{ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ( 7 ) }
وهذا الدعاء إِنما أمر به المؤمنون ، وعندهم المعتقدات ، وعند كل واحد بعض الأعمال ، فمعنى قوله : { اهدنا } فيما هو حاصل عندهم التثبيتُ ، والدوام ، وفيما ليس بحاصل ، إِما من جهة الجهل به أو التقصير في المحافظة عليه ، طلب الإِرشاد إِليه ، فكلُّ داع به إنما يريد الصراط بكماله في أقواله ، وأفعاله ، ومعتقداته . واختلف في المشار إِليهم بأنه سبحانه أنعم عليهم ، وقول ابن عبَّاس ، وجمهور من المفسِّرين ، أنه أراد صراط النبيِّين والصدِّيقين والشهداء والصالِحِين ، وانتزعوا ذلك من قوله تعالى :
{ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } الآية [ النساء : 66 ] إلى قوله : { رَفِيقاً } [ النساء :69 ] .
وقوله تعالى : { غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ وَلاَ الضالين }[ الفاتحة :7 ] .
اعلم أنَّ حكم كل مضافٍ إلى معرفة أنْ يكون معرفة ، وإنما تنكَّرت «غَيْرٌ » و «مِثْلٌ » مع إضافتهما إلى المعارف ، من أجل معناهما ، وذلك إِذا قلْتَ : رأيتُ غَيْرَكَ ، فكلُّ شيء سوى المخاطَبِ فهو غيره . وكذلك إِنْ قُلْتَ رأيْتُ مثْلَكَ ، فما هو مثله لا يحصى لكثرة وجوه المماثلة .
و{ المغضوب عَلَيْهِمْ } [ الفاتحة :7 ] ، اليهودُ ، والضالُّون : النصارى . قاله ابن مسعود ، وابن عَبَّاس ، ومجاهد ، والسُّدِّيُّ ، وابن زيد .
وروى ذلك عديُّ بن حاتم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وذلك بيِّن من كتاب اللَّه ، لأنَّ ذِكْرَ غضَبِ اللَّه على اليهود متكرِّر فيه ، كقوله : { وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِّنَ الله } [ البقرة :61 ] { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّنْ ذلك مَثُوبَةً عِنْدَ الله . . . } الآية [ المائدة : 60 ] وغضب اللَّه تعالى عبارة عن إظهاره عليهم محناً وعقوباتٍ وذِلَّةً ، ونحو ذلك ممَّا يدلُّ على أنه قد أبعدهم عن رحمته بُعْداً مؤكَّداً مبالغاً فيه ، والنصارى كان محقِّقوهم على شِرْعَةٍ قبل ورود شرعِ محمَّد صلى الله عليه وسلم ، فلما ورد ضلُّوا ، وأما غير متحقِّقيهم فضلالتهم متقرِّرة منذ تفرَّقت أقوالهم في عيسى عليه السلام . وقد قال اللَّه تعالى فيهم : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَنْ سَوَاءِ السبيل } [ المائدة : 77 ] .
وأجمع الناسُ على أنَّ عدد آي سورة الحمد سبْعُ آيات : العالمين آية ، الرحيم آية ، الدين آية ، نستعين آية ، المستقيم آية ، أنعمت عليهم آية ، ولا الضالين آية . وقد ذكرنا عند تفسير { بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم } أن ما ورد من خلاف في ذلك ضعيفٌ .
روى أبو هريرة وغيره عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِذَا قَالَ الإِمَامُ : { وَلاَ الضالين } ؛ فَقُولُوا «آمِينَ » ، فَإنَّ المَلاَئِكَةَ فِي السَّماءِ تَقُولُ : «آميِنَ » ، فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " .
( ت ) : وخرج مسلم ، وأبو داود ، والنسائيُّ ، من طريق أبي موسى رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " إِذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ، ثُمَّ ليُؤمَّكُمْ أَحَدُكُمْ ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَإِذَا قَالَ : { غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ وَلاَ الضالين } فَقُولُوا : «آمِينَ » ، يُجِبْكُمُ اللَّهُ " الحديثَ . انتهى .
ومعنى «آمِينَ » ؛ عند أكثر أهل العلم : اللَّهُمَّ استجب ، أو أجبْ يَا رَبِّ .
ومقتضى الآثار أنَّ كل داع ينبغي له في آخر دعائه أنْ يقول : «آمِينَ » ، وكذلك كل قارئ للحمدِ في غير صلاة . وأما في الصلاة فيقولها المأموم والفَذُّ . وفي الإمام في الجهر اختلاف .
واختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلاَئِكَةِ " ، فقيل : في الإجابة ، وقيل : في خلوص النية ، وقيل : في الوقت . والذي يترجَّح أنَّ المعنى : فمن وافق في الوقْتِ مع خلوصِ النيةِ والإِقبالِ على الرغبة إِلى اللَّه بقلْبٍ سليمٍ ، والإِجابة تتبع حينئذ ، لأِنَّ من هذه حاله فهو على الصراط المستقيم .
وفي «صحيح مُسْلِمٍ » وغيره عن أبي هريرة قال : سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي ، وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ ، فَنِصْفُهَا لِي ، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ العَبْدُ : الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، قَالَ اللَّهُ : حَمِدَنِي عَبْدِي ، فَإِذَا قَالَ : الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ اللَّهُ : أثنى عَلَيَّ عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي ، فَإذَا قَالَ : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، قَالَ : هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ : اهدنا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ، قَالَ : هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " انتهى ، وعند مالك : «فَهَؤُلاَءِ لِعَبْدِي » .
وأسند أبو بكر بن الخَطِيبِ عن نافعٍ عن ابن عُمَرَ قال : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ ، فَقِرَاءَةُ الإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ " انتهى من «تَارِيخِ بَغْدَاد » . ولم يذكر في سنده مَطْعَناً .
وقال ابن العربيِّ في «أحكامه » : والصحيحُ عندي وجوبُ قراءتها على المأمومِ فيما أسر فيه ، وتحريمها فيما جهر فيه ، إذا سمع الإِمام ، لِمَا عليه من وجوب الإِنصاتِ والاِستماعِ ، فإِنْ بَعُدَ عن الإِمام ، فهو بمنزلة صلاة السرِّ . انتهى .
نجز تفسير سورة الحَمْدِ ، والحَمْدُ للَّه بجميع محامده كلِّها ؛ ما علمْتُ منها ، وما لم أَعْلَمْ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.