لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{قُلۡ هَلۡ أُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِۚ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيۡهِ وَجَعَلَ مِنۡهُمُ ٱلۡقِرَدَةَ وَٱلۡخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} (60)

{ قل هل أنبئكم بشرٍّ من ذلك } هذا جواب لليهود لما قالوا ما نعرف ديناً شراً من دينكم . والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء الذين قالوا هذه المقالة هل أخبركم بشر من ذلك الذي ذكرتم ونقمتم علينا من إيماننا بالله وبما أنزل علينا { مثوبة عند الله } يعني جزاء .

فإن قلت : المثوبة مختصة بالإحسان لأنها في معنى الثواب ، فكيف جاءت في الإساءة ؟ . قلت : وضعت المثوبة موضع العقوبة على طريقة قوله : تحية بينهم ضرب وجيع .

فإن قلت : هذا يقتضي أن الموصوفين بذلك الدين محكوم عليهم بالشر لأنه تعالى قال بشر من ذلك ومعلوم أن الأمر ليس كذلك فما جوابه ؟ . قلت : جوابه أن الكلام خرج على حسب قولهم واعتقادهم ، فإن اليهود حكموا بأن اعتقاد ذلك الدين شر فقال لهم : هب أن الأمر كذلك لكن من لعنه الله وغضب عليه ومسخ صورته شر من ذلك .

وقوله تعالى : { من لعنه الله } معناه هل أنبئكم بمن لعنه الله أو هو من لعنه الله ومعنى لعنه الله : أبعده وطرده عن رحمته { وغضب عليه } يعني وانتقم منه لأن الغضب إرادة الانتقام من العصاة { وجعل منهم القردة والخنازير } يعني من اليهود من لعنه الله وغضب عليه ومنهم من جعلهم قردة وخنازير قال ابن عباس : إن الممسوخين كلاهما أصحاب السبت فشبانهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير .

وقيل إن مسخ القردة كان من أصحاب السبت من اليهود ومسخ الخنازير كان في الذين كفروا بعد نزول المائدة في زمن عيسى عليه السلام ولما نزلت هذه الآية عيَّر المسلمون اليهود وقالوا لهم : يا إخوان القردة والخنازير وافتضحوا بذلك { وعبد الطاغوت } يعني : وجعل منهم عبد الطاغوت ، يعني من أطاع الشيطان فيما سول له والطاغوت هو الشيطان . وقيل : هو العجل . وقيل : هو الكهان والأحبار . وجملته أن كل من أطاع أحداً في معصية الله فقد عبده وهو الطاغوت { أولئك } يعني الملعونين والمغضوب عليهم والممسوخين { شرّ مكاناً } يعني من غيرهم ونسب الشر إلى المكان والمراد به أهله فهو من باب الكناية وقيل : أراد أن مكانهم سقر ولا مكان أشد شراً منه { وأضل عن سواء السبيل } يعني وأخطأ عن قصد طريق الحق .