النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَيَجۡعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكۡرَهُونَۚ وَتَصِفُ أَلۡسِنَتُهُمُ ٱلۡكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفۡرَطُونَ} (62)

قوله عز وجل : { ويجعلون لله ما يكرهون } ، يعني : من البنات . { وتصف ألسنتهم الكذب أنّ لهم الحُسنَى } ، فيه وجهان :

أحدهما : أن لهم البنين مع جعلهم لله ما يكرهون من البنات ، قاله مجاهد .

الثاني : معناه أن لهم من الله الجزاء الحسن ، قاله الزجاج .

{ لا جرم أن لهم النار } ، فيه أربعة أوجه :

أحدهما : معناه حقاً أن لهم النار .

الثاني : معناه قطعاً أن لهم النار .

الثالث : اقتضى فعلهم أن لهم النار .

الرابع : معناه بلى إن لهم النار ، قاله ابن عباس .

{ وأنهم مفرطون } فيه خمسة تأويلات :

أحدها : معناه منسيون ، قاله مجاهد .

الثاني : مضيّعون ، قاله الحسن .

الثالث : مبعدون في النار ، قاله سعيد بن جبير .

الرابع : متروكون في النار ، قاله الضحاك .

الخامس : مقدَّمون إلى النار ، قاله قتادة . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا فَرَطكم على الحوض{[1732]} " أي متقدمكم ، وقال القطامي :

فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا *** كما تعجّل فرّاطٌ لوُرّادِ

والفرّاط : المتقدمون في طلب الماء ، والورّاد : المتأخرون .

وقرأ نافع : { مُفْرِطون } بكسر الراء وتخفيفها ، ومعناه مسرفون في الذنوب ، من الإفراط فيها .

وقرأ الباقون من السبعة : { مفرطون } أي معجلون إلى النار متروكون فيها .

وقرأ أبو جعفر القارئ : { مفَرِّطون } بكسر الراء وتشديدها ، ومعناه من التفريط في الواجب .


[1732]:رواه النسائي في الطهارة، ومالك في الموطأ في الطهارة أيضا، وأحمد في المسند 2/300.