فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{قُلۡ هَلۡ أُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِۚ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيۡهِ وَجَعَلَ مِنۡهُمُ ٱلۡقِرَدَةَ وَٱلۡخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} (60)

{ قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل }- تبكيت لأولئك الفجرة أيضا ببيان أن الحقيق بالنقم والعيب حقيقة ما هم عليه من الدين المحرف ؛ وفيه نعى لهم على سبيل التعريض بجناياتهم وما حاق بهم من تبعاتها وعقوباتها ، ولم يصرح سبحانه لئلا يحملهم التصريح بذلك على ركوب متن المكابرة والعناد ، وخاطبهم قبل البيان بما ينبئ عن عظم شأن المبين ، ويستدعي إقبالهم على تلقيه من الجملة الاستفهامية المشوقة إلى المُخْبِر به ، والتنبئة المشعرة بكونه أمرا خطرا لما أن النبأ هو الخبر الذي له شأن وخطر ؛ . . . ، واعتبرت الشرية بالنسبة إليه- مع أنه خير محض منزه عن شائبة الشرية بالكلية- مجاراة معهم على زعمهم الباطل المنعقد على كمال شريته ، وحاشاه ، ليثبت أن دينهم شر من كل شر ، . . . . { مثوبة عند الله } أي جزاء ثابتا عنده تعالى ، وهو مصدر ميمي بمعنى الثواب ، ويقال في الخير والشر لأنه ما رجع إلى الإنسان من جزاء أعماله ، سمى به بتصور أن ما عمله يرجع إليه ، كما يشير إليه قوله تعالى : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) ( {[1803]} ) ؛ حيث لم يقل سبحانه : ير جزاءه ؛ إلا أن الأكثر المتعارف استعماله في الخير ، ومثله في ذلك المثوبة ، واستعمالها هنا في الشر على طريقة التهكم-( {[1804]} ) .

{ من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت } أنبئكم بشر مصير وجزاء يوم القيامة أعده الواحد القهار للذين أبعدهم من رحمته ؟ ، وأحل بهم غضبا لا يرضى بعده عنهم أبدا ، كما عجل سخطه بأسلافهم الذين مسخهم قردة وخنازير ، وجعل منهم من عبد الشيطان والباطل والطغيان ؛ في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير أهي مما مسخ الله ؟ فقال : " إن الله لم يهلك قوما- أو قال لم يمسخ قوما- فيجعل لهم نسلا ولا عقبا إن القردة والخنازير كانت قبل ذلك " ) { من لعنه الله }خبر لمبتدأ محذوف مع تقدير مضاف محذوف ، أي : هو لعن من لعنه الله ، أو : دين من لعنه الله ، . . { وجعل منهم القردة والخنازير } أي : مسخ بعضهم قردة وخنازير . . فإن الله مسخ أصحاب السبت قردة ، وكفار مائدة عيسى منهم خنازير ؛ . . { وعبد الطاغوت } . . ومن عبد الطاغوت ، . . . . { أولئك شر مكانا } الإشارة إلى الموصوفين بالصفات المتقدمة ؛ وجعلت الشرارة للمكان ، وهي لأهله للمبالغة ، ويجوز أن يكون الإسناد مجازيا ، قوله : { وأضل عن سواء السبيل } معطوف على { شر } أي : هم أضل من غيرهم عن الطريق المستقيم ) ( {[1805]} ) .


[1803]:من سورة الزلزلة.الآيتان: 8،7.
[1804]:من روح المعاني.
[1805]:ما بين العلامتين( ) من فتح القدير.