الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ} (7)

{ صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } بدل من الصراط المستقيم ، وهو في حكم تكرير العامل ، كأنه قيل : اهدنا الصراط المستقيم ، اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم ، كما قال : { الذين استضعفوا لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ } [ الأعراف : 75 ] ، فإن قلت : ما فائدة البدل ؟ وهلا قيل : اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم ؟ قلت : فائدته التوكيد لما فيه من التثنية والتكرير ، والإشعار بأنّ الطريق المستقيم بيانه وتفسيره : صراط المسلمين ؛ ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده ، كما تقول : هل أدلك على أكرم الناس وأفضلهم ؟ فلان ؛ فيكون ذلك أبلغ في وصفه بالكرم والفضل من قولك : هل أدلك على فلان الأكرم الأفضل ، لأنك ثنيت ذكره مجملاً أوّلاً ، ومفصلاً ثانياً ، وأوقعت فلاناً تفسيراً وإيضاحاً للأكرم الأفضل فجعلته علماً في الكرم والفضل ، فكأنك قلت : من أراد رجلاً جامعاً للخصلتين فعليه بفلان ، فهو المشخص المعين لاجتماعهما فيه غير مدافع ولا منازع . والذين أنعمت عليهم : هم المؤمنون ، وأطلق الإنعام ليشمل كل إنعام ؛ لأنّ من أُنعم عليه بنعمة الإسلام لم تبق نعمة إلا أصابته واشتملت عليه . وعن ابن عباس : هم أصحاب موسى قبل أن يغيروا ، وقيل هم الأنبياء . وقرأ ابن مسعود : «صراط من أنعمت عليهم » .

{ غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ } بدل من الذين أنعمت عليهم ، على معنى أنّ المنعم عليهم : هم الذين سلموا من غضب الله والضلال ، أو صفة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة وهي نعمة الإيمان ، وبين السلامة من غضب الله والضلال . فإن قلت : كيف صح أن يقع { غَيْرِ } صفة للمعرفة وهو لا يتعرّف وإن أضيف إلى المعارف ؟ قلت : { الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } لا توقيت فيه كقوله :

وَلَقَدْ أَمُرُّ على اللَّئِيمِ يَسُبُّني***

ولأنّ المغضوب عليهم والضالين خلاف المنعم عليهم ، فليس في غير إذاً الإبهام الذي يأبى عليه أن يتعرّف ، وقرىء بالنصب على الحال ؛ وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب ، ورويت عن ابن كثير ، وذو الحال الضمير في عليهم ، والعامل أنعمت ، وقيل المغضوب عليهم : هم اليهود ؛ لقوله عز وجل : { مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ } [ المائدة : 60 ] . والضالون : هم النصارى ؛ لقوله تعالى : { قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ } [ المائدة : 77 ] ، فإن قلت ما معنى غضب الله ؟ قلت : هو إرادة الانتقام من العصاة ، وإنزال العقوبة بهم ، وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده نعوذ بالله من غضبه ، ونسأله رضاه ورحمته . فإن قلت : أي فرق بين { عَلَيْهِمْ } الأولى و { عَلَيْهِمْ } الثانية ؟ قلت : الأولى محلها النصب على المفعولية ، والثانية محلها الرفع على الفاعلية . فإن قلت : لم دخلت «لا » في { وَلاَ الضالين } ؟ قلت : لما في غير من معنى النفي ، كأنه قيل : لا المغضوب عليهم ولا الضالين . وتقول : أنا زيداً غير ضارب ، مع امتناع قولك أنا زيداً مثل ضارب ، لأنه بمنزلة قولك : أنا زيداً لا ضارب . وعن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما قرآ : وغير الضالين . وقرأ أيوب السختياني : «ولا الضألين » بالهمزة ، كما قرأ عمرو بن عبيد : «ولا جأن » وهذه لغة من جد في الهرب من التقاء الساكنين . ومنها ما حكاه أبو زيد من قولهم : شأبة ، ودأبة .

ختام السورة:

آمين : صوت سمي به الفعل الذي هو استجب ، كما أنّ «رويد ، وحيهل ، وهلم » أصوات سميت بها الأفعال التي هي «أمهل ، وأسرع ، وأقبل » . وعن ابن عباس :

سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى آمين فقال : «افعل » وفيه لغتان : مدّ ألفه ، وقصرها . قال :

وَيَرْحَمُ اللَّهُ عَبْداً قالَ آمِينَا***

وقال :

أَمِينَ فَزَادَ اللَّهُ ما بَيْنَنَا بُعْدَاً***

وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " لقنني جبريل عليه السلام آمين عند فراغي من قراءة فاتحة الكتاب " وقال : " إنه كالختم على الكتاب " وليس من القرآن بدليل أنه لم يثبت في المصاحف . وعن الحسن : لا يقولها الإمام لأنه الداعي . وعن أبي حنيفة رحمه الله مثله ، والمشهور عنه وعن أصحابه أنه يخفيها . وروى الإخفاء عبد الله بن مغفل وأنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعند الشافعي يجهر بها . وعن وائل بن حجرأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ : ولا الضالين ، قال آمين ورفع بها صوته . وعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لأبيّ بن كعب : " ألا أخبرك بسورة لم ينزل في التوراة والإنجيل والقرآن مثلها ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : «فاتحة الكتاب إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته " وعن حذيفة بن اليمان أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنّ القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتماً مقضياً فيقرأ صبيّ من صبيانهم في الكتاب { الْحَمْدُ للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } فيسمعه الله تعالى فيرفع عنهم بذلك العذاب أربعين سنة " .