نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (111)

ولما ذكر سبحانه هذه القصص كما كانت ، وحث على الاعتبار بها{[43244]} بقوله : { أفلم يسيروا } وأشار إلى أنه بذلك أجرى سنته وإن طال المدى ، أتبعه الجزم بأن في أحاديثهم أعظم عبرة ، فقال حثاً على تأملها والاستبصار بها : { لقد كان } أي{[43245]} {[43246]} كوناً هو في غاية المكنة{[43247]} { في قصصهم } أي الخبر العظيم الذي تلي عليك تتبعاً{[43248]} لأخبار الرسل الذين طال بهم البلاء حتى استيأسوا من نوح إلى يوسف ومن بعده - على{[43249]} جميعهم أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام { عبرة } أي عظة عظيمة وذكرى شريفة { لأولي الألباب } أي لأهل العقول الخالصة من{[43250]} شوائب الكدر يعبرون بها إلى ما يسعدهم بعلم{[43251]} أن من قدر على ما قص من أمر يوسف عليه السلام وغيره قادر على أن يعز محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويعلي كلمته وينصره على من عاداه كائناً من{[43252]} كان كما فعل بيوسف وغيره - إلى غيرذلك مما ترشد إليه قصصهم من الحكم وتعود{[43253]} إليه من نفائس العبر ؛ والقصص : الخبر بما يتلو بعضه بعضاً ، من قص الأثر{[43254]} ، والألباب : العقول ، لأن العقل أنفس ما في الإنسان وأشرف .

ولما كان من أجل العبرة في ذلك القطع بحقية{[43255]} القرآن لما بينه من حقائق أحوالهم وخفايا أمورهم ودقائق أخبارهم على هذه الأساليب الباهرة والتفاصيل الظاهرة والمناهيج المعجزة القاهرة ، نبه{[43256]} على ذلك بتقدير سؤال فقال : { ما كان } أي هذا القرآن العربي المشتمل على قصصهم وغيره { حديثاً يفترى } كما قال المعاندون - على ما أشير إليه بقوله : { أم يقولون افتراه{[43257]} } ، والافتراء : القطع بالمعنى على خلاف ما هو به في الإخبار عنه ، من : فريت الأديم{[43258]} { ولكن } كان { تصديق الذي } كان من الكتب وغيرها { بين يديه } أي قبله الذي هو كاف في الشهادة بصدقه وحقيته في نفسه { و } زاد{[43259]} على ذلك بكونه { تفصيل كل شيء } أي يحتاج إليه من أمور الدين والدنيا والآخرة ؛ والتفصيل : تفريق الجملة بإعطاء كل قسم حقه { وهدى ورحمة } وبياناً وإكراماً . ولما كان الذي لا ينتفع بالشيء لا يتعلق بشيء منه ، قال : { لقوم يؤمنون } أي يقع الإيمان منهم وإن كان بمعنى : يمكن إيمانهم ، فهو عام ، وما جمع هذه الخلال فهو أبين البيان ، فقد انطبق هذا الآخر على أول السورة في أنه{[43260]} الكتاب المبين ، وانطبق ما تبع هذه القصص - من الشهادة بحقية القرآن ، وأن الرسل ليسوا ملائكة ولا معهم ملائكة{[43261]} للتصديق يظهرون للناس ، وأنهم لم يسألوا على الإبلاغ أجراً - على سبب ما تبعته هذه القصص ، وهو مضمون قوله تعالى :

{ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك }[ هود : 12 ] الآية من قولهم

{ لولا ألقي عليه كنز أو جاء معه ملك }[ هود : 12 ] وقولهم : إنه{[43262]} افتراه ، على ترتيب ذلك ، مع اعتناق هذا الآخر لأول التي تليه{[43263]} ، فسبحان من أنزله معجزاً باهراً ، وقاضياً بالحق لا يزال ظاهراً ، وكيف لا وهو العليم الحكيم -{[43264]} والله سبحانه وتعالى أعلم{[43265]} .

ختام السورة:

فقد انطبق هذا الآخر على أول السورة في أنه الكتاب المبين ، وانطبق ما تبع هذه القصص - من الشهادة بحقية القرآن ، وأن الرسل ليسوا ملائكة ولا معهم ملائكة للتصديق يظهرون للناس ، وأنهم لم يسألوا على الإبلاغ أجراً - على سبب ما تبعته هذه القصص ، وهو مضمون قوله تعالى :

{ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك }[ هود : 12 ] الآية من قولهم

{ لولا ألقي عليه كنز أو جاء معه ملك }[ هود : 12 ] وقولهم : إنه افتراه ، على ترتيب ذلك ، مع اعتناق هذا الآخر لأول التي تليه ، فسبحان من أنزله معجزاً باهراً ، وقاضياً بالحق لا يزال ظاهراً ، وكيف لا وهو العليم الحكيم - والله سبحانه وتعالى أعلم .


[43244]:زيد من ظ و م ومد.
[43245]:زيد من ظ ومد.
[43246]:سقط ما بين الرقمين من م.
[43247]:سقط ما بين الرقمين من م.
[43248]:في ظ و م ومد: متتبعا.
[43249]:في ظ: إلى.
[43250]:في ظ ومد: عن.
[43251]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: يعلم.
[43252]:في ظ: ما.
[43253]:في ظ: تقود.
[43254]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الأغر- كذا.
[43255]:من ظ و م، وفي الأصل: خفيه، وفي مد: بحقيقة- كذا.
[43256]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: منبه.
[43257]:سورة 11 آية 13.
[43258]:سقط من مد.
[43259]:زيد بعده في ظ: أي.
[43260]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: آية.
[43261]:زيد من ظ و م ومد.
[43262]:زيد من ظ و م ومد.
[43263]:في الأصول: تليها.
[43264]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[43265]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.