الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (103)

قوله : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ) [ 103 ] .

أي : تعلقوا بأسباب الله ( وَلاَ تَفَرَّقُوا ) أي : تمسكوا بدين الله . والحبل في اللغة الذي يتوصل به إلى البغية( {[10534]} ) .

قال ابن مسعود : حبل الله الجماعة( {[10535]} )( {[10536]} ) .

وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كتاب الله حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض " ( {[10537]} ) .

وقيل : حبله ، عهده وأمره ، ( {[10538]} ) وأكثر المفسرين على أنه القرآن ، وقال أبو العالية حبل الله الإخلاص والتوحيد( {[10539]} ) .

وقال ابن زيد : حبل الله : الإسلام( {[10540]} ) .

وقال القتبي : حبل الله : دينه( {[10541]} ) .

وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " أيها الناس عليكم بالطاعة ، والجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به وإن ما تكرهون في الطاعة والجماعة هو خير مما( {[10542]} ) تحبون في الفرقة " ( {[10543]} ) .

وهذا تذكير للأنصار إذ كانوا يقتتلون( {[10544]} ) في كل شهر فلما أتى الإسلام واجتمعوا عليه( {[10545]} ) ألف الله بينهم وزالت العداوة التي كانت بينهم عشرين ومائة سنة ، وقد كانوا بني عم .

ومذهب البصريين أن ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمُ ) تمام الكلام ، ومذهب الكوفيين أن ( إِنْ كُنْتُمُ ) متصل ب ( وَاذْكُرُوا )( {[10546]} ) .

( وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ ) ، هذا مثل لما كانوا عليه من الكفر ، أنقذهم( {[10547]} ) الله من ذلك بالإسلام .

وشفا الحفرة : طرفها .

وقيل : ( فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ) بمحمد صلى الله عليه وسلم قاله السدي( {[10548]} ) ، فالآية للأنصار خاصة لما أزال الله عنهم من القتل الذي كان بينهم( {[10549]} ) .

وقيل : هي لقريش لأن بعضهم كان يغير على بعض فلما دخلوا في الإسلام حرمت عليهم الأموال والدماء فأصبحوا إخواناً( {[10550]} ) .

والهاء في ( مِّنْهَا ) تعود على النار ، وقيل على الحفرة( {[10551]} ) .


[10534]:- الحبل في هذه الآية مستعار، فإنه لما كان السبب الذي يعتصم به وصلة ممتدة من العاصم والمعصوم ونسبة بينهما شبه ذلك بالحبل الذي شأنه أن يصل شيئاً بشيء، وسمى العهود والمواثيق حبالاً، انظر: تأويل المشكل 464 والمحرر 3/181 والمفردات 105 واللسان (حبل) 11/134.
[10535]:- إلى الجماعة.
[10536]:- انظر: جامع البيان 4/31.
[10537]:- انظر: المسند بتحقيق شاكر 3/26 والطبراني في الصغير 1/131.
[10538]:- ينسب لقتادة في جامع البيان 4/31.
[10539]:- انظر: جامع البيان 4/31-32 والدر المنثور 2/286.
[10540]:- انظر: المصدر السابق.
[10541]:- انظر: تفسير الغريب 101.
[10542]:- (أ): ما تحبون.
[10543]:- أخرجه السيوطي عن الطبري ولم ينسبه لغيره. انظر: الدر المنثور 2/285.
[10544]:- (ج) (د) إذا يقتتلون.
[10545]:- (أ) (ج): عليهم.
[10546]:- انظر: معاني الأخفش 1/413 والقطع (231).
[10547]:- (ج): أنقذكم (د): أنقذكم من ذلك.
[10548]:- انظر: جامع البيان 4/38.
[10549]:- انظر: جامع البيان 4/36.
[10550]:- انظر: جامع البيان: 4/37.
[10551]:- إعراب النحاس 1/356.