معاني القرآن للفراء - الفراء  
{قُلۡ هَلۡ أُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِۚ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيۡهِ وَجَعَلَ مِنۡهُمُ ٱلۡقِرَدَةَ وَٱلۡخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} (60)

وقوله : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً . . . }

نصبت ( مثوبة ) لأنها مفسّرة كقوله { أَنا أَكثر مِنك مالا وأَعزُّ نَفَرا } .

وقوله : { مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ } ( من ) في موضع خفضٍ تردّها على ( بِشرّ ) وإن شئت استأنفتها فرفعتها ؛ كما قال : { قل أَفَأُنبئكم بِشر مِن ذلِكم النار وعدها الله الذِين كفروا } ولو نصبت ( من ) على قولك : أُنبئكم ( من ) كما تقول : أنبأتك خيرا ، وأنبأتك زيدا قائما ، والوجه الخفض . وقوله { وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ } على قوله : " وجعل مِنهم القِردة [ والخنازير ] ومن عبد الطاغوتَ " وهي في قراءة أُبىّ و عبد الله ( وعبدوا ) على الجمع ، وكان أصحاب عبد الله يقرأون " وعَبَد الطاغوتِ " على فَعَل ، ويضيفونها إلى الطاغوتِ ، ويفسّرونها : خَدَمة الطاغوتِ . فأراد قوم هذا المعنى ، فرفعوا العين فقالوا : عُبُد الطاغوتِ ؛ مثل ثِمار وثُمُر ، يكون جمع جمع . ولو قرأ قارئ ( وعَبَد الطاغوتِ ) كان صوابا جيّدا . يريد عبدة الطاغوت فيحذف الهاء لمكان الإضافة ؛ كما قال الشاعر :

*** قام وُلاَها فسقَوها صَرْخدا ***

يريد : ولاتها . وأَما قوله ( وعَبُد الطاغوت ) فإن تكن فيه لغة مثل حَذِر وحَذُر وعَجُل فهو وجه ، وإلا فإنه أراد - والله أعلم - قول الشاعر :

أَبَنِى لُبَيْنَى إِنّ أمَّكُمُ *** أَمَةٌ وإِن أباكم عَبُد

وهذا في الشعر يجوز لضرورة القوافي ، فأما في القراءة فلا .