تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ} (7)

{ صراط الذين أنعمت عليهم }

أي طريق من أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، الذين أطاعوك وعبدوك .

أو هو طريق السعداء المهتدين الواصلين . قال تعالى : { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا( 66 ) وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيم( 67 ) ولهديناهم صراطا مستقيما( 68 ) ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا( 69 ) ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما( 70 ) } ( النساء : 66-70 ) .

غير المغضوب عليهم : وهو الكافرون أو كل من غضب الله عليه ، بالسلب بعد العطاء أو النكوص بعد الاهتداء .

ولا الضالين : وهم المنافقون الحائرون المترددون بين إيمانهم وكفرهم الباطن ، أو هم كل من ضل عن الحق .

طوائف الناس أمام الحق :

تعددت أقوال المفسرين في بيان معنى المنعم عليهم والمغضوب عليهم والضالين والذي نراه :

أن المنعم عليهم : هم المؤمنون الصادقون .

والمغضوب عليهم : هم الكافرون الجاحدون .

والضالين : هم المنافقون الخائنون .

ودليل ذلك ما ورد في سورة البقرة حيث ذكرت السورة أن الناس أمام الحق ثلاثة أقسام :

المؤمنون : وقد تحدثت عنهم في أربع آيات( الآيات : 2-5 ) أولها :

{ آلم( 1 ) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين( 2 ) الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون } . ( البقرة : 1-3 ) .

والكافرون : وقد تحدثت عنهم في آيتين( آية6-7 ) من قوله تعالى : { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } .

والمنافقون : وقد تحدثت عنهم السورة في ثلاثة عشر آية ( الآيات8-20 ) تبدأ من قوله تعالى : { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين } .

ختام السورة:

*** في أعقاب السورة

جمع الله معاني القرآن في سورة الفاتحة ، فقد اشتملت على تعظيمكم الله وحمده والثناء عليه ، وهذا هو أصل العقيدة - الأيمان بالله والاعتقاد أن الله يتصف إجمالا بكل كمال وينزه إجمالا عن كل نقص .

ففي النصف الأول من الفاتحة ثناء على الله بما هو أهله .

وفي النصف الثاني دعاء بالتوفيق والاستقامة على الصراط المستقيم .

فكأن الفاتحة قسمان قسم يتوجه العبد فيه إلى بالثناء على الله ، وقسم يدعو فيه ربه ويطلب لنفسه الصلاح والهدى ، وقد ورد في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل . . إذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين . قال الله : حمدني عبدي ، وإذا قال : الرحمن الرحيم . قال الله أثنى علي عبدي فإذا قال : مالك يوم الدين . قال الله مجدني عبدي . وإذا قال : إياك بعبد وإياك نستعين . قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل . فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم( 6 ) صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين . قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل .

ولعل هذا الحديث الصحيح يوضح سر اختيار هذه السورة المباركة ليقرأها المؤمن سبع عشرة مرة في كل يوم وليلة ، أو ما شاء الله أن يرددها كلما قام يدعوه في الصلاة .

فكأنها في الإسلام «مجمع أشعة » تنير بضوئها كل شيء وتبسط نورها في قلب المؤمن فيزداد يقينا وإيمانا . وهي نشيد إلهي يردده المؤمن معترفا لله بالفضل ، شاكرا له جميل نعمه مستهديا إياه إلى الصراط المستقيم .

والنصف الأول من السورة يتعلق بالعقيدة والفكرة ، والنصف الثاني يتعلق بالسلوك والعمل .

والمتتبع لأهداف القرآن الكريم ، الواقف على مقاصده ومعارفه يرى أنه جاء تفصيلا لما أجملته هذه السورة وحددته من صلاح العقيدة ، واستقامة السلوك .

قال تعالى : { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا }( الإسراء : 9 ) .

وقال صلى الله عليه وسلم : «ليس الإيمان بالتمني ، ولكم ما وقر في القلب وصدقه العمل »( 6 ) .

وفي صحيح البخاري أن سورة الفاتحة رقية من الدواء وشفاء من الأمراض ، فكأنها شفاء حسي ومعنوي ، قال تعالى : وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ( الاسراء : 82 ) .

*** من الأدلة على وجود الله

*** في أعقاب سورة الفاتحة

سئل الإمام الشافعي : بم عرفت الله ؟ . قال : بالنحلة نصفها يلسع ونصفها يعسل .

وسئلت رابعة : بم عرفت الله ؟ قالت : عرفت ربي بربي ولولا ربي ما عرفت ربي .

وسئل الحلاج : بم عرفت الله ؟ قال : بجمعه بين الضدين ، فهو أول وآخر وظاهر وباطن .

وقال قس بن ساعدة الإيادي :

يا معشر إياد : البعرة تدل على البعير ، وخط السير يدل على المسير ، سماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ، ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير ؟ .

وقال صلى الله عليه وسلم : «أحبوا الله لما يغذوكم به من النعم ، وأحبوني بحب الله » . وقال تعالى : { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون( 17 ) وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون( 18 ) يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون( 19 ) ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون( 20 ) ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } . ( الروم : 17-21 ) .

وقال سبحانه : { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب } ( آل عمران190 ) .

وقال عز شأنه : أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون } ( النمل : 61 ) .

وقد أمرنا الإسلام أن نتفكر في خلق الله ولا نتفكر في ذات الله ، فالعقل البشري لن يدرك حقيقة الذات الإلهية ولكنه يسلم بوجودها وإن لم يرها . كما أننا لم نلمس عقولنا وإن شاهدنا آثارها ، وهذا معنى أن الله عرف بالعقل .

وحين يسأل الولد الصغير عن الله . . أين هو ؟ فإن الأمثل في الإجابة أن تكون تعريفا للصغير بآثار الله في خلق السماوات والأرض والبحار والشمس والقمر والليل والنهار والإنسان والحيوان والنبات ، وتكوين الجنين ومنحه السمع والبصر والفؤاد والنعم كلها : { وما بكم من نعمة فمن الله } ( النحل : 53 ) .

سأل فرعون نبي الله موسى عن الله ما هو ؟ وما هي ماهيته وذاته ؟ فأجابه موسى عن صفاته وأفعاله : { قال فرعون وما رب العالمين( 23 ) قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين } ( الشعراء : 23-24 ) .

ولعل الأنسب للصغير أن نعرفه نعم الله بدلا من أن نقول له كلام العلماء والأصوليين : " إن الله ليس كما ولا كيفا ولا يحده مكان ولا يحويه زمان وليس جسما ولا حالا في جسم وليس له أول ولا آخر بل هو منزه عن الكم والكيف والطول والعرض ، وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك " .

ومن روائع الآيات قوله سبحانه :

{ ليس كمثلي شيء وهو السميع البصير }( الشورى : 103 ) .

{ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير }( الأنعام : 103 ) .

ومن أقوالهم :

هو أول هو آخر هو ظاهر *** هو باطن ليس العيون تراه

وفي كل شيء له آية *** تدل عل أنه الواحد

ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل

من النظم الديني

والكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيرا لها أعياكا

قل للطبيب تخطفته يد الردى يا شافي الأمراض من أرداكا

قل للسليم يموت لا من علة من بالمنايا يا سليم دهاكا

قل للمريض نجا وعوفي بعد ما عجزت فنون الطب من عافاكا

قل للبصير وكان يحذر حفرة فهوى بها من ذا الذي أرداكا

بل سائل الأعمى يمر في وسط الزحا م بلا اصطدام من ذا يقود خطاكا

قل للجنين يعيش معزولا بلا راع ولا مرعى من ذا الذي يرعاكا

واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهدا وقل للشهد من حلاكا

الله في كل الحقائق ماثل إن لم تكن لتراه فهو يراك

يا منبت الأزهار عاطرة الشذا هذا الشذا الفواح نفح شذاكا

يا مرسل الأطيار تصدح في الربا صدحاتها إلهام موسيقاكا

يا مجرى الأنهار ما جريانها إلا انفصال قطرة لنداكا

رباه هأنذا خلصت من الهوى واستقبل القلب الخلي هواكا

وبحثت عن سر السعادة جاهدا فوجدت هذا السر في تقواكا

وتركت أنسى بالحياة ولهوها ولقيت كل الأنس في نجواكا