فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (103)

واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون 103

( واعتصموا بحبل الله جميعا ) الحبل لفظ مشترك وأصله في اللغة السبب الذي يتوصل به إلى البغية ، وهو إما تمثيل أو استعارة مصرحة أصلية تحقيقية ، أمرهم سبحانه بأن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام أو بالقرآن .

وقد وردت أحاديث بأن كتاب الله هو حبل الله ، وأن القرآن هو حبل الله المتين{[363]} ، قال أبو العالية : بالإخلاص لله وحده . وعن الحسن بطاعته ، وعن قتادة بعهده وأمره ، وعن ابن زيد بالإسلام .

( ولا تفرقوا ) بعد الإسلام كما تفرقت اليهود والنصارى أو كما كنتم في الجاهلية متدابرين . وقيل لا تحدثوا ما يكون عنه التفرق ويزول معه الاجتماع ، والمعنى نهاهم عن التفرق الناشئ عن الاختلاف في الدين ، وعن الفرقة ، لأن كل ذلك عادة أهل الجاهلية .

( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ) أمرهم بأن يذكروا نعمة الله عليهم ؛ لأن الشكر على الفعل أبلغ من الشكر على أثره ، وبين لهم من هذه النعمة ما يناسب المقام وهو أنهم كانوا أعداء مختلفين يقتل بعضهم بعضا وينهب بعضهم بعضا ، فأصبحوا بسبب هذه النعمة إخوانا في الدين ، والولاية ، ومعنى أصبحتم صرتم وليس المراد به معناه الأصلي وهو الدخول في وقت الصباح .

وعن ابن جريج في الآية قال : ما كان بين الأوس والخزرج في شأن عائشة ، قال ابن عباس كانت الحرب بين الأوس والخزرج عشرين ومائة سنة حتى قام الإسلام وأطفأ الله ذلك وألف بينهم .

( وكنتم ) يا معشر الأوس والخزرج ( على شفا ) طرف ( حفرة من النار ) يعني ليس بينكم وبين الوقوع في النار إلا أن تموتوا على كفركم ، ففي الكلام تشبيه ، وشفا كل شئ حرفه وهو مقصور من ذوات الواو وجمعه أشفاه ويثنى بالواو نحو شفوان ، ويستعمل مضافا إلى أعلا الشئ وأسفله ، فمن الأول شفا جرف ، ومن الثاني هذه الآية ، وأشفى على كذا أي قاربه ، ومنه أشفى المريض على الموت .

قال يعقوب : يقال للرجل عند موته ، وللقمر عند انمحاقه ، وللشمس عند غروبها ما بقي منه أو منها إلا شفا أي إلا قليل .

( فأنقذكم منها ) أي من هذه الحفرة بالإسلام ، وهو تمثيل للحالة التي كانوا عليها في الجاهلية ، قال السدي : يقول كنتم على طرف النار من مات منكم وقع في النار ، فبعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم واستنقذكم به من تلك الحفرة ، وقيل منها أي من الشفا لأنه المحدث عنه ، وتأنيث الضمير لاكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه .

( كذلك ) إشارة إلى مصدر الفعل الذي بعده أي مثل ذلك البيان البليغ ( يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) إرشاد لهم إلى الثبات على الهدى والازدياد منه .


[363]:رواه الطبري وإسناده صحيح ولفظه:"ان الصراط تحضره الشياطين ينادون يا عبد الله هلم هذا الطريق ليصدوا في سبيل الله، فاعتصموا بحبل الله فإن حبل الله هو كتاب الله.