( عَلَيْهُم ) و ( عَلَيْهِم ) وهما لغتان ؛ لكل لغة مذهبٌ في العربية .
فأما من رفع الهاء فإنه يقول : أصلها رفعٌ في نصبها وخفضها ورفعها ؛ فأما الرفع فقولهم : " هُم قالوا ذاك " ، في الابتداء ؛ ألا ترى أنها مرفوعة لا يجوز فتحها ولا كسرها ؛ والنصب في قولك : " ضَرَبَهُم " مرفوعة لا يجوز فتحها ولا كسرها ؛ فتركت في " عليهمُ " على جهتها الأولى .
وأما من قال : " عليهِم " فإنه استثقل الضمّة في الهاء وقبلها ياء ساكنة ، فقال : " عليهِم " لكثرة دَور المكنىّ في الكلام . وكذلك يفعلون بها إذا اتصلت بحرف مكسور مثل " بِهِم " و " بِهُم " ، يجوز فيه الوجهان مع الكسرة والياء الساكنة . ولا تبال أن تكون الياء مفتوحا ما قبلها أو مكسورا ؛ فإذا انفتح ما قبل الياء فصارت ألفاً في اللفظ لم يُجْز في " هم " إلا الرفع ؛ مثل قوله تبارك وتعالى : { وَرُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِِّ } ولا يجوز : " مَوْلاهِم الحقِّ " ، وقوله { فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } لا يجوز " فبِهُداهِم اقْتَدهْ " .
ومثله مما قالوا فيه بالوجهين إذا وليته ياء ساكنة أو كسرة ، قوله : { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ } و{ حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً } يجوز رفع الألف من " أمّ " و " أمها " وكسرها في الحرفين جميعا لمكان الياء . والكسرة مثل قوله تبارك وتعالى : { فَلأُمِّهِ السُّدُسُ } ، وقول من رَوَى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " أُوصي امرأً بِأمّه " . فمن رفع قال : الرفع هو الأصل في الأمّ والأمّهات . ومن كسر قال : هي كثيرة المجرى في الكلام ؛ فاستثقل ضمةً قبلها ياء ساكنة أو كسرة . وإنما يجوز كسر ألف " أمّ " إذا وليها كسرة أو ياء ؛ فإذا انفتح ما قبلها فقلت : فلان عند أمّه ، لم يجز أن تقول : عند إمّه ، وكذلك إِذا كان ما قبلها حرفا مضموما لم يجز كسرها ؛ فتقول : اتّبعتُ أمّه ، ولا يجوز الكسر .
وكذلك إذا كان ما قبلها حرفا مجزوما لم يكن في الأمّ إلا ضم الألف ؛ كقولك : من أُمّه ، وعن أُمّه . ألا ترى أنك تقول : عنهُم ومِنهُم ( واضربهُم ) . ولا تقول : عنهِم ولا مِنهِم ، ولا اضِربهِم . فكل موضع حَسُن فيه كسر الهاء مثل قولهم : فيهم وأشباهها ، جاز فيه كسر الألف من " أمّ " وهي قياسها . ولا يجوز أن تقول : كتب إلى إِمّه ولا على إِمّه ؛ لأن الذي قبلها ألف في اللفظ وإنما هي ياء في الكتاب : " إلى " و " على " . وكذلك : قد طالت يدا أُمه بالخير . ولا يجوز أن تقول : يدا إِمّه . فإن قلت : جلس بين يَدي أَمِّه ؛ جاز كسرها وضمها لأن الذي قبلها ياء . ومن ذلك أن تقول : هم ضاربو أُمّهاتهم ؛ برفع الألف لا يكون غيره . وتقول : ما هم بضاربي أُمّهاتهم وإِمّهاتهم ؛ يجوز الوجهان جميعا لمكان الياء . ولا تُبال أن يكون ما قبل ألف " أمّ " موصولا بها أو منقطعا منها ؛ والوجهان يجوزان فيه ؛ تقول : هذهِ أمّ زيد وإِمُّ زيد . وإذا ابتدأتها لم تكن إلا مرفوعة ، كم كانت " هُم " لا تكون إلا مرفوعة في الابتداء ، فأما " هم " فلا تكسر إلا مع حرف يتصل بها لا يفرق بينه وبينها مثل " بِهِم " .
وقوله تعالى : { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم . . . }
بخفض " غيرِ " لأنها نعت للذين ، لا للهاء والميم من " عليهم " . وإنما جاز أن تكون " غير " نعتاً لمعرفة ؛ لأنها قد أضيفت إلى اسم فيه ألف ولام ، وليس بمصمودٍ له ولا الأوّل أيضا بمصمود له ، وهي في الكلام بمنزلة قولك : لا أمرّ إلا بالصادق غيرِ الكاذب ؛ كأنك تريد بمن يصدق ولا يكذب . ولا يجوز أن تقول : مررت بعبد الله غيرِ الظريفِ إلا على التكرير ؛ لأن عبد الله مُوَقّت ، و " غير " في مذهبِ نكرةٍ غير موقتة ، ولا تكون نعتا إلا لمعرفة غير موقتة . والنصب جائز في " غير " تجعله قطعا من " عليهم " . وقد يجوز أن تجعل " الذين " قبلها في موضع توقيت ، وتخفض " غيرِ " على التكرير : " صراط غيرِ المغضوب عليهم " .
وأما قوله تعالى : { وَلاَ الضَّالِّينَ . . . }
فإن معنى " غير " معنى " لا " فلذلك رُدّت عليها " ولا " . هذا كما تقول : فلان غير محسن ولا مُجْمِل ؛ فإِذا كانت " غير " بمعنى سوى لم يجز أن تُكَرَّ عليها " لا " ؛ ألا ترى أنه لا يجوز : عندي سوى عبد الله ولا زيد .
وقد قال بعض من لا يعرف العربية : إن معنى " غير " في " الحمد " معنى " سوى " ، وإن " لا " صلة في الكلام ، واحتجَّ بقول الشاعر :
*** في بئرِ لا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ ***
وهذا [ غير ] جائز ؛ لأن المعنى وقع على ما لا يتبين فيه عمله ، فهو جَحْد محض . وإنما يجوز أن تجعل " لا " صلة إذا اتصلت بَجحْد قبلها ؛ مثل قوله :
ما كان يرضى رسولُ اللهِ دينَهم *** والطيِّبان أبو بكر ولا عمرُ
فجعل " لا " صلة لمكان الجحد الذي في أوّل الكلام ؛ هذا التفسير أوضح ؛ أراد في بئر لا حور ، " لا " الصحيحة في الجحد ؛ لأنه أراد في : بئر ماء لا يُحير عليه شيئاً ؛ كأنك قلت : إلى غير رشد توجه وما درى . والعرب تقول : طحنت الطاحنةُ فما أحارت شيئا ؛ أي لم يتبين لها أثر عمل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.