المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ هَلۡ أُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِۚ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيۡهِ وَجَعَلَ مِنۡهُمُ ٱلۡقِرَدَةَ وَٱلۡخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} (60)

60- قل لهم : ألا أخبركم بأعظم شر في الجزاء عند الله ؟ إنه عملكم أنتم يا من أبعدهم الله من رحمته ، وسخط عليهم بسبب كفرهم وعصيانهم ، وطمس على قلوبهم ، فكانوا كالقردة والخنازير ، وعبدوا الشيطان ، واتبعوا الضلال . أولئك في أكبر منزلة من الشر ، لأنهم أبعد الناس عن طريق الحق .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ هَلۡ أُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِۚ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيۡهِ وَجَعَلَ مِنۡهُمُ ٱلۡقِرَدَةَ وَٱلۡخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ} (60)

51

ثم نمضي مع السياق القرآني في توجيه الله - سبحانه - لرسوله [ ص ] لمواجهة أهل الكتاب ، بعد تقرير بواعثهم واستنكار هذه البواعث في النقمة على المسلمين . . فإذا هو يجبههم بتاريخ لهم قديم ، وشأن لهم مع ربهم ، وعقاب أليم :

( قل : هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله ؟ من لعنه الله وغضب عليه ، وجعل منهم القردة والخنازير ، وعبد الطاغوت . أولئك شر مكانا ، وأضل عن سواء السبيل ! )

وهنا تطالعنا سحنة يهود ، وتاريخ يهود !

إنهم هم الذين لعنهم الله وغضب عليهم ، وجعل منهم القردة والخنازير . إنهم هم الذين عبدوا الطاغوت . . وقصة لعنة الله لهم وغضبه عليهم واردة في مواضع شتى من القرآن الكريم ؛ وكذلك قصة جعله منهم القردة والخنازير . . فأما قضية عبادتهم للطاغوت ، فتحتاج إلى بيان هنا ، لأنها لفتة ذات دلالة خاصة في سياق هذه السورة . .

إن الطاغوت هو كل سلطان لا يستمد من سلطان الله ، وكل حكم لا يقوم على شريعة الله ، وكل عدوان يتجاوز الحق . . والعدوان على سلطان الله وألوهيته وحاكميته هو أشنع العدوان وأشده طغيانا ، وأدخله في معنى الطاغوت لفظا ومعنى . .

وأهل الكتاب لم يعبدوا الأحبار والرهبان ؛ ولكن اتبعوا شرعهم وتركوا شريعة الله . فسماهم الله عبادا لهم ؛ وسماهم مشركين . . وهذه اللفتة هنا ملحوظ فيها ذلك المعنى الدقيق . فهم عبدوا الطاغوت . . أي السلطات الطاغية المتجاوزة لحقها . . وهم لم يعبدوها بمعنى السجود لها والركوع ، ولكنهم عبدوها بمعنى الاتباع والطاعة . وهي عبادة تخرج صاحبها من عبادة الله ومن دين الله .

والله - سبحانه - يوجه رسوله [ ص ] لمجابهة أهل الكتاب بهذا التاريخ ، وبذلك الجزاء الذي استحقوه من الله على هذا التاريخ . . كأنما هم جيل واحد بما أنهم جبلة واحدة . . يوجهه ليقول لهم : إن هذا شر عاقبة : .

( قل : هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله ) . .

أي شر من نقمة أهل الكتاب على المسلمين ، وما يكيدون لهم وما يؤذونهم بسبب إيمانهم . وأين نقمة البشر الضعاف من نقمة الله وعذابه ، وحكمه على أهل الكتاب بالشر والضلال عن سواء السبيل :

( أولئك شر مكانا ، وأضل عن سواء السبيل ) . .