الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{لَمۡ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡبَيِّنَةُ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وآياتها 8 .

قوله تعالى : { لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ } وفي حرف ابن مسعودٍ : ( لَمْ يَكُنِ المُشْرِكُونَ وَأَهْلُ الكِتَابِ مُنْفَكِّينَ ) .

وقوله تعالى : { مُنْفَكِّينَ } معناه : مُنْفَصِلِينَ متفرقينَ ، تقول : انْفَكَّ الشيءُ عن الشيء ؛ إذا انفصلَ عنه ، وأمَّا انفك التي هي مِنْ أخواتِ «كَانَ » فلا مَدْخَلَ لَها هنا ، قال مجاهد وغيره : لَمْ يَكُونُوا مُنْفَكِّينَ عن الكفرِ والضلالِ حتى جَاءَتْهُم البينةُ ، وأوقَعَ المستقبلَ موقِعَ الماضي في ( تأتيهم ) ، والبيناتُ : محمَّد صلى الله عليه وسلم وشرْعُهُ ، قال الثعلبيُّ : و{ المشركين } يعني : من العربِ وهم عَبَدةُ الأوثانِ ، انتهى . وقال الفراء وغيره : لم يكونوا منفكِّينَ عَنْ معرفةِ صحةِ نبوةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم والتَّوَكُّفِ لأمره حتى جاءتهم البينةُ فَتَفَرَّقُوا عند ذلك ، ويتَّجِهُ في معنى الآيةِ قولٌ ثالثٌ بارعُ المعنى ؛ وذلك أَنْ يكونَ المرادُ : لَمْ يَكُنْ هؤلاءِ القومُ منفكينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَظَرِهِ لَهُمْ حَتَّى يبعثَ إليهمْ رَسُولاً ؛ تقومُ عليهم به الحجةُ ، وتتمُّ عَلى مَنْ آمن بهِ النعمةُ ، فكأَنَّه قَالَ : ما كانوا لِيُتْرَكُوا سُدًى .