الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لَمۡ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وقيل : مدنية ، وأياتها ثمان .

كان الكفار من الفريقين أهل الكتاب وعبدة الأصنام يقولون قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم : لا ننفك مما نحن عليه من ديننا ولا نتركه حتى يبعث النبي الموعود الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، فحكى الله تعالى ما كانوا يقولونه ثم قال : { وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب } يعني أنهم كانوا يعدون اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق : إذا جاءهم الرسول ، ثم ما فرقهم عن الحق ولا أقرّهم على الكفر إلاّ مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ ونظيره في الكلام أن يقول الفقير الفاسق لمن يعظه : لست بمنفك مما أنا فيه حتى يرزقني الله الغنى ، فيرزقه الله الغنى فيزداد فسقاً ، فيقول واعظه : لم تكن منفكاً عن الفسق حتى توسر ، وما غمست رأسك في الفسق إلاّ بعد اليسار ، يذكره ما كان يقوله توبيخاً وإلزاماً . وانفكاك الشيء من الشيء أن يزايله بعد التحامه به ، كالعظم إذا انفك من مفصله ؛ والمعنى : أنهم متشبثون بدينهم لا يتركونه إلاّ عند مجيء البينة . و { البينة } الحجة الواضحة .