع المتطورة في أنظمتهم ، هي التي تحدد مفهوم المذاهب التي وضعوها لأنفسهم ، وطبقوها على أنفسهم .
فأما في النظام الإسلامي الذي لم يصنعه الناس لأنفسهم ، إنما صنعه للناس رب الناس وخالقهم ورازقهم ومالكهم . . فأما في هذا النظام فالناس إما أن يتبعوه ويقيموا أوضاعهم وفقه ؛ فواقعهم إذن هو الواقع التاريخي " الإسلامي " وإما أن ينحرفوا عنه أو يجانبوه كلية ، فليس هذا واقعا تاريخيا للإسلام . إنما هو انحراف عن الإسلام !
ولا بد من الإنتباه إلى هذا الاعتبار عند النظر في التاريخ الإسلامي . فعلى هذا الاعتبار تقوم النظرية التاريخية الإسلامية ، وهي تختلف تماما مع سائر النظريات التاريخية الأخرى ، التي تعتبر واقع الجماعة الفعلي ، هو التفسير العملي للنظرية أو المذهب ، وتبحث عن " تطور " النظرية أو المذهب في هذا الواقع الفعلي للجماعة التي تعتنقه ، وفي المفهومات المتغيرة لهذه النظرية في فكر الجماعة ! وتطبيق هذه النظرة على الإسلام ينافي طبيعته المتفردة ، ويؤدي إلى أخطار كثيرة ، في تحديد المفهوم الإسلامي الحقيقي .
وأخيرا تفصح الآية عن حكمة هذه الإجراءات كلها . . إنها اتقاء الجور وتحقيق العدل :
ذلك . . البعد عن نكاح اليتيمات - إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى - ونكاح غيرهن من النساء - مثنى وثلاث ورباع - ونكاح الواحدة فقط - إن خفتم ألا تعدلوا - أو ما ملكت أيمانكم . . ( ذلك أدنى ألا تعولوا ) . . أي ذلك أقرب ألا تظلموا وألا تجوروا .
وهكذا يتبين أن البحث عن العدل والقسط ، هو رائد هذا المنهج ، وهدف كل جزئية من جزئياته . . والعدل أجدر أن يراعي في المحضن الذي يضم الأسرة . وهي اللبنة الأولى للبناء الاجتماعي كله ، ونقطة الانطلاق إلى الحياة الاجتماعية العامة ، وفيه تدرج الأجيال وهي لدنة رخصة قابلة للتكيف ، فإن لم يقم على العدل والود والسلام ، فلا عدل ولا ود في المجتمع كله ولا سلام .
{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَىَ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَآءِ مَثْنَىَ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَلاّ تَعُولُواْ } .
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وإن خفتم يا معشر أولياء اليتامى ألا تقسطوا في صداقهنّ فتعدلوا فيه ، وتبلغوا بصداقهنّ صدقات أمثالهنّ ، فلا تنكحوهنّ ، ولكن انكحوا غيرهنّ من الغرائب اللواتي أحلهنّ الله لكم وطيبهنّ من واحدة إلى أربع . وإن خفتم أن تجوروا إذا نكحتم من الغرائب أكثر من واحدة ، فلا تعدلوا ، فانكحوا منهنّ واحدة ، أو ما ملكت أيمانكم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ } فقالت : يا ابن أختي ، هي اليتيمة تكون في حجر وليها ، فيرغب في مالها وجمالها ، ويريد أن ينكحها بأدنى من سنة صداقها ، فنهوا أن ينكحوهنّ إلا أن يقسطوا لهنّ في إكمال الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما سواهنّ من النساء .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عروة بن الزبير ، أنه سأل عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، عن قول الله تبارك وتعالى : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ } قالت : يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها ، تشاركه في ماله ، فيعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها ، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهنّ ، ويبلغوا بهنّ أعلى سنتهنّ في الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن . قال يونس بن يزيد : قال ربيعة في قول الله : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى } قال : يقول : اتركوهنّ فقد أحللت لكم أربعا .
حدثنا الحسن بن الجنيد وأبو سعيد بن مسلمة ، قالا : أنبأنا إسماعيل بن أمية ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، قال : سألت عائشة أمّ المؤمنين ، فقلت : يا أمّ المؤمنين أرأيت قول الله : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ } ؟ قالت : يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها ، فيرغب في جمالها ومالها ، ويريد أن يتزوّجها بأدنى من سنة صداق نسائها ، فنهوا عن ذلك أن ينكحوهنّ إلا أن يقسطوا فيكملوا لهنّ الصداق ، ثم أمروا أن ينكحوا سواهنّ من النساء إن لم يكملوا لهنّ الصداق .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني الليث ، قال : ثني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : ثني عروة بن الزبير ، أنه سأل عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثل حديث يونس ، عن ابن وهب .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، مثل حديث ابن حميد ، عن ابن المبارك .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : نزل ، يعني قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى } . . . الاَية ، في اليتيمة تكون عند الرجل ، وهي ذات مال ، فلعله ينكحها لمالها ، وهي لا تعجبه ، ثم يضرّ بها ، ويسيء صحبتها ، فوعظ في ذلك .
قال أبو جعفر : فعلى هذا التأويل جواب قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا } قوله : { فانْكِحُوا } .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : النهي عن نكاح ما فوق الأربع ، حذرا على أموال اليتامى أن يتلفها أولياؤهم ، وذلك أن قريشا ، كان الرجل منهم يتزوّج العشر من النساء ، والأكثر ، والأقلّ ، فإذا صار معدما ، مال على مال يتيمه الذي في حجره ، فأنفقه ، أو تزوّج به ، فنهوا عن ذلك¹ وقيل لهم : إن أنتم خفتم على أموال أيتامكم أن تنفقوها ، فلا تعدلوا فيها من أجل حاجتكم إليها ، لما يلزمكم من مؤن نسائكم ، فلا تجاوزوا فيما تنكحون من عدد النساء على أربع ، وإن خفتم أيضا من الأربع ألا تعدلوا في أموالهم فاقتصروا على الواحدة ، أو على ما ملكت أيمانكم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك ، قال : سمعت عكرمة يقول في هذه الاَية : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى } قال : كان الرجل من قريش يكون عنده النسوة ، ويكون عنده الأيتام ، فيذهب ماله ، فيميل على مال الأيتام . قال : فنزلت هذه الاَية : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ } .
حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ فإنْ خِفْتُمْ ألاّ تَعِدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكَتْ أيمانُكُمْ } قال : كان الرجل يتزوّج الأربع والخمس والستّ والعشر ، فيقول الرجل : ما يمنعني أن أتزوّج كما تزوّج فلان ، فيأخذ مال يتيمه فيتزوّج به ، فنهوا أن يتزوّجوا فوق الأربع .
حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا أبيّ ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال : قصر الرجال على أربع من أجل أموال اليتامى .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى } فإن الرجل كان يتزوّج بمال اليتيم ما شاء الله تعالى ، فنهى الله عن ذلك .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن القوم كانوا يتحوّبون في أموال اليتامى ألا يعدلوا فيها ، ولا يتحوّبون في النساء ألا يعدلوا فيهنّ ، فقيل لهم : كما خفتم أن لا تعدلوا في اليتامى ، فكذلك فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهنّ ، ولا تنكحوا منهنّ إلا من واحدة إلى الأربع ، ولا تزيدوا على ذلك ، وأن خفتم ألا تعدلوا أيضا في الزيادة على الواحدة ، فلا تنكحوا إلا ما لا تخافون أن تجوروا فيهنّ من واحدة أو ما ملكت أيمانكم . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير ، قال : كان الناس على جاهليتهم ، إلا أن يؤمروا بشيء أو ينهوا عنه . قال : فذكروا اليتامى ، فنزلت : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ فإنْ خِفْتُمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكَتْ أيمانُكُمْ } قال : فكما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى ، فكذلك فخافوا أن لا تقسطوا في النساء .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى } إلى : { أيمَانُكُمْ } كانوا يشدّدون في اليتامى ، ولا يشدّدون في النساء ، ينكح أحدهم النسوة ، فلا يعدل بينهنّ¹ فقال الله تبارك وتعالى : كما تخافون أن لا تعدلوا بين اليتامى فخافوا في النساء ، فانكحوا واحدة إلى الأربع ، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ } حتى بلغ : { أدْنَى ألاّ تَعُولُوا } يقول : كما خفتم الجور في اليتامى وهمّكم ذلك ، فكذلك فخافوا في جمع النساء . وكان الرجل في الجاهلية يتزوّج العشرة فما دون ذلك ، فأحلّ الله جلّ ثناؤه أربعا ، ثم الذي صيرهنّ إلى أربع قوله : { مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ فإنْ خِفْتُمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } يقول : إن خفت ألا تعدل في أربع فثلاث ، وإلا فثنتين ، وإلا فواحدة¹ وإن خفت ألا تعدل في واحدة ، فما ملكت يمينك .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير ، قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ } يقول : ما أحل لكم من النساء ، { مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ } فخافوا في النساء مثل الذي خفتم في اليتامى ألا تقسطوا فيهن .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير ، قال جاء الإسلام ، والناس على جاهليتهم ، إلا أن يؤمروا بشيء فيتبعوه أو ينهوا عن شيء فيجتنبوه ، حتى سألوا عن اليتامى ، فأنزل الله تبارك وتعالى : { فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ } .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو النعمان عارم ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير ، قال : بعث الله تبارك وتعالى محمدا صلى الله عليه وسلم ، والناس على أمر جاهليتهم ، إلا أن يؤمروا بشيء أو ينهوا عنه ، وكانوا يسألونه عن اليتامى ، فأنزل الله تبارك وتعالى : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ } قال : فكما تخافون ألا تقسطوا في اليتامى فخافوا ألا تقسطوا وتعدلوا في النساء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى } قال : كانوا في الجاهلية ينكحون عشرا من النساء الأيامى ، وكانوا يعظمون شأن اليتيم ، فتفقدوا من دينهم شأن اليتيم ، وتركوا ما كانوا ينكحون في الجاهلية ، فقال : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ } ونهاهم عما كانوا ينكحون في الجاهلية .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ } كانوا في جاهليتهم لا يرزءون من مال اليتيم شيئا ، وهم ينكحون عشرا من النساء ، وينكحون نساء آبائهم ، فتفقدوا من دينهم شأن النساء ، فوعظهم الله في اليتامى وفي النساء ، فقال في اليتامى : { وَلا تَتَبَدّلُوا الخَبِيثَ بالطّيّبِ } . . . إلى : { إنّهُ كانَ حُوبا كَبِيرا } ووعظهم في شأن النساء ، فقال : { فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ } . . . الاَية ، وقال : { وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النّساءِ } .
حُدثت عن عمار عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى } . . . إلى : { ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } يقول : فإن خفتم الجور في اليتامى وغمكم ذلك ، فكذلك فخافوا في جمع النساء . قال : وكان الرجل يتزوّج العشر في الجاهلية فما دون ذلك ، وأحلّ الله أربعا وصيرهم إلى أربع ، يقول : { فإنْ خِفْتُمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } وإن خفت ألا تعدل في واحدة ، فما ملكت يمينك .
وقال آخرون : معنى ذلك : فكما خفتم في اليتامى ، فكذلك فتخوفوا في النساء أن تزنوا بهنّ ، ولكن انكحوا ما طاب لكم من النساء . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى } يقول : إن تحرّجتم في ولاية اليتامى وأكل أموالهم إيمانا وتصديقا ، فكذلك فتحرّجوا من الزنا ، وانكحوا النساء نكاحا طيبا : { مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ فإنْ خِفْتُمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى اللاتي أنتم ولاتهن ، فلا تنكحوهنّ ، وانكحوا أنتم ما أحلّ لكم منهنّ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى } قال : نزلت في اليتيمة تكون عند الرجل هو وليها ، ليس لها وليّ غيره ، وليس أحد ينازعه فيها ، ولا ينكحها لمالها ، فيضرّ بها ، ويسيء صحبتها .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا يونس ، عن الحسن في هذه الاَية : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ } : أي ما حلّ لكم من يتاماكم من قراباتكم { مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ فإنْ خِفْتُمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال التي ذكرناها في ذلك بتأويل الاَية قول من قال : تأويلها : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ، فكذلك فخافوا في النساء ، فلا تنكحوا منهنّ إلا ما لا تخافون أن تجوروا فيه منهنّ من واحدة إلا الأربع ، فإن خفتم الجور في الواحدة أيضا فلا تنكحوها ، ولكن عليكم بما ملكت أيمانكم ، فإنه أحرى أن لا تجوروا عليهنّ .
وإنما قلنا : إن ذلك أولى بتأويل الاَية ، لأن الله جلّ ثناؤه افتتح الاَية التي قبلها بالنهي عن أكل أموال اليتامى بغير حقها ، وخلطها بغيرها من الأموال ، فقال تعالى ذكره : { وآتوا اليَتامَى أمْوَالَهمْ وَلا تَتَبَدّلُوا الخَبِيثَ بالطّيّبِ وَلا تَأْكُلُوا أمْوَالَهمْ إلى أمْوَالِكمْ إنّهُ كانَ حُوبا كَبِيرا } . ثم أعلمهم أنهم إن اتقوا الله في ذلك فتحرّجوا فيه ، فالواجب عليهم من اتقاء الله ، والتحرّج في أمر النساء مثل الذي عليهم ظن التحرّج في أمر اليتامى ، وأعلمهم كيف التخلص لهم من الجور فيهنّ ، كما عرّفهم المخلص من الجور في أموال اليتامى ، فقال : انكحوا إن أمنتم الجور في النساء على أنفسكم ، ما أبحت لكم منهنّ وحللته ، مثنى وثلاث ورباع ، فإن خفتم أيضا الجور على أنفسكم في أمر الواحدة بأن تقدروا على إنصافها ، فلا تنكحوها ، ولكن تسرّوا من المماليك ، فإنكم أحرى أن لا تجوروا عليهنّ ، لأنهنّ أملاككم وأموالكم ، ولا يلزمكم لهنّ من الحقوق كالذي يلزمكم للحرائر ، فيكون ذلك أقرب لكم إلى السلامة من الإثم والجور ، ففي الكلام إذ كان المعنى ما قلنا ، متروك استغنى بدلالة ما ظهر من الكلام عن ذكره . وذلك أن معنى الكلام : وإن خفتم ألا تقسطوا في أموال اليتامى فتعدّلوا فيها ، فكذلك فخافوا ألا تقسطوا في حقوق النساء التي أوجبها الله عليكم ، فلا تتزّوّجوا منهنّ إلا ما أمنتم معه الجور ، مثنى وثلاث ورباع ، وإن خفتم أيضا في ذلك فواحدة ، وإن خفتم في الواحدة فما ملكت أيمانكم فترك ذكر قوله فكذلك فخافوا أن تقسطوا في حقوق النساء بدلالة ما ظهر من قوله تعالى : { فإنْ خِفْتُمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } .
فإن قال قائل : فأين جواب قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا في اليَتامَى } ؟ قيل : قوله : { فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ } غير أن المعنى الذي يدلّ على أن المراد بذلك ما قلنا : قوله : { فإنْ خِفْتُمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعُولوا } .
وقد بينا فيما مضى قبل أن معنى الإقساط في كلام العرب : العدل والإنصاف ، وأن القسط : الجور والحيف ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وأما اليتامى ، فإنها جمع لذكران الأيتام وإناثهم في هذا الموضع . وأما قوله : { فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ } فإنه يعني : فانكحوا ما حلّ لكم منهنّ دون ما حرّم عليكم منهنّ . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي مالك ، قوله : { فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ } : ما حلّ لكم .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير في قوله : { فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ } يقول : ما حَلّ لكم .
فإن قال قائل : وكيف قيل : { فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ } ولم يقل : فانكحوا من طاب لكم ، وإنما يقال ما في غير الناس ؟ قيل : معنى ذلك على غير الوجه الذي ذهبت إليه ، وإنما معناه : فانكحوا نكاحا طيبا . كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ } فانكحوا النساء نكاحا طيبا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
فالمعنيّ بقوله : { ما طابَ لَكمْ } الفعل دون أعيان النساء وأشخاصهنّ ، فلذلك قيل «ما » ولم يقل «من » ، كما يقال : خذ من رقيقي ما أردت إذا عنيت ، خذ منهم إرادتك ، ولو أردت خذ الذي تريد منهم لقلت : خذ من رقيقي من أردت منهم . وكذلك قوله : { أوْ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } بمعنى : أو ملك أيمانكم . وإنما معنى قوله : { فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ } فلينكح كل واحد منكم مثنى وثلاث ورباع ، كما قيل : { وَالّذِينَ يَرْمونَ المحْصَناتِ ثُمّ لَمْ يَأْتَوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فاجْلِدُوهُم ثَمانِينَ جَلْدَةً } . وأما قوله { مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ } فإنما ترك إجراؤهنّ لأنهنّ معدولات عن اثنين وثلاث وأربع ، كما عدل عمر عن عامر وزفر عن زافر فترك إجراؤه ، وكذلك أحاد وثناء وموحد ومثنى ومثلث ومربع ، لا يجري ذلك كله للعلة التي ذكرت من العدول عن وجوهه . ومما يدلّ على أن ذلك كذلك ، وأن الذكر والأنثى فيه سواء ، ما قيل في هذه السورة وسورة فاطر : مثنى وثلاث ورباع ، يراد به الجناح ، والجناح ذكر ، وأنه أيضا لا يضاف إلى ما يضاف إليه الثلاثة والثلاث ، وأن الألف واللام لا تدخله ، فكان في ذلك دليل على أنه اسم للعدد معرفة ، ولو كان نكرة لدخله الألف واللام وأضيف كما يضاف الثلاثة والأربعة ، ومما يبين في ذلك قول تميم بن أبي مقبل :
تَرَى النّعَرَاتِ الزّرْقَ تَحْتَ لَبانِهِ *** أُحادَ وَمَثْنَى أصْعَقَتْها صَوَاهِلُهْ
فردّ أحاد ومثنى على النعرات وهي معرفة . وقد تجعلها العرب نكرة فتجريها ، كما قال الشاعر :
قَتَلْنا بِهِ مِنْ بَيْنِ مَثْنَى وَمَوْحَدٍ *** بأرْبَعَةٍ مِنْكُمْ وآخَرَ خامِسِ
ومما يبين أن ثناء وأحاد غير جارية قول الشاعر :
ولَقَدْ قَتَلْتكمُ ثُناءَ وَمَوْحَدا *** وتركتُ مُرّةَ مِثْلَ أَمْسِ الدّابِرِ
مَنَتْ لَك أن تلاقِيَنِي المَنايَا *** أُحادَ أُحادَ فِي شَهْرٍ حَلالِ
ولم يسمع من العرب صرف ما جاوز الرباع والمربع عن جهته ، لم يسمع منها خماس ولا المخمس ، ولا السباع ولا المسبع وكذلك ما فوق الرباع ، إلا في بيت للكميت ، فإنه يروي له في العشرة عشار وهو قوله :
فَلَمْ يَسْتَرِيثوكَ حتى رَمَيْ *** تَ فوْقَ الرّجالِ خِصالاً عُشارَا
يريد عشرا عشرا ، يقال : إنه لم يسمع غير ذلك .
وأما قوله : { فإنْ خِفْتُمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } فإن نصب واحدة ، بمعنى : فإن خفتم ألا تعدلوا فيما يلزمكم من العدل ما زاد على الواحدة من النساء عندكم بنكاح فيما أوجبه الله لهنّ عليكم ، فانكحوا واحدة منهنّ ، ولو كانت القراءة جاءت في ذلك بالرفع كان جائزا بمعنى : فواحدة كافية ، أو فواحدة مجزئة ، كما قال جلّ ثناؤه : { فإنْ لَمْ يَكونَا رَجُلَيْنِ فَرَجلٌ وَامْرأتانِ } وإن قال لنا قائل : قد علمت أن الحلال لكم من جميع النساء الحرائر نكاح أربع ، فكيف قيل : { فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ مَثْنَى وَثلاثَ وَرُباعَ } وذلك في العدد تسع ؟ قيل : إن تأويل ذلك : فانكحوا ما طاب لكم من النساء ، إما مثنى إن أمنتم الجور من أنفسكم فيما يجب لهما عليكم¹ وإما ثلاث إن لم تخافوا ذلك¹ وإما أربع إن أمنتم ذلك فيهنّ ، يدلّ على صحة ذلك قوله : { فإنْ خِفْتمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } لأن المعنى : فإن خفتم في الثنتين فانكحوا واحدة ، ثم قال : وإن خفتم ألا تعدلوا أيضا في الواحدة ، فما ملكت أيمانكم .
فإن قال قائل : فإن أمر الله ونهيه على الإيجاب والإلزام حتى تقوم حجة بأن ذلك على التأديب والإرشاد والإعلام ، وقد قال تعالى ذكره : { فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ } وذلك أمر ، فهل من دليل على أنه من الأمر الذي هو على غير وجه الإلزام والإيجاب ؟ قيل : نعم ، والدليل على ذلك قوله : { فإنْ خِفْتُمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } فكان معلوما بذلك أن قوله : { فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ } وإن كان مخرجه مخرج الأمر ، فإنه بمعنى الدلالة على النهي عن نكاح ما خاف الناكح الجور فيه من عدد النساء ، لا بمعنى الأمر بالنكاح . فإن المعنيّ به : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فتحرّجتم فيهنّ ، فكذلك فتحرّجوا في النساء ، فلا تنكحوا إلا ما أمنتم الجور فيه منهنّ ، ما أحللته لكم من الواحدة إلى الأربع . وقد بينا في غير هذا الموضع بأن العرب تخرّج الكلام بلفظ الأمر ، ومعناها فيه النهي أو التهديد والوعيد ، كما قال جلّ ثناؤه : { فَمَنْ شاءَ فَلْيؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفرْ } وكما قال : { لَيكْفرُوا بِمَا آتَيْناهمْ فَتَمَتّعوا فَسَوْفَ تَعْلَمونَ } فخرج ذلك مخرج الأمر ، والمقصود به التهديد والوعيد ، والزجر والنهي ، فكذلك قوله : { فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ } بمعنى النهي ، فلا تنكحوا إلا ما طاب لكم من النساء . وعلى النحو الذي قلنا في معنى قوله : { أوْ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { فإنْ خِفْتُمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } يقول : فإن خفت ألا تعدل في واحدة ، فما ملكت يمينك .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { أوْ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } : السراري .
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { فإنْ خِفْتُمْ ألاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ } فإن خفت ألا تعدل في واحدة فما ملكت يمينك .
حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا جويبر ، عن الضحاك ، قوله : { فإنْ خِفْتمْ ألاّ تَعْدِلُوا } قال : في المجامعة والحبّ .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ أدْنَى أنْ لا تَعولوا } .
يعني بقوله تعالى ذكره : وإن خفتم ألا تعدلوا في مثنى أو ثلاث أو رباع فنكحتم واحدة ، أو خفتم ألا تعدلوا في الواحدة فتسرّرتم ملك أيمانكم¹ فهو أدنى ، يعني : أقرب ألا تعولوا ، يقول : أن لا تجوروا ولا تَميلوا ، يقال منه : عال الرجل فهو يَعُول عَوْلاً وعِيالة ، إذا مال وجار ، ومنه عَوْل الفرائض ، لأن سهامها إذا زادت دخلها النقص¹ وأما من الحاجة ، فإنما يقال : عالَ الرجل عَيْلَةً ، وذلك إذا احتاج ، كما قال الشاعر :
وَما يَدْرِي الفَقِيرُ متى غِناهُ *** وما يَدْرِي الغَنِيّ متى يَعِيلُ
بمعنى يفتقر . وبنحو ما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا يونس ، عن الحسن : { ذَلِكَ أدْنَى أنْ لا تَعولوا } قال : العول : الميل في النساء .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثني حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد في قوله : { ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعولوا } يقول : لا تميلوا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعولوا } : أن لا تميلوا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد . مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة : { ألاّ تَعولوا } قال : أن لا تميلوا ، ثم قال : أما سمعت إلى قول أبي طالب :
*** بِمِيزَانِ قِسْطٍ وَزْنهُ غَيْرُ عائِل ***ِ
حدثني المثنى ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن الزبير ، عن حريث ، عن عكرمة في هذه الاَية : { ألاّ تَعولوا } قال : أن لا تميلوا ، قال : وأنشد بيتا من شعر زعم أن أبا طالب قاله :
بِمِيزَانِ قِسْطٍ لا يُخِسّ شَعِيرَةً *** وَوَازِنِ صِدْقٍ وَزْنهُ غيرُ عائِلِ
قال أبو جعفر : ويروى هذا البيت على غير هذه الرواية :
بِمِيزَانِ صِدْقٍ لا يُغِلّ شَعِيرَةً *** لهُ شاهِدٌ مِنْ نفسِهِ غيُر عائِلِ
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : { ألاّ تَعولوا } قال : ألا تميلوا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفيّ ، قال : كتب عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه عليه فيه : «إنّي لست بميزان لا أعول » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثام بن عليّ ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي مالك في قوله : { أدْنَى ألاّ تَعُولُوا } قال : لا تميلوا .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعُولُوا } : أدنى أن لا تميلوا .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { ألاّ تَعولوا } قال : تميلوا .
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعُولُوا } يقول : ألا تميلوا .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعُولُوا } يقول : تميلوا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس . قوله : { أدْنَى ألاّ تَعُولُوا } يعني : ألا تميلوا .
حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعُولُوا } يقول : ذلك أدنى ألا تميلوا .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن أبي مالك في قوله : { ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعُولُوا } قال : ألا تجوروا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون وعارم أبو النعمان ، قالا : حدثنا هشيم ، عن حصين ، عن أبي مالك ، مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن يونس ، عن أبي إسحاق ، عن مجاهد : { ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعُولُوا } قال : تميلوا .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : { ذَلِكَ أدْنَى ألاّ تَعُولُوا } ذلك أقلّ لنفقتك الواحدة ، أقلّ من ثنتين وثلاث وأربع ، وجاريتك أهون نفقة من حرّة¹ { أنْ لا تَعُولُوا } : أهون عليك في العيال .