قوله تعالى : " قل هل أنبئكم بشر من ذلك " أي بشر من نقمكم علينا . وقيل : بشر ما تريدون لنا من المكروه ، وهذا جواب قولهم : ما نعرف دينا شرا من دينكم . " مثوبة " نصب على البيان وأصلها مفعولة ، فألقيت حركة الواو على الثاء فسكنت الواو وبعدها واو ساكنة فحذفت إحداهما لذلك ؛ ومثله مقولة ومجوزة ومضوفة على معنى المصدر ، كما قال الشاعر{[5750]} :
وكنت إذا جاري دعا لمَضُوفَةٍ *** أشَمِّرُ حتى يَنْصُفَ السَّاقَ مئزري
وقيل : مَفْعُلة كقولك مكرمة ومعقلة . " من لعنه الله " " من " في موضع رفع ؛ كما قال : " بشر من ذلكم النار{[5751]} " [ الحج : 72 ] والتقدير : هو لعن من لعنه الله ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى : قل هل أنبئكم بشر من ذلك من لعنه الله ، ويجوز أن تكون في موضع خفض على البدل من شر والتقدير : هل أنبئكم بمن لعنه الله ، والمراد اليهود . وقد تقدم القول في الطاغوت{[5752]} ، أي وجعل منهم من عبد الطاغوت ، والموصول محذوف عند الفراء . وقال البصريون : لا يجوز حذف الموصول ، والمعنى من لعنه الله وعبد الطاغوت . وقرأ ابن وثاب النخعي " وأنبئكم " بالتخفيف . وقرأ حمزة : " عبد الطاغوت " بضم الباء وكسر التاء ، جعله اسما على فعل كعضد فهو بناء للمبالغة والكثرة كيقظ وندس{[5753]} وحذر ، وأصله الصفة ؛ ومنه قول النابغة{[5754]} :
من وحش وَجْرَةَ مَوْشِيّ أكارعُه *** طَاوِي المَصِيرِ كَسَيْفِ الصَّيْقل الفَردِ
بضم الراء ونصبه ب " جعل " ؛ أي جعل منم عبدا للطاغوت ، وأضاف عبد إلى الطاغوت فخفضه . وجعل بمعنى خلق ، والمعنى وجعل منهم من يبالغ في عبادة الطاغوت . وقرأ الباقون بفتح الباء والتاء ، وجعلوه فعلا ماضيا ، وعطفوه على فعل ماضي وهو غضب ولعن ، والمعنى عندهم من لعنه الله ومن عبد الطاغوت ، أو منصوبا ب " جعل " ؛ أي جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت . ووحد الضمير في عبد حملا على لفظ " من " دون معناها . وقرأ أُبي وابن مسعود " وعبدوا الطاغوت " على المعنى . ابن عباس : " وعبد الطاغوت " ، فيجوز أن يكون جمع عبد كما يقال : رهن ورهن ، وسقف وسقف ، ويجوز أن يكون جمع عباد كما يقال : مثال ومثل ، ويجوز أن يكون جمع عبد كرغيف ورعف ، ويجوز أن يكون جمع عادل كبازل وبزل ؛ والمعنى : وخدم الطاغوت . وعند ابن عباس أيضا " وعبد الطاغوت " {[5755]} جعله جمع عابد كما يقال شاهد وشهد وغايب وغيب . وعن أبي واقد : وعباد الطاغوت للمبالغة ، جمع عابد أيضا ، كعامل وعمال ، وضارب وضراب . وذكر محبوب أن البصريين قرؤوا : ( وعباد الطاغوت ) جمع عابد أيضا ، كقائم وقيام ، ويجوز أن يكون جمع عبد . وقرأ أبو جعفر الرؤاسي{[5756]} ( وعبد الطاغوت ) على المفعول ، والتقدير : وعبد الطاغوت فيهم . وقرأ عون العقيلي وابن بريدة{[5757]} : ( وعابد الطاغوت ) على التوحيد ، وهو يؤدي عن جماعة . وقرأ ابن مسعود أيضا ( وعبد{[5758]} الطاغوت ) وعنه أيضا وأبي{[5759]} ( وعبدت الطاغوت ) على تأنيث الجماعة ؛ كما قال تعالى : ( قالت الأعراب ){[5760]} [ الحجرات : 14 ] وقرأ عبيد بن عمير : ( وأعبد الطاغوت ) مثل كلب وأكلب . فهذه اثنا عشر وجها .
قوله تعالى : " أولئك شر مكانا " لأن مكانهم النار ؛ وأما المؤمنون فلا شر في مكانهم . وقال الزجاج : أولئك شر مكانا على قولكم . النحاس : ومن أحسن ما قيل فيه : أولئك الذين لعنهم الله شر مكانا في الآخرة من مكانكم في الدنيا لما لحقكم من الشر . وقيل : أولئك الذين لعنهم الله شر مكانا من الذين نقموا عليكم . وقيل : أولئك الذين نقموا عليكم شر مكانا من الذين لعنهم الله . ولما نزلت هذه الآية قال المسلمون لهم : يا إخوة القردة والخنازير فنكسوا رؤوسهم افتضاحا ، وفيهم يقول الشاعر :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.