الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قُلۡ هَلۡ أُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِۚ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيۡهِ وَجَعَلَ مِنۡهُمُ ٱلۡقِرَدَةَ وَٱلۡخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} (60)

قوله سبحانه : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً }[ المائدة :60 ] .

يعني : مرجعاً عند اللَّه يوم القيامة ، ومنه : { وَإِذْ جَعَلْنَا البيت مَثَابَةً لِّلنَّاسِ }[ البقرة : 125 ] ، ومشى المفسِّرون في هذه الآية على أنَّ الذين أُمِرَ عليه السلام أنْ يقول لهم : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ } هم اليهودُ والكُفَّار المتَّخِذُون دينَنَا هُزُواً ولعباً ، قال ذلك الطبريُّ ، وتُوبِعَ عليه ، ولم يُسْنِدْ في ذلك إلى متقدِّم شيئاً ، والآيةُ تحتملُ أنْ يكون القول للمؤمنين ، أي : قُلْ يا محمَّد ، للمؤمنين : هَلْ أنبئكم بِشَرٍّ مِنْ حال هؤُلاء الفاسِقِينَ في وَقْتِ المَرْجِعَ إلى اللَّهِ ، أولئك أسلافهم الَّذين لعنهم اللَّه ، وغَضِبَ عليهم .

وقوله سبحانه : { وَجَعَلَ } ، هِيَ بمعنى «صَيَّرَ » ، وقد تقدَّم قصص مَسْخِهِمْ قِرَدَةً في «البقرة » ، و{ عَبَدَ الطاغوت } تقديره : ومَنْ عبَدَ الطاغوتَ ، وقرأ حمزةُ وحده ( وعَبُدَ الطَّاغُوتِ ) بفتحِ العين ، وضمِّ الباءِ ، وكسرِ التاء ، مِنَ الطاغوت ، وذلك أنَّ «عَبُدَ » لفظُ مبالغةٍ ، كقَدُسَ .

قال الفَخْر : قيل الطاغوتُ هنا العِجْلُ ، وقيل : الطاغوتُ أحبارهم ، وكلُّ من أطاع أحداً في معصية اللَّهِ فقد عبده ، انتهى .

و{ مَكَاناً } : يحتمل أن يريد في الآخرةِ ، فالمكان على وجْهه ، أي : المحلّ ، إذْ محلُّهم جهنَّم ، ويحتملُ أنْ يريد في الدنيا ، فهي استعارةٌ للمكانةِ والحالةِ .