المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ} (7)

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ( 7 )

وصراط الذين بدل من الأول .

وقرأ عمر بن الخطاب ، وابن الزبير : «صراط من أنعمت عليهم » .

و { الذين } جمع الذي ، وأصله «لذٍ » ، حذفتْ منه الياء للتنوين كما تحذف من عمٍ ، وقاضٍ ، فلما دخلته الألف واللام ثبتت الياء . و «الذي » اسم مبهم ناقص محتاج إلى صلة وعائد ، وهو مبني في إفراده . وجمعه معرب في تثنيته . ومن العرب( {[97]} ) من يعرب جمعه ، فيقول في الرفع اللذون ، وكتب الذي بلام واحدة في الإفراد والجمع تخفيفاً لكثرة الاستعمال ، واختلف الناس في المشار إليهم بأنه أنعم عليهم .

فقال ابن عباس وجمهور من المفسرين : إنه أراد صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وانتزعوا ذلك من قوله تعالى : { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً ، وإذاً لآتيناهم من لدنّا أجراً عظيماً ولهديناهم صراطاً مستقيماً ومن يطع اللَّهَ والرسولَ فأولئكَ مع الذينَ أنعمَ اللَّهُ عليهمْ من النبيين والصدّيقين والشهداءِ والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقاً }( {[98]} ) [ النساء : 66-69 ] فالآية تقتضي أن هؤلاء على صراط مستقيم . وهو المطلوب في آية الحمد .

وقال ابن عباس أيضاً : «المنعم عليهم هو المؤمنون » .

وقال الحسن بن أبي الحسن : «المنعم عليهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم » .

وحكى مكي وغيره عن فرقة من المفسرين أن المنعم عليهمْ مؤمنو بني إسرائيل ، بدليل قوله تعالى : { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم }( {[99]} ) [ البقرة : 40 ، 47 ، 122 ] .

وقال ابن عباس : «المنعم عليهم أصحابُ موسى قبل أن يبدلوا » .

قال القاضي أبو محمد : وهذا والذي قبله سواء .

وقال قتادة بن دعامة : «المنعم عليهم الأنبياء خاصة » .

وحكى مكي عن أبي العالية أنه قال : «المنعم عليهم محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عمر » .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وقد تقدم ما حكاه عنه الطبري من أنه فسر { الصراط المستقيم } بذلك ، وعلى ما حكى مكي ينتقض الأول ويكون { الصراط المستقيم } طريق محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما . وهذا أقوى في المعنى ، لأن تسمية أشخاصهم طريقاً تجوز( {[100]} ) ، واختلف القراء في الهاء من { عليهم } ، فقرأ حمزة «عليهُمْ » بضم الهاء وإسكان الميم ، وكذلك لديهم وإليهم ، قرأ الباقون في جميعها بكسر الهاء واختلفوا في الميم .

فروي عن نافع التخيير بين ضمها وسكونها ، وروي عنه أنه كان لا يعيب ضم الميم ، فدل ذلك على أن قراءته كانت بالإسكان .

وكان عبد الله بن كثير يصل الميم بواو انضمت الهاء قبلها أو انكسرت فيقرأ «عليهمو وقلوبهمو وسمعهمو وأبصارهمو » .

وقرأ ورش الهاء مكسورة والميم موقوفة ، إلا أن تلقى الميم ألفاً أصلية فيلحق في اللفظ واواً مثل قوله : { سواء عليهم أأنذرتهم }( {[101]} ) [ البقرة : 6 ] .

وكان أبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر ، والكسائي ، يكسرون ، ويسكنون الميم ، فإذا لقي الميم حرف ساكن اختلفوا فكان عاصم ، وابن كثير ، ونافع يمضون على كسر الهاء وضم الميم ، مثل قوله تعالى : { عليهم الذلة }( {[102]} ) [ البقرة : 61 ، آل عمران : 112 ] و { من دونهم امرأتين }( {[103]} ) [ القصص : 23 ] وما أشبه ذلك ، وكان أبو عمرو يكسر الهاء والميم فيقول : { عليهم الذلة } و { إليهم اثنين } [ يس : 14 ] وما أشبه ذلك .

وكان الكسائي يضم الهاء والميم معاً ، فيقرأ { عليهم الذلة } و { من دونهم امرأتين } .

قال أبو بكر أحمد بن موسى : وكل هذا الاختلاف في كسر الهاء وضمها إنما هو في الهاء التي قبلها كسرة أو ياء ساكنة ، فإذا جاوزت هذين لم يكن في الهاء إلا الضم ، فإذا لم يكن قبل الميم هاء قبلها كسرة أو ياء ساكنة لم يجز في الميم إلا الضم والتسكين في مثل قوله تعالى : منكم وأنتم .

قال القاضي أبو محمد : وحكى صاحب الدلائل قال : «قرأ بعضهم عليهمو بواو وضمتين ، وبعضهم بضمتين وألقى( {[104]} ) الواو ، وبعضهم بكسرتين وألحق الياء ، وبعضهم بكسرتين وألغى الياء ، وبعضهم بكسر الهاء وضم الميم » .

قال : «وذلك مروي عن الأئمة ورؤساء اللغة » .

قال ابن جني( {[105]} ) : «حكى أحمد بن موسى عليهمو وعليهمُ بضم الميم من غير إشباع إلى الواو ، وعليهم بسكون الميم » .

وقرأ الحسن وعمرو بن فائد «عليهمي » .

وقرىء «عليهمِ » بكسر الميم دون إشباع إلى الياء .

وقرأ الأعرج : «علِيهمُ » بكسر الهاء وضم الميم من غير إشباع .

وهذه القراءات كلها بضم الهاء إلا الأخيرة وبإزاء كل واحدة منها قراءة بكسر الهاء فيجيء في الجميع عشر قراءات . ( {[106]} )

قوله تعالى : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } .

اختلف القراء في الراء من ( غير ) ، فقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي بخفض الراء ، وقرأ بن كثير ( غير ) ( {[107]} ) بالنصب ، وروي عنه الخفض .

قال أبو علي : «والخفض( {[108]} ) على ضربين : على البدل ، من { الذين } ، أو على الصفة للنكرة ، كما تقول مررت برجل غيرك ، وإنما وقع هنا صفة ل { الذين } لأن { الذين } هنا ليس بمقصود قصدهم( {[109]} ) ، فالكلام بمنزلة قولك إني لأمر بالرجل مثلك فأكرمه » .

قال : «والنصب في الراء على ضربين : على الحال كأنك قلت أنعمت عليهم لا مغضوباً عليهم ، أو على الاستثناء كأنك قلت إلا المغضوب عليهم ، ويجوز النصب على أعني » . وحكي نحو هذا عن الخليل .

ومما يحتج به لمن ينصب أن { غير } نكرة فكره أن يوصف بها المعرفة . والاختيار الذي لا خفاء به الكسر . وقد روي عن ابن كثير( {[110]} ) ، فأولى القولين ما لم يخرج عن إجماع قراء الأمصار .

قال أبو بكر بن السراج( {[111]} ) : «والذي عندي أن { غير } في هذا الموضع مع ما أضيف إليه معرفة ، وهذا شيء فيه نظر ولبس ، فليفهم عني ما أقول : اعلم أن حكم كل مضاف إلى معرفة أن يكون معرفة ، وإنما تنكرت ( غير ) ومثل مع إضافتهما إلى المعارف من أجل معناهما ، وذلك إذا قلت رأيت غيرك فكل شيء سوى المخاطب فهو غيره ، وكذلك إذا قلت رأيت مثلك فما هو مثله لا يحصى لكثرة وجوه المماثلة ، فإنما صارا نكرتين من أجل المعنى فأما إذا كان شيء معرفة له ضد واحد وأردت إثباته ، ونفي ضده ، وعلم ذلك السامع فوصفته بغير وأضفت غير إلى ضده فهو معرفة ، وذلك كقولك عليك بالحركة غير السكون ، وكذلك قولك غير المغضوب لأن من أنعم عليه لا يعاقبه إلا من غضب عليه ، ومن لم يغضب عليه فهو الذي أنعم عليه ، فمتى كانت غير على هذه الصفة وقصد بها هذا المقصد فهي معرفة » .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : أبقى أبو بكر { الذين } على حد التعريف ، وجوز نعتها ب { غير } لما بينه من تعرف غير في هذا الموضع ، وغير أبي بكر وقف مع تنكر غير ، وذهب إلى تقريب { الذين } من النكرة إذ هو اسم شائع لا يختص به معين ، وعلى هذا جوز نعتها بالنكرة ، و { المغضوب عليهم } اليهود ، والضالون النصارى .

وهكذا قال ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، والسدي ، وابن زيد ، وروي ذلك عدي بن حاتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم( {[112]} ) ، وذلك بين من كتاب الله تعالى ، لأن ذكر غضب الله على اليهود متكرر فيه كقوله : { وباؤوا بغضب من الله }( {[113]} ) [ البقرة : 61 ، آل عمران : 112 ] ، وكقوله تعالى : { قل أؤنبئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير }( {[114]} ) [ المائدة : 60 ] فهؤلاء اليهود ، بدلالة قوله تعالى بعده : { ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين }( {[115]} ) [ البقرة : 65 ] والغضب عليهم هو من الله تعالى ، وغضب الله تعالى عبارة عن إظهاره( {[116]} ) عليهم محناً وعقوبات وذلة ونحو ذلك ، مما يدل على أنه قد أبعدهم عن رحمته بعداً مؤكداً مبالغاً فيه ، والنصارى كان محققوهم على شرعة قبل ورود شرع محمد صلى الله عليه وسلم ، فلما ورد ضلوا ، وأما غير محققيهم فضلالهم متقرر منذ تفرقت أقوالهم في عيسى عليه السلام . وقد قال الله تعالى فيهم : { ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل }( {[117]} ) [ المائدة : 77 ] .

قال مكي رحمه الله حكاية( {[118]} ) : دخلت { لا } في قوله { ولا الضالين } لئلا يتوهم أن { الضالين } عطف على { الذين } .

قال : «وقيل هي مؤكدة بمعنى غير » .

وحكى الطبري أن { لا } زائدة ، وقال : هي هنا على نحو ما هي عليه في قول الراجز( {[119]} ) :

. . . . . . فما ألوم البيض ألا تسخرا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أراد أن تسخر . وفي قول الأحوص( {[120]} ) : [ الطويل ]

ويلحينني في اللهو أن لا أحبّه . . . وللهو داعٍ دائبٌ غيرُ غافلِ

وقال الطبري : يريد : ويلحينني في اللهو أن أحبه .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وبيت الأحوص إنما معناه إرادة أن لا أحبه ف ( لا ) فيه متمكنة . ( {[121]} )

قال الطبري : ومنه قوله تعالى : { ما منعك أن لا تسجد } ( {[122]} ) [ الأعراف : 12 ] وإنما جاز أن تكون لا بمعنى الحذف ، ولأنها تقدمها الجحد ( {[123]} ) في صدر الكلام ، فسيق الكلام الآخر مناسباً للأول ، كما قال الشاعر ( {[124]} ) :

ما كان يرضي رسول الله فعلهم . . . والطيبان أبو بكر ولا عمر

وقرأ عمر بن الخطاب وأبي بن كعب :«غير المغضوب عليهم وغير الضالين » .

وروي عنهما في الراء النصب والخفض في الحرفين .

قال الطبري : «فإن قال قائل أليس الضلال من صفة اليهود ، كما أن النصارى عليهم غضب فلم خص كل فريق بذكر شيء مفرد ؟ قيل : هم كذلك ولكن وسم الله لعباده كل فريق بما قد تكررت العبارة عنه به وفهم به أمره » .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق : وهذا غير شاف ، والقول في ذلك أن أفاعيل اليهود من اعتدائهم ، وتعنتهم ، وكفرهم مع رؤيتهم الآيات ، وقتلهم الأنبياء أمور توجب الغضب في عرفنا ، فسمى تعالى ما أحل بهم غضباً ، والنصارى لم يقع لهم شيء من ذلك ، إنما ضلوا من أول كفرهم دون أن يقع منهم ما يوجب غضباً خاصاً بأفاعيلهم ، بل هو الذي يعم كل كافر وإن اجتهد ، فلهذا تقررت العبارة عن الطائفتين بما ذكر ، وليس في العبارة ب { الضالين } تعلق( {[125]} ) للقدرية في أنهم أضلوا أنفسهم لأن هذا إنما هو كقولهم تهدم الجدار وتحركت الشجرة والهادم والمحرك غيرهما ، وكذلك النصارى خلق الله الضلال فيهم وضلوا هم بتكسبهم .

وقرأ أيوب السختياني( {[126]} ) : «الضألين » بهمزة غير ممدودة كأنه فر من التقاء الساكنين ، وهي لغة .

حكى أبو زيد( {[127]} ) قال : سمعت عمرو بن عبيد يقرأ : «فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جأن » فظننته قد لحن حتى سمعت من العرب دأبة وشأبة .

قال أبو الفتح : وعلى هذه اللغة قول كُثَيِّر [ الطويل ] .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إذا ما العوالي بالعبيط احْمَأَرَّتِ( {[128]} )

وقول الآخر( {[129]} ) : [ الطويل ] .

وللأرض أما سودُها فتجللَتْ . . . بياضاً وأمّا بيضُها فادْهأَمَّتِ

وأجمع الناسُ على أنَّ عدد آي سورة الحمد سبعُ آيات : { العالمين } آية ، { الرحيم } آية ، { الدين } آية ، { نستعين } آية ، { المستقيم } آية ، { أنعمت عليهم } آية ، { ولا الضالين } آية ، وقد ذكرنا في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم ما ورد من خلاف ضعيف في ذلك .

ختام السورة:

القول في آمين

روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا قال الإمام : { ولا الضالين } [ الفاتحة : 7 ] فقولوا آمين . فإن الملائكة في السماء تقول آمين ، فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه( {[1]} ) .

وروي أن جبريل عليه السلام لما علم النبي عليه السلام فاتحة الكتاب وقت نزولها فقرأها قال له : «قل آمين »( {[2]} ) .

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «آمين خاتم رب العالمين ، يختم بها دعاء عبده المؤمن »( {[3]} ) .

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو فقال : «أوجب إن ختم . فقال له رجل بأي شيء يختم يا رسول الله ؟ قال : «بآمين »( {[4]} ) .

ومعنى » آمين «عند أكثر أهل العلم : اللهم استجب ، أو أجب يا رب ، ونحو هذا . قاله الحسن بن أبي الحسن وغيره ، ونص عليه أحمد بن يحيى ثعلب وغيره .

وقال قوم : » هو اسم من أسماء الله تعالى « ، روي ذلك عن جعفر بن محمد( {[5]} ) ومجاهد وهلال بن يساف( {[6]} ) ، وقد روي أن » آمين «اسم خاتم يطبع به كتب أهل الجنة التي تؤخذ بالإيمان( {[7]} ) .

قال القاضي أبو محمد : فمقتضى هذه الآثار أن كلّ داعٍ ينبغي له في آخر دعائه أن يقول : «آمين » وكذلك كل قارىء للحمد في غير صلاة ، لكن ليس بجهر الترتيل( {[8]} ) . وأما في الصلاة فقال بعض العلماء : «يقولها كل مصلّ من إمام وفذ( {[9]} ) ومأموم قرأها أو سمعها » .

وقال مالك في المدونة : «لا يقول الإمام » آمين «ولكن يقولها من خلفه ويخفون ، ويقولها الفذ » .

وقد روي عن مالك رضي الله عنه : أن الإمام يقولها أسرّ أم جَهَرَ .

وروي عنه : «الإمام لا يؤمن في الجهر » .

وقال ابن حبيب : «يؤمن » .

وقال ابن بكير : «هو مخير » .

قال القاضي أبو محمد عبدالحق رضي الله عنه : فهذا الخلاف إنما هو في الإمام ، ولم يختلف في الفذ ولا في المأموم إلا ابن نافع . قال في كتاب ابن حارث : «لا يقولها المأموم إلا إن سمع الإمام يقول { ولا الضالين } [ الفاتحة : 7 ] ، وإذا كان ببعد لا يسمعه فلا يقل » .

وقال ابن عبدوس : «يتحرى قدر القراءة ويقول آمين » . وهي لفظة مبنية على الفتح لالتقاء الساكنين ، وكأن الفتح مع الياء أخف من سائر الحركات ، ومن العرب من يقول «آمين » فيمده ، ومنه قول الشاعر( {[10]} ) : [ البسيط ]

آمين آمين لا أرضى بواحدة . . . حتى أبلغها ألفين آمينا

ومن العرب من يقول «أمين » بالقصر ، ومنه قول الشاعر : [ جبير بن الأضبط ] .

تباعد مني فَطْحَلٌ إذْ رأيتُه . . . أمين فزاد الله ما بيننا بعدا( {[11]} )

واختلف الناس في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : «فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة » فقيل في الإجابة ، وقيل في خلوص النية ، وقيل : في الوقت( {[12]} ) ، والذي يترجح أن المعنى فمن وافق في الوقت مع خلوص النية ، والإقبال على الرغبة إلى الله تعالى بقلب سليم ، والإجابة تتبع حينئذ ، لأنّ من هذه حاله فهو على الصراطِ المستقيم .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
[5]:- من الآية رقم (7) من سورة آل عمران.
[6]:- رواه الترمذي وصححه، والإمام أحمد ولفظه: (الحمد لله أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني)، وهذا الحديث يرد على القولين معا.
[7]:- رواه الإمام أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، ونص الترمذي: (والذي نفسي بيده ما أنزلت في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في القرآن مثلها. وإنها السبع من المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيته)، وقد يكون هذا الحديث سندا لما اعتاده الناس من قراءة الفاتحة، وقد أخرج أبو الشيخ في الثواب عن عطاء قال: إذا أردت حاجة فاقرأ فاتحة الكتاب حتى تختمها تقض إن شاء الله، نقله الجلال السيوطي. وللغزالي في الانتصار ما نصه: فاستنزل ما عند ربك وخالقك من خير، واستجلب ما تؤمله من هداية وبر، بقراءة السبع المثاني المأمور بقراءتها في كل صلاة، وتكرارها في كل ركعة، وأخبر الصادق المصدوق أن ليس في التوراة ولا في الإنجيل والفرقان مثلها، قال الشيخ زروق: وفيه تنبيه بل تصريح أن يكثر منها لما فيها من الفوائد والذخائر. انتهى.
[8]:- رواه عبد الله بن حميد في مسنده، والفريابي في تفسيره عن ابن عباس بسند ضعيف.
[9]:- من الناس من يذهب إلى أن هذا من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، ومنهم الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، قال ابن عبد البر: السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام وأسلم. وحديث : (قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) رواه الإمام مالك في الموطأ، والبخاري، والترمذي، وروى الترمذي عن أنس وابن عباس قالا: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (إذا زلزلت تعدل نصف القرآن، وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن). ومن الناس من يؤول ذلك باعتبار المعاني التي تشتمل عليها، وقد أشار المؤلف رحمه الله إلى هذين القولين، ويشير بذلك إلى أنه لا تفاضل بين كلام الله لأنه صفة ذاتية، وإنما التفاضل في المعاني باعتبار الأجر والثواب. والله أعلم.
[10]:- رواه الإمام أحمد، والحاكم، عن أبي سعيد، وأبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله اصطفى من الكلام أربعا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. فمن قال: سبحان الله كتبت له عشرون حسنة، وحطت عنه عشرون سيئة، ومن قال: الله أكبر مثل ذلك. ومن قال: لا إله إلا الله مثل ذلك، ومن قال: الحمد لله رب العالمين كتبت له ثلاثون حسنة) ومن تمام الحديث كما في الجامع الصغير: (وحط عنه ثلاثون خطيئة).
[11]:- في بعض النسخ (رفْع) بالراء.
[12]:- رواه أصحاب الكتب الستة، وفيه زيادة: (وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)، والحاكم أيضا حديث الترمذي: (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) فجنس الذكر أفضل من جنس الدعاء.
[97]:- هم بنو هذيل، فيقولون في الرفع: (اللذوون)، وفي النصب والجر: (الذين): ومنه قول بعضهم: نحن اللذون صبحوا الصباحا يوم النخيل غارة ملحاحا
[98]:- الآيات (66-67-68-69) من سورة (النساء).
[99]:- من الآية 40 من سورة البقرة.
[100]:- يعني أن الطبري رحمه الله حكى عن أبي العالية: أن الصراط المستقيم هو محمد صلى الله عليه وسلم، وصاحباه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وأن مكي بن أبي طالب حكى عن أبي العالية أيضا أن المنعم عليهم محمد صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبي بكر وعمر، وعلى ما حكاه مكي يبطل القول الأول الذي رواه عن فرقة المفسرين، ويكون الصراط المستقيم هو طريق محمد عليه الصلاة والسلام، وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، وكون الصراط المستقيم يراد منه طريق محمد عليه السلام وصاحبيه أقوى في المعنى، لأن تسمية أشخاصهم طريقا تجوز وإذا فالصراط المستقيم هو طريقهم لا أشخاصهم.
[101]:- من الآية 6 من سورة البقرة.
[102]:- من الآية 112 من سورة آل عمران.
[103]:- من الآية 23 من سورة القصص.
[104]:- أسقط وطرح.
[105]:- عثمان بن جني أبو الفتح من أحذق أهل الأدب، وأعلمهم بالنحو والتصريف، له عدة تآليف منها: "الخصائص" و"سر الصناعة"، توفي سنة 392هـ.
[106]:- خمسة مع ضم الهاء، وخمسة مع كسر الهاء، فخمسة ضم الهاء: عليهمْ بسكون الميم عليهُمُ بضم الميم، عليهُمُو بإشباع الميم المضمومة، عليهُم بكسر الميم، عليهُمي بإشباع الميم المكسورة وخمسة كسر الهاء: عليهِمْ بسكون الميم، عليهِمُ بضم الميم، عليهِمُو بإشباع الميم المضمومة، عليهِمِ بكسر الميم، عليهمِي بإشباع الميم المكسورة، إلا أن ستة من هذه الحروف العشرة منقولة عن أئمة القراء. وهي: عليهِم بكسر فسكون، وعليهُمْ بضم فسكون، وعليهِمُو بكسر الهاء والإشباع، وعليهُمُو بضم الهاء والإشباع، وعليهُمُ بضم الهاء والميم من دون إشباع، وعليهِمِي بكسر الهاء والإشباع، والباقي منقول عن العرب، وليس مأثورا عن القراء.
[107]:- عبارة أبي (ح): "والجر في "غير" قراءة الجمهور، وروى الخليل عن ابن كثير النصب، وهي قراءة عرم، وابن مسعود، وعلي، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم". انتهى. وبه تعلم أن ابن كثير قرأ بالجر، ورُوي عنه النصب عكس ما قاله المؤلف رحمة الله.
[108]:- على قراءة الخفض تكون بدلا أو صفة- وعلى قراءة النصب تكون حالا أو استثناء أو مفعولا.
[109]:- أي قصد اهتمام، والاهتمام إنما يكون في الشيء المعين، والحاصل أن من نظر إلى تنكير (غير من دون تفصيل جعل (الذين) اسما عاما لتكون (غير) وصفا لها. ومن نظر إلى أن (غير) هنا معرفة بمقتضى التفصيل الذي بينه أبو بكر بن السراج رحمه الله أبقى (الذين) على تعريفه، وما حققه ابن السراج هو الصواب الذي لا محيد عنه إن شاء الله، والله أعلم.
[110]:- تقدم أنه قراءة ابن كثير وأن النصب روي عنه.
[111]:- هو محمد بن السري البغدادي النحوي، كان من أصحاب المبرد، وفيه ذكاء وفطنة، وقرأ عليه كتاب سيبويه، وبلغ الغاية في النحو، أخذ عنه أبو القاسم الزجاجي، والسيرافي، والفارسي، ولم تطل مدته فمات شابا سنة 316هـ.
[112]:- رواه الترمذي في جامعه، وأبو داود الطيالسي في مسنده، ويشهد لهذا التفسير آيات في كتاب الله تعالى تعبر بالضلال في حق النصارى، وبالغضب في حق اليهود.
[113]:- من الآية (61) من سورة البقرة.
[114]:- من الآية 60 من سورة المائدة.
[115]:- من الآية65 من سورة البقرة.
[116]:- فالغضب صفة فعل، ويجوز أن يكون صفة ذات بمعنى إرادة ذلك.
[117]:- من الآية 77 من سورة المائدة.
[118]:- عن غيره، وليس ذلك من بنات فكره.
[119]:- تمامه... لما رأين الشمط القفندرا. وقائله أبو النجم العجلي، والقفندر القبيح الفاحش. قاله أبو عبيدة، وفي مجالس ثعلب، والشيب في القفا.
[120]:- عبد الله بن محمد بن عاصم بن ثابت، ولقب بالأحوص لحَوَصٍ كان في عينه، وكان جده عاصم بن ثابت الأنصاري يقال له حمي الدَّبْر، وذلك أن المشركين لما قتلوه أرادوا أن يمثلوا به فحماه الله تعالى بالدَّبر فارتدعوا عنه حتى أخذه المسلمون فدفنوه، وكان رضي الله عنه قد عاهد الله تعالى ألا يمس مشركا، ولا يمسه مشرك، فحماه الله تعالى منهم بعد وفاته. والدَّبْرُ: جماعة النحل، وقبل البيت: ألا يا لقومي قد أشطت عواذ لي ويزعمن أن أودى بحقي باطلي
[121]:- أي نافية، لا زائدة.
[122]:- من الآية 12 من سورة الأعراف.
[123]:- الجحد: النفي، وكل ما سبق من الشواهد يتحقق فيه النفي إلا بيت الأحوص، فلذلك ناقشه المؤلف رحمه الله.و محصل الكلام في (لا) أنها زائدة كما قاله الطبري، وقيل: إنها مؤكدة لئلا يتوهم أن (الضالين) معطوف على (الذين)ن كما قاله مكي بن أبي طالب، وقيل: إنها بمعنى غير وهي قراءة عمر، وأبي رضي الله عنهما.
[124]:- هو جرير بن عطية يهجو الأخطل وتغلب، وقبل البيت: تغلب إن عدت مكارمهم نجم يضيء، ولا شمس ولا قمر
[125]:- القدرية والمعتزلة يعتقدون أن قدرة الإنسان كافية في صدور الأفعال طاعة أو معصية، فهو غير محتاج في صدورها عنه إلى ربه، ولذلك اشتهر عنهم أن العبد يخلق أفعاله، واعلم أن أشكل ما في علم الكلام ثلاث مسائل: مسألة كلام الله، ومسألة القدرة الاكتسابية. ومسألة الرؤية، فعليك باعتقاد الحق وترك الباطل.
[126]:- هو ابن تميمة السختياني، أبو بكر البصري أحد الأئمة الأعلام، وكان يقول: من أحب أبا بكر فقد أقام الدين. ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل. ومن أحب عثمان فقد استغنى بنور الله، ومن أحب عليا فقد أخذ بالعروة الوثقى. ومن أحب الثناء على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق، ومن انتقص أحدا منهم فهو مبتدع مخالف للسنة والسلف الصالح، وأخاف ألا يصعد له عمل إلى السماء، توفي سنة 131هـ.
[127]:- هو سعيد بن أوس بن ثابث بن النعمان بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري، كان إماما في النحو واللغة والأدب، روى عن أبي عمرو بن العلاء، و عمرو بن عبيد، وأبي عبيد القاسم ابن سلام، وكان الأصمعي يحضر حلقته، ويقبل رأسه، وله عدة تآليف أشهرها "النوادر"، توفي بالبصرة سنة 215هـ، وإذا أطلق (أبو زيد) في هذا التفسير فهو الأنصاري.
[128]:- هكذا يوجد في جميع النسخ، والذي في ديوان (كثير) المطبوع: وأنت ابن ليلى خير فومك مشهدا إذا ما احمأرَّت بالعبيط العوامل من جملة القصيدة يمدح بها عبد العزيز بن مروان، فانظر ذلك. وعوالي الرماح أسنتها. وعوامل الرماح صدورها. وكُثَيِّر هو ابن عبد الرحمن الخزاعي، صاحب عزة المتوفي سنة 105هـ.
[129]:- هذا البيت من جملة قصيدة في رثاء عبد العزيز بن مروان.