فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (111)

{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ } أي : قصص الرسل ومن بعثوا إليه من الأمم ، أو في قصص يوسف وإخوته وأبيه { عِبْرَةٌ لأوْلِي الألباب } والعبرة : الفكرة والبصيرة المخلصة من الجهل والحيرة ، وقيل : هي نوع من الاعتبار ، وهي العبور من الطرف المعلوم إلى الطرف المجهول . وأولوا الألباب : هم ذوو العقول السليمة الذين يعتبرون بعقولهم فيدرون ما فيه مصالح دينهم ، وإنما كان هذا القصص عبرة لما اشتمل عليه من الإخبارات المطابقة للواقع مع بعد المدّة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الرسل الذين قص حديثهم ، ومنهم يوسف وإخوته وأبوه مع كونه لم يطلع على أخبارهم ولا اتصل بأحبارهم { مَا كَانَ حَدِيثًا يفترى } أي : ما كان هذا المقصوص الذي يدلّ عليه ذكر القصص وهو القرآن المشتمل على ذلك حديثاً يفترى { ولكن تَصْدِيقَ الذين بَيْنَ يَدَيْهِ } أي : ما قبله من الكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل والزبور . وقرئ برفع «تصديق » على أنه خبر مبتدأ محذوف أي : هو تصديق وتفصيل كل شيء من الشرائع المجملة المحتاجة إلى تفصيلها ؛ لأن الله سبحانه لم يفرّط في الكتاب من شيء . وقيل : تفصيل كل شيء من قصة يوسف مع إخوته وأبيه . قيل : وليس المراد به ما يقتضيه من العموم ، بل المراد به الأصول والقوانين وما يئول إليها { وهدى } في الدنيا يهتدي به كل من أراد الله هدايته { وَرَحْمَةً } في الآخرة يرحم الله بها عباده العاملين بما فيه شرط الإيمان الصحيح ، ولهذا قال : { لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي : يصدّقون به وبما تضمنه من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وشرائعه وقدره ، وأما من عداهم فلا ينتفع به ولا يهتدي بما اشتمل عليه من الهدى ، فلا يستحق ما يستحقونه .

/خ111