سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه ، فأمر في هذه السورة بالإجابة بأنه الجامع لصفات الكمال ، الواحد الأحد ، المقصود على الدوام في الحوائج ، الغني عن كل ما سواه ، المتنزه عن المجانسة والمماثلة ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له من خلقه نظير ولا مشاكل .
1- قل - يا محمد - لمن قالوا مستهزئين : صف لنا ربك : هو الله أحد لا سواه ، ولا شريك له .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ * اللّهُ الصّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لّهُ كُفُواً أَحَدٌ } .
ذُكر أن المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسب ربّ العزة ، فأنزل الله هذا السورة جوابا لهم . وقال بعضهم : بل نزلت من أجل أن اليهود سألوه ، فقالوا له : هذا الله خلق الخلق ، فمن خلق الله ؟ فأُنزلت جوابا لهم .
ذكر من قال : أُنزلت جوابا للمشركين الذين سألوه أن ينسُب لهم الربّ تبارك وتعالى :
حدثنا أحمد بن منيع المَرْوزيّ ومحمود بن خِداش الطالَقَاني ، قالا : حدثنا أبو سعيد الصنعاني ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازيّ ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أُبيّ بن كعب ، قال : قال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم : انسُبْ لنا ربك ، فأنزل الله : { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ } .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة ، قال : إن المشركين قالوا : يا رسول الله أخبرنا عن ربك ، صف لنا ربك ما هو ؟ ومن أيّ شيء هو ؟ فأنزل الله : { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ } إلى آخر السورة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ } قال : قال ذلك قادة الأحزاب : انسُب لنا ربك ، فأتاه جبريل بهذه .
حدثني محمد بن عوف ، قال : حدثنا شريح ، قال : حدثنا إسماعيل بن مجالد ، عن مجالد ، عن الشعبيّ ، عن جابر قال : قال المشركون : انسُب لنا ربك ، فأنزل الله { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ } .
ذكر من قال : نزل ذلك من أجل مسألة اليهود :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، عن محمد ، عن سعيد ، قال : أتى رهط من اليهود النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا محمد ، هذا الله خلق الخلق ، فمن خلقه ؟ فغضب النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى انتُقِعَ لونه ثم ساوَرَهم غضبا لربه ، فجاءه جبريل عليه السلام فسكنّه ، وقال : اخفض عليك جناحك يا محمد ، وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه . قال : يقول الله : { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدٌ } فلما تلا عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قالوا : صف لنا ربك كيف خَلْقُه ، وكيف عضُدُه ، وكيف ذراعُه ، فغضب النبيّ صلى الله عليه وسلم أشدّ من غضبه الأوّل ، وساوَرَهم غضبا ، فأتاه جبريل فقال له مثل مقالته ، وأتاه بجواب ما سألوه عنه : { وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ والسّمَوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ } .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مِهران ، عن سعيد بن أبي عَرُوبة ، عن قتادة ، قال : جاء ناس من اليهود إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : انسب لنا ربك ، فنزلت : { قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدٌ } حتى ختم السورة .
فتأويل الكلام إذا كان الأمر على ما وصفنا : قل يا محمد لهؤلاء السائليك عن نسب ربك وصفته ، ومن خلقه : الربّ الذي سألتموني عنه ، هو الله الذي له عبادة كل شيء ، لا تنبغي العبادة إلاّ له ، ولا تصلح لشيء سواه .
واختلف أهل العربية في الرافع { أحَدٌ } فقال بعضهم : الرافع له «الله » ، و «هو » عمادا ، بمنزلة الهاء في قوله : { إنّهُ أنا اللّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } . وقال آخر منهم : بل «هو » مرفوع ، وإن كان نكرة بالاستئناف ، كقوله : { هذا بعلي شيخ } ، وقال : هو الله جواب لكلام قوم قالوا له : ما الذي تعبد ؟ فقال : هو الله ، ثم قيل له : فما هو ؟ قال : هو أحد .
وقال آخرون { أحَدٌ } بمعنى : واحد ، وأنكر أن يكون العماد مستأنفا به ، حتى يكون قبله حرف من حروف الشكّ ، كظنّ وأخواتها ، وكان وذواتها ، أو إنّ وما أشبهها ، وهذا القول الثاني هو أشبه بمذاهب العربية .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار { أحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ } بتنوين «أحدٌ » ، سوى نصر بن عاصم ، وعبد الله بن أبي إسحاق ، فإنه رُوي عنهما ترك التنوين : «أحَدُ اللّهُ » ، وكأن من قرأ ذلك كذلك ، قال : نون الإعراب إذا استقبلتها الألف واللام أو ساكن من الحروف حُذفت أحيانا ، كما قال الشاعر :
كَيْفَ نَوْمي على الفرَاشِ ولمَا *** تَشْمَلِ الشّامَ غارَةٌ شَعْوَاءُ
تُذْهِلُ الشّيْخَ عَن بَنِيهِ وتُبْدِي *** عَنْ خِدَامِ العَقِيلَةُ العَذْراءُ
والصواب في ذلك عندنا : التنوين ، لمعنيين : أحدهما أفصح اللغتين ، وأشهر الكلامين ، وأجودهما عند العرب . والثاني : إجماع الحجة من قرّاء الأمصار على اختيار التنوين فيه ، ففي ذلك مُكْتفًى عن الاستشهاد على صحته بغيره . وقد بيّنا معنى قوله «أحد » فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
بسم الله الرحمن الرحيم { قل هو الله أحد } الضمير للشأن ، كقولك : هو زيد منطلق ، وارتفاعه بالابتداء ، وخبره الجملة ، ولا حاجة إلى العائد ؛ لأنها هي هو ، أو لما سئل عنه صلى الله عليه وسلم ، أي الذي سألتموني عنه هو الله ؛ إذ روي أن قريشا قالوا : يا محمد ، صف لنا ربك الذي تدعونا إليه . فنزلت .
وأحد بدل ، أو خبر ثان ، يدل على مجامع صفات الجلال ، كما دل الله على جميع صفات الكمال ؛ إذ الواحد الحقيقي ما يكون منزه الذات عن أنحاء التركيب والتعدد ، وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة في الحقيقة وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة المقتضية للألوهية .
وقرئ ( هو الله ) بلا قل ، مع الاتفاق على أنه لا بد منه في { قل يا أيها الكافرون } ، ولا يجوز في { تبت } ، ولعل ذاك لأن سورة الكافرون مشاقة الرسول ، أو موادعته لهم ، وتبت معاتبة عمه ، فلا يناسب أن تكون منه ، وأما هذا فتوحيد يقول به تارة ، ويؤمر بأن يدعو إليه أخرى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.