الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (111)

وقرأ أبو عمرو في رواية عبد الوارث والكسائي في رواية الأنطاكي " قِصصهم " بكسر القاف وهو جمع قِصة ، وبهذه القراءة رجَّح الزمخشري عَوْدَ الضمير في " قصصهم " في القراءة المشهورة على الرسل وحدهم ، وحكى أنه يجوز أن يعودَ على يوسُفَ وإخوته . وحكى غيرُه أنه يجوز أن يعودَ على الرسل وعلى يوسف وإخوته جميعاً . قال الشيخ : " ولا تَنْصُره يعني هذه القراءة إذا قصص يوسف وأبيه وإخوته مشتملٌ على قصصٍ كثيرة وأنباء مختلفة " .

قوله : { مَا كَانَ حَدِيثاً } في " كان " ضميرٌ عائد على القرآن ، أي : ما كان القرآنُ المتضمِّنُ لهذه القصة الغريبة حديثاً مختلفاً ، وقيل : بل هو عائد على القصص أي : ما كان القصص المذكور في قوله " لقد كان في قَصَصِهم " . وقال الزمخشري : " فإن قلت : فالإمَ يَرْجِع الضمير في { مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى } فيمن قرأ بالكسر ؟ قلت : إلى القرآن أي : ما كان القرآن حديثاً " . قلت : لأنه لو عاد على " قِصصهم " بكسر القاف لوجب أن يكون " كانت " بالتاء لإِسناد الفعل حينئذ إلى ضمير مؤنث ، وإن كان مجازياً .

قوله : { وَلَكِن تَصْدِيقَ } العامَّةُ على نصب " تصديق " ، والثلاثة بعده على أنها منسوقةٌ على خبر كان أي : ولكن كان تَصْدِيْقَ . وقرأ حمران بن أعين وعيسى الكوفي وعيسى الثقفي برفع " تصديق " وما بعده على أنها أخبار لمبتدأ مضمر أي : ولكن هو تصديق ، أي : الحديث ذو تصديقٍ ، وقد سُمع من العرب مثلُ هذا بالنصب والرفع ، قال ذو الرمة :

2836 وما كان مالي مِنْ تُراثٍ وَرِثْتُه *** ولا ديةً كانَتْ ولا كَسْبَ مأثمِ

ولكنْ عطاءَ اللَّه من كل رحلةٍ *** إلى كل محجوبِ السُّرادِقِ خِضْرَمِ

وقال لوط بن عبيد :

2837 - وإني بحمد اللَّه لا مالَ مسلمٍ *** أخذْتُ ولا مُعْطي اليمينِ مُحالِفِ

ولكنْ عطاء اللِّهِ مْنِ مالِ فاجرٍ *** قَصِيِّ المحلِّ مُعْوِرٍ للمَقارفِ

يُرْوى " عطاء اللَّه " في البَيتين منصوباً على " ولكن كان عطاء " ومرفوعاً على : ولكن هو عطاء اللَّه . وتقدَّم نظيرُ ما بقي من السورة فأغنى عن إعادته .