ثم تابع - سبحانه - التهكم بهم ، وتعجب الناس من أفن رأيهم ، مع تذكيرهم بسوء مصيرهم فقال : - { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ الله } ؟
والمشار إليه بقوله : { ذلك } يعود إلى ما نقمه اليهود على المؤمنين من إيمانهم بالله وبالكتب السماوية وقيل يعود إلى الكثرة الفاسقة من أهل الكتاب المعبر عنها بقوله : { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } وتوحيد اسم الإِشارة لكونه يشار به إلى الواحد وغيره . أو لتأويله بالمذكور ونحوه .
والخاطب لأهل الكتاب المتقدم ذكرهم وقيل للكفار مطلقا ، وقيل للمؤمنين .
والمثوبة : مصدر ميمي بمعنى الثواب الثابت على العمل ، وأكثر استعمالها في الخير .
وقد استعملت هنا بمعنى العقوبة على طريقة التهكم بهم كما في قوله - تعالى - : { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وهي منصوبة على أنها تمييز لقوله { بشر } .
وقوله : { مَن لَّعَنَهُ الله } خبر لمبتدأ محذوف أي : هو من لعنه الله : والمراد اليهود لأن الصفات التي ذكرت في الآية لا تنطبق إلا عليهم .
والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء اليهود الذين عابوا على المؤمنين إيمانهم بالله وبما أنزله من كتب سماوية والذين قالوا لكم : ما نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم ، ولا دينا شرا من دنيكم قل لهم على سبيل التبكيت والتنبيه على ضلالهم : هل أخبركم بشر من أهل ذلك الدين عقوبة عند الله يوم القيامة ؟ هو من { لَّعَنَهُ الله } أي أبعده من رحمته { وَغَضِبَ عَلَيْهِ } بأن منع عنه رضاه { وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير } بأن مسخ بعضهم قردة وبضعهم خنازير وجعل منهم من عبد الطاغوت ، أي : من عبد كل معبود باطل من دون الله كالأصنام والأوثان وغير ذلك من المعبودات الباطلة التي ابتعوها بسبب طغيانهم وفساد نفوسهم .
فإن قيل : إن قوله - { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً } يفيد أن ما عابه اليهود على المؤمنين من إيمانهم بالله فيه شر . إلا أن ما عليه اليهود أشد شرا ، مع أن إِيمان المؤمنين لا شر فيه ألبتة بل هو عين الخير فكيف ذلك ؟
فالجواب ، أن الكلام مسوق على سبيل المشاكلة ، والمجاراة لتفكير اليهود الفاسد ، وزعمهم الباطل ، فكأنه - سبحانه - يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم إن هؤلاء اليهود - يا محمد - ينكورن عليهكم إيمانكم بالله وبالكتب السماوية ويعتبرون ذلك شراً - مع أنه عين الخير - قل لهم على سبيل التبكيت وإلزامهم الحجة :
لئن كنتم تعيبون علينا إيماننا وتعتبرونه شرا لا خير فيه - في زعمكم فشر منه عاقبة ومآلا ما أنتم عليه من لعن وطرد من رحمة الله ، وما أصاب أسلافكم من مسخ بعضهم قردة ، وبعضهم خنازير ، وما عرف عنكم من عبادة لغير الله . . . وشبيه بهذه الآية في مجاراة الخصم في زعمه قوله - تعالى - { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } وقوله : { أولئك شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ السبيل } بيان لسوء عاقبتهم وقبح مكانتهم . .
أي : أولئك المتصفون بما ذكر من الفسوق واللعن والطرد من رحمة الله أولئك المتصفون بذلك { شَرٌّ مَّكَاناً } من غيرهم وأكثر ضلالا عن طريق الحق المستقيم من سواهم ، فهم في الدنيا يشركون بالله ، وينتهكون محارمه وفي الآخرة مأواهم النار وبئس القرار .
وقوله { أولئك } مبتدأ وقوله { شر } خبره ، وقوله { مكانا } تمييز محول عن الفاعل .
وأثبت - سبحانه - الشرية لمكانهم ليكون أبلغ في الدلالة على كثرة شرورهم ، إذ أن إثبات الشرية لمكان الشيء كناية عن إثباتها للشيء نفسه . فكأن شرهم قد أثر في مكانهم ، أو عظم وضخم حتى صار متجسما .
وقوله : { وأضل } معطوف على { شر } مقرر له . والمقصود من صيغتي التفضيل في قوله : { أولئك شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ } الزيادة مطلقا من غير نظر إلى مشاركة غيرهم في ذلك . أو بالنسبة إلى غيرهم من الكفار الذين لم يفجروا فجورهم ، ولم يحقدوا على المؤمنين حقدهم .
{ قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطّاغُوتَ أُوْلََئِكَ شَرّ مّكَاناً وَأَضَلّ عَن سَوَآءِ السّبِيلِ } . .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار : هل أنبئكم يا معشر أهل الكتاب بشرّ من ثواب ما تنقمون منا من إيماننا بالله ، وما أنزل إلينا من كتاب الله ، وما أنزل من قبلنا من كتبه ؟ غير أن العين لما سكنت ، نقلت حركتها إلى الفاء ، وهي الثاء من «مثوبة » ، فخرجت مخرج مقولة ، ومحورة ، ومضوفة ، كما قال الشاعر :
وكُنْتُ إذَا جارِي دَعا لِمَضُوفَةٍ ***أُشَمّرُ حتى يَنْصُفَ السّاقَ مِئْزَرِي
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل : ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرَ مِنْ ذَلِكَ مَتُوبَةً عِنْدَ اللّهِ يقول : ثوابا عند الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : هَلْ أُنَبّئُكُمْ بَشَرَ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللّهِ قال : المثوبة : الثواب ، مثوبة ، مثوبة الخير ومثوبة الشرّ ، وقرأ : «شَرّ ثَوَابا » .
وأما «مَن » في قوله : مَنْ لَعَنَهُ اللّهُ فإنه في موضع خفض ردّا على قوله : بِشَرّ مِنْ ذَلِكَ .
فكأن تأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك : قل هل أنبئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند الله بمن لعنه الله . ولو قيل هو في موضع رفع لكان صوابا على الاستئناف ، بمعنى : ذلك من لعنه الله ، أو هو من لعنه الله . ولو قيل هو في موضع نصب لم يكن فاسدا ، بمعنى : قل هل أنبئكم من لعنه الله ، فيجعل «أنبئكم » على ما في من واقعا عليه . وأما معنى قوله : مَنْ لَعَنَهُ اللّهُ فإنه يعني : من أبعده الله وأسحقه من رحمته وغضب عليه . وَجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ والخَنازِيرَ يقول : وغضب عليه ، وجعل منهم المسوخ القردة والخنازير ، غضبا منه عليهم وسخطا ، فعجّل لهم الخزي والنكال في الدنيا . وأما سبب مسخ الله من مسخ منهم قردة فقد ذكرنا بعضه فيما مضى من كتابنا هذا ، وسنذكر بقيته إن شاء الله في مكان غير هذا .
وأما سبب مسخ الله من مُسِخ منهم خنازير ، فإنه كان فيما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق ، عن عمرو بن كثير بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري ، قال : حدثت أن المسخ في بني إسرائيل من الخنازير كان أن امرأة من بني إسرائيل كانت في قرية من قرى بني إسرائيل ، وكان فيها ملك بني إسرائيل ، وكانوا قد استجمعوا على الهلكة ، إلاّ أن تلك المرأة كانت على بقية من الإسلام متمسكة به ، فجعلت تدعو إلى الله حتى إذا اجتمع إليها ناس فتابعوها على أمرها ، قالت لهم : إنه لا بدّ لكم من أن تجاهدوا عن دين الله وأن تنادوا قومكم بذلك ، فاخرجوا فإني خارجة فخرجت وخرج إليها ذلك الملك في الناس ، فقتل أصحابها جميعا ، وانفلتت من بينهم . قال : ودعت إلى الله حتى تجمّع الناس إليها ، حتى إذا رضيت منهم أمرتهم بالخروج ، فخرجوا وخرجت معهم ، وأصيبوا جميعا وانفلتت من بينهم . ثم دعت إلى الله ، حتى إذا اجتمع إليها رجال استجابوا لها ، أمرتهم بالخروح ، فخرجوا وخرجت ، فأصيبوا جميعا ، وانفلتت من بينهم . فرجعت وقد أيست ، وهي تقول : سبحان الله لو كان لهذا الدين وليّ وناصر لقد أظهره بعد قال : فباتت محزونة ، وأصبح أهل القرية يسعون في نواحيها خنازير وقد مسخهم الله في ليلتهم تلك ، فقالت حين أصبحت ورأت ما رأت : اليوم أعلم أن الله قد أعزّ دينه وأمر دينه قال : فما كان مسخ الخنازير في بني إسرائيل إلاّ على يدي تلك المرأة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : وَجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ وَالخَنازِيرَ قال : مسخت من يهود .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
وللمسخ سبب فيما ذكر غير الذي ذكرناه سنذكره في موضعه إن شاء الله .
القول في تأويل قوله تعالى : وَعَبَدَ الطّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرّ مَكانا وأضَلّ عَنْ سَوَاءِ السّبِيلِ .
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته قرّاء الحجاز والشام والبصرة وبعض الكوفيين : وَعَبَدَ الطّاغُوتَ بمعنى : وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت ، بمعنى : عابد ، فجعل «عبد » فعلاً ماضيا من صلة المضمر ، ونصب «الطاغوت » بوقوع عبد عليه . وقرأ ذلك جماعة من الكوفيين : «وَعَبُدَ ماضيا من صلة المضمر ، ونصب «الطاغوت » بوقوع عبد عليه . وقرأ ذلك جماعة من الكوفيين : «وَعَبُدَ الطاغوتِ » بفتح العين من عبد وضمّ بائها وخفض «الطاغوت » بإضافة «عبد » إليه ، وعنوا بذلك : وخدم الطاغوت .
حدثني بذلك المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، قال : ثني حمزة ، عن الأعمش ، عن يحيى بن وثاب أنه قرأ : «وَعَبُدَ الطّاغُوتِ » يقول : خدم . قال عبد الرحمن : وكان حمزة كذلك يقرؤها .
حدثني ابن وكيع وابن حميد ، قالا : حدثنا جرير ، عن الأعمش أنه كان يقرؤها كذلك .
وكان الفرّاء يقول : إن يكن فيه لغة مثل حذِرٍ وحذُر ، وعجِلٍ وعجُلٍ ، فهو وجه والله أعلم . وإلا فإن أراد قول الشاعر :
أبَنِي لُبَيْنَي إنّ أُمّكُمُ ***أمَةٌ وإنّ أباكُمُ عَبُدُ
فإن هذا من ضرورة الشعر . وهذا يجوز في الشعر لضرورة القوافي ، وأما في القراءة فلا . وقرأ ذلك آخرون وَعُبُدَ الطّاغُوتِ ذكر ذلك عن الأعمش ، وكأن من قرأ ذلك كذلك أراد جمع الجمع من العبد ، كأنه جمع العبد عبيدا ، ثم جمع العبيد عُبُدا ، مثل ثمار وثُمُر . وذكر عن أبي جعفر القارىء أنه يقرؤه : وَعُبِدَ الطّاغُوتُ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : كان أبو جعفر النحوي يقرؤها : وعُبِدَ الطّاغُوتُ كما يقول : ضُرِبَ عبد الله .
قال أبو جعفر : وهذه قراءة لا معنى لها ، لأن الله تعالى إنما ابتدأ الخبر بذمّ أقوام ، فكان فيما ذمهم به عبادتهم الطاغوت . وأما الخبر عن أن الطاغوت قد عُبِد ، فليس من نوع الخبر الذي ابتدأ به الاَية ، ولا من جنس ما ختمها به ، فيكون له وجه يوجه إليه من الصحة . وذكر أن بريدة الأسلمي كان يقرؤه : «وعابِدَ الطاغوتِ » .
حدثني بذلك المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا شيخ بصري : أن بريدة كان يقرؤه كذلك .
ولو قرىء ذلك : «وعَبَدَ الطاغوتِ » ، بالكسر كان له مخرج في العربية صحيح ، وإن لم أستجز اليوم القراءة بها ، إذ كانت قراءة الحجة من القرّاء بخلافها ووجه جوازها في العربية أن يكون مرادا بها وعَبَدة الطاغوت ، ثم حذفت الهاء من العبدة للإضافة ، كما قال الراجز :
***قامَ وُلاها فَسَقوْهخ صَرْخَدَا ***
يريد : قام ولاتها ، فحذف التاء من ولاتها للإضافة .
وأما قراءة القرّاء فبأحد الوجهين اللذين بدأت بذكرهما ، وهو : «وَعَبدَ الطّاغُوتَ » بنصب الطاغوت وإعمال «عَبَدَ » فيه ، وتوجيه «عبد » إلى أنه فعل ماض من العبادة . والاَخر : «عَبُدَ الطّاغُوتِ » على مثال فَعُل ، وخفض «الطاغوت » بإضافة «عبُد » إليه . فإذا كانت قراءة القرّاء بأحد هذين الوجهين دون غيرهما من الأوجه التي هي أصحّ مخرجا في العربية منهما ، فأولاهما بالصواب من القراءة قراءة من قرأ ذلك : وعَبَدَ الطّاغُوتَ بمعنى : وجعل منهم القردة والخنازير ، ومن عبد الطاغوت لأنه ذكر أن ذلك في قراءة أبيّ بن كعب وابن مسعود : «وَجَعَلَ مِنْهُمْ القِردَةَ والخنازيرَ وَعَبَدُ والطّاغُوتَ » بمعنى : والذين عبدوا الطاغوت . ففي ذلك دليل واضح على صحة المعنى الذي ذكرنا من أنه مراد به : ومن عبد الطاغوت ، وأن النصب بالطاغوت أولى على ما وصفت في القراءة لإعمال «عبد » فيه ، إذ كان الوجه الاَخر غير مستفيض في العرب ولا معروف في كلامها على أن أهل العربية يستنكرون إعمال شيء في «مَنْ » و«الذي المضمرين مع «مِنْ » و«في » إذا كفت «مِنْ » أو «في » منهما ، ويستقبحونه ، حتى كان بعضهم يحيل ذلك ولا يجيزه . وكان الذي يحيل ذلك يقرؤه : «وعَبُدَ الطاغوتِ » ، فهو على قوله خطأ ولحن غير جائز . وكان آخرون منهم يستجيزونه على قبح ، فالواجب على قولهم أن تكون القراءة بذلك قبيحة وهم مع استقباحهم ذلك في الكلام قد اختاروا القراءة بها ، وإعمال وجعل في «مَنْ » وهي محذوفة مع «مِن » ولو كنا نستجيز مخالفة الجماعة في شيء مما جاءت به مجمعة عليه ، لاخترنا القراءة بغير هاتين القراءتين ، غير أن ما جاء به المسلمون مستفيضا ، فهم لا يتناكرونه ، فلا نستجيز الخروج منه إلى غيره فلذلك لم نستجز القراءة بخلاف إحدى القراءتين اللتين ذكرنا أنهم لم يعدوهما .
وإذ كانت القراءة عندنا ما ذكرنا ، فتأويل الاَية : قل هل أنبئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند الله : من لعنه ، وغضب عليه ، وجعل منهم القردة والخنازير ، ومن عبد الطاغوت . وقد بينا معنى الطاغوت فيما مضى بشواهده من الروايات وغيرها ، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا .
وأما قوله : أُولَئِكَ شَر مَكانا وأضَلّ عَنْ سَوَاءِ السّبِيلِ فإه يعني بقوله : «أولئك » : هؤلاء الذين ذكرهم تعالى ذكره ، وهم الذين وصف صفتهم ، فقال : من لعنه الله ، وغضب عليه ، وجعل منهم القردة والخنازير ، وعبد الطاغوت وكل ذلك صفتهم ، فقال : من لعنه الله ، وغضب عليه ، وجعل منهم القردة والخنازير ، وعبد الطاغوت وكل ذلك من صفة اليهود من بني إسرائيل . يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين هذه صفتهم شرّ مكانا في عاجل الدنيا والاَخرة عند الله ممن نقمتم عليهم يا معشر اليهود إيمانهم بالله وبما أنزل إليهم من عند الله من الكتاب وبما أنزل إلى من قبلهم من الأنبياء ، وأَضَلّ عَنْ سَوَاء السّبِيل يقول تعالى ذكره : وأنتم مع ذلك أيها اليهود ، أشدّ أخذا على غير الطريق القويم ، وأجور عن سبيل الرشد والقصد منهم . وهذا من لَحْنِ الكلام ، وذلك أن الله تعالى ذكره إنما قصد بهذا الخبر إخبار اليهود الذين وصف صفتهم في الاَيات قبل هذه بقبيح فعالهم وذميم أخلاقهم واستيجابهم سخطه بكثرة ذنوبهم ومعاصيهم ، حتى مُسِخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير ، خطابا منه لهم بذلك تعريضا بالجميل من الخطاب ، ولَحَنَ لهم بما عرفوا معناه من الكلام بأحسن اللّحن ، وعلّم نبيه صلى الله عليه وسلم من الأدب أحسنه ، فقال له : قل لهم يا محمد ، أهؤلاء المؤمنون بالله وبكتبه الذين تستهزءون منهم شرّ أم من لعنه الله ؟ وهو يعني المقول ذلك لهم .
{ قل هل أنبئكم بشر من ذلك } أي من ذلك المنقوم . { مثوبة عند الله } جزاء ثابتا عند الله سبحانه وتعالى ، والمثوبة مختصة بالخير كالعقوبة بالشر فوضعت ها هنا موضعها على طريقة قوله :
ونصبها على التمييز عن بشر . { من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير } بدل من بشر على حذف مضاف أي بشر من أهل ذلك من لعنه الله ، أو بشر من ذلك دين من لعنه الله ، أو خبر محذوف أي هو من لعنه الله وهم اليهود أبعدهم الله من رحمته وسخط عليهم بكفرهم وانهماكهم في المعاصي بعد وضوح الآيات ، ومسخ بعضهم قردة وهم أصحاب السبت ، وبعضهم خنازير وهم كفار أهل مائدة عيسى عليه الصلاة والسلام . وقيل كلا المسخين في أصحاب السبت مسخت شبانهم قردة ومشايخهم خنازير . { وعبد الطاغوت } عطف على صلة من وكذا { عبد الطاغوت } على البناء للمفعول ، ورفع { الطاغوت } و{ عبد } بمعنى صار معبودا ، فيكون الراجع محذوفا أي فيهم أو بينهم ، ومن قرأ " وعابد الطاغوت " أو { عبد } على أنه نعت كفطن ويقظ أو عبدة أو { عبد الطاغوت } على أنه جمع كخدم أو أن أصله عبدة فحذف التاء للإضافة عطفه على القردة ، ومن قرأ { وعبد الطاغوت } بالجر عطفه على من ، والمراد { من } الطاغوت العجل وقيل الكهنة وكل من أطاعوه في معصية الله تعالى . { أولئك } أي الملعونون . { شر مكانا } جعل مكانهم شرا ليكون أبلغ في الدلالة على شرارتهم ، وقيل { مكانا } منصرفا . { وأضل عن سواء السبيل } قصد الطريق المتوسط بين غلو النصارى وقدح اليهود ، والمراد من صيغتي التفضيل الزيادة مطلقا لا بالإضافة إلى المؤمنين في الشرارة والضلالة .
وقوله تعالى : { قل هل أنبئكم } قرأ الجمهور بفتح النون وشد الباء ، وقرأ ابن وثاب والنخعي «انْبئكم » بسكون النون وتخفيف الباء من أنبأ وقرأ أكثر الناس : «مثُوْبة » بضم الثاء وسكون الواو ، وقرأ ابن بريدة والأعرج ونبيح وابن عمران «مثْوَبة » بسكون الثاء وفتح الواو ، وقال أبو الفتح هذا مما خرج عن أصله شاذاً عن نظائره ، ومثله قول العرب : الفاكهة مقْوَدة إلى الأذى ، بسكون القاف وفتح الواو ، والقياس مثابة ومقادة ، وأما مثُوبة بضم الثاء فأصلها مثوبة وزنها مفعلة بضم العين نقلت حركة الواو إلى الثاء وكانت قبل مثووبة مثل مقوولة{[4]} ، والمعنى في القراءتين مرجعاً عند الله أي في الحشر يوم القيامة ، تقول العرب : ثاب يثوب إذا رجع ، منه قوله تعالى : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً }{[5]} ومشى المفسرون في هذه الآية على أن الذين أمر أن يقول لهم { هل أنبئكم } هم اليهود والكفار المتخذون ديننا هزؤاً ولعباً ، قال ذلك الطبري وتوبع عليه ولم يسند في ذلك إلى متقدم شيئاً ، والآية تحتمل أن يكون القول للمؤمنين ، أي قل يا محمد للمؤمنين هل أنبئكم بشرٍّ من حال هؤلاء الفاسقين في وقت الرجوع إلى الله ، أولئك أسلافهم الذين لعنهم الله وغضب عليهم ، فتكون الإشارة بذلك إلى حالهم من كون أكثرهم فاسقين ، وتحتمل الآية أن يكون القول للحاضرين من بني إسرائيل وتكون الإشارة بذلك إلى حال الحاضرين من كون أكثرهم فاسقين ويكون قوله { شر وأضل } صفتي تفضيل بين شيئين لهما اشتراك في الشر والضلال ، وتحتمل الآية أن يكون القول للحاضرين من بني إسرائيل والإشارة بذلك إلى إيمان المؤمنين وجميع حالهم ويوجه التفضيل ب { شر وأضل } على أن الاشتراك في الشر والضلال هو في معتقد اليهود فأما في الحقيقة فلا شر ولا ضلال عند المؤمنين ، ولا شركة لهم في ذلك مع اليهود والكفار ، ويكون على هذا الاحتمال قوله : { من لعنه الله } الآية يراد به جميع بني إسرائيل الأسلاف والأخلاف ، لأن الخلف يذم ويعير بمذمات السلف إذا كان الخلف غير مراجع ولا ذام لما كان عليه سلفه ، فهو في حكمه ، وفي قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود «من غضب الله عليهم وجعلهم قردة وخنازير » ، واللعنة الإبعاد عن الخير ، وقوله تعالى : { وجعل } هي بمعنى صير ، وقال أبو علي في كتاب الحجة هي بمعنى خلق .
قال القاضي أبو محمد : وهذه منه رحمه الله نزعة اعتزالية ، لأن قوله : { وعبد الطاغوت } تقديره ومن عبد الطاغوت ، والمعتزلة لا ترى أن الله يصير أحداً عابد الطاغوت ، وقد تقدم قصص مسخهم قردة في سورة البقرة ، وأما مسخهم خنازير ، فروي أن ذلك بسبب امرأة كانت مؤمنة من بني إسرائيل وكفر ملك منهم في مدينة من مدنهم وكفر معه أهل مملكته ، فدعت المرأة قوماً إلى نصرة الدين فأجابوها فخرجت بهم فهزموا ثم فعلت ذلك ثانية وثالثة في كل مرة يهزم جمعها ، فيئست وباتت مهمومة ، فلما أصبح رأت أهل تلك المدينة يسعون{[6]} في نواحيها خنازير فقالت : الآن أعلم أن الله أعز دينه وآثر دينه ، قال عمرو بن كثير بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري ما كان مسخ بني إسرائيل إلا على يدي تلك المرأة ، وقوله تعالى : { وعبد الطاغوت } تقديره ومن عبد الطاغوت ، وذلك عطف على قوله : { من لعنه الله } أو معمول ل { جعل } وفي هذا يقول أبو علي : إن { جعل } بمعنى خلق ، واختلفت القراءة في هذا الحرف فقرأ حمزة وحده «وعَبُد الطاغوت » بفتح العين وضم الباء وكسر التاء من الطاغوت وذلك أن «عبد » لفظ مبالغة كيقظ وَنُدَس{[7]} ، فهو لفظ مفرد يراد به الجنس وبني بناء الصفات ، لأن «عبداً » في الأصل صفة وإن كان استعمل استعمال الأسماء ، وذلك لا يخرجه عن حكم الصفة فلذلك لم يمتنع أن يبنى منه بناء الصفات ، وقرأ بهذه القراءة الأعمش ويحيى بن وثاب ، ومنه قول الشاعر[ أوس بن حجر ] : ***
أبني لبينى إن أمكم أمة وإن أباكم َعُبُد
ذكره الطبري وغيره بضم الباء وقرأ الباقون «وعَبَد الطاغوت » بفتح العين والباء على الفعل الماضي وإعماله في الطاغوت وقد تقدم ذكره ، وقرأ أبي بن كعب «عبدوا الطاغوت » ، على إسناد الفعل الماضي إلى ضمير جمع ، وقرأ ابن مسعود فيما روى عبد الغفار عن علقمة عنه «وعَبُد الطاغوتُ » بفتح العين وضم الباء ورفع التاء من الطاغوت ، وذلك على أن يصير له أن «عبد » كالخلق والأمر المعتاد المعروف ، فهي في معنى فقه وشرف وظرف ، وقرأ ابن عباس وإبراهيم بن أبي عبلة «وعَبَد الطاغوتِ » بفتح العين والباء وكسر التاء من الطاغوت ، وذلك على أن المراد عبدة الطاغوت وحذفت الهاء تخفيفاً{[8]} ومثله قول الراجر :
*قام ولاها فسقوها صرخدا{[9]}*
أراد ولاتها فحذف تخفيفاً ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن في رواية عباد عنه «وعَبْد الطاغوتِ » بفتح العين وسكون الباء وكسر التاء من الطاغوت وهذا على أنه اسم جنس مفرد يراد به جميع ، وروي عن الحسن من غير طريق عباد أنه قرأ بفتح العين والدال وسكون الباء ونصب التاء من الطاغوت ، وهذه تتجه على وجهين أحدهما أنه أراد و «عبداً الطاغوت » فحذف التنوين كما حذف في قول الشاعر :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** ولا ذاكر الله إلا قليلا{[10]}
والوجه الآخر أن يريد «عبد » الذي هو فعل ما ض وسكن الباء على نحو ما هي عين الفعل مسكنة في قول الشاعر :
وما كل مغبون ولو سلْف صفقة *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[11]}
فإن اللام من سلف مسكنة ونحو هذا قول أبي السمال «ولعْنوا بما قالوا »{[12]} بسكون العين ، فهذه قراءات العين فيها مفتوحة ، وقرأ أبو واقد الأعرابي في رواية العباس بن الفضل عنه «وعُبَّادَ الطاغوتِ » بضم العين وشد الباء المفتوحة وألف بعدها وفتح الدال وكسر التاء من الطاغوت وذلك جمع عابد ، وقرأ عون العقيلي فيما روى عنه العباس بن الفضل أيضاً «وعابدُ الطاغوت » على وزن فاعل والدال مرفوعة ، قال ابو عمرو تقديره : وهم عابد الطاغوت .
قال القاضي أبو محمد : فهو اسم جنس ، وروى عكرمة عن ابن عباس «وعابدو الطاغوت » بضمير جمع ، وقد قال بعض الرواة في هذه الأخيرة إنها تجويز لا قراءة ، وقرأ ابن بريدة «وعابِدِ الطاغوتِ » بفتح العين والدال وكسر الباء والتاء ، وقرأ بعض البصريين و «عباد الطاغوت » بكسر العين وفتح الباء والدال وألف بينهما وكسر التاء ، قال أبو الفتح فيحتمل أن يكون ذلك جمع عابد كقائم وقيام وصائم وصيام ، وقد يجوز أن يكون جمع عبد ، وقل ما يأتي عباد مضافاً إلى غير الله ، وأنشد سيبويه :
أتوعدني بقومك يا ابن حجل *** أشابات يخالون العبادا{[13]}
قال أبو الفتح يريد عباد آدم عليه السلام ، ولو أراد عباد الله فليس ذلك شيء يسب به أحد ، وجميع الخلق عباد الله .
قال القاضي أبو محمد : وهذا التعليق بآدم صلى الله عليه وسلم شاذ بعيد والاعتراض فيه باق ، وليس هذا مما يتخيل أن الشاعر قصده ، وإنما أراد العبيد فساقته القافية إلى العباد ، إذ يقال ذلك لمن تملك ملكة ما وقد ذكر أن عرب الحيرة من العراق إنما سمّوا العباد لأنهم دخلوا في طاعة كسرى فدانتهم مملكته ، وذكر الطبري عن بريدة الأسلمي أنه كان يقرأ «وعَابِدَ الشيطان » بفتح العين والدال وكسر الباء وألف قبلها وذكر الشيطان بدل الطاغوت فهذه قراءات فيها ألف ، وقرأ ابن عباس فيما روى عنه عكرمة وقرأها مجاهد ويحيى ابن وثاب «وعُبُدَ الطاغوتِ » بضم العين والباء وفتح الدال وكسر التاء ، وذلك جمع عبد كرهن ورهن وسقف وسقف ، وقال أحمد بن يحيى ثعلب : هو جمع عابد كشارف وشرف ، ومنه قول القينة :
ألا يا حمز للشرف النواء *** وهن معلقات بالفناء{[14]}
وقال أبو الحسن الأخفش : هو جمع عبيد وأنشد :
أنسب العبد إلى آبائه *** أسود الجلدة من قوم عبد{[15]}
وقرأ الأعمش وغيره «وعُبَّدَ الطاغوتِ » بضم العين وشد الباء المفتوحة وفتح الدال وكسر التاء وذلك على جمع عابد كضارب وضرب . وقرأ إبراهيم النخعي وأبو جعفر بن القعقاع والأعمش في رواية هارون «وعُبِدَ الطاغوتُ » بضم العين وكسر الباء وفتح الدال وضم التاء كما تقول ضرب زيد ، وضعّف الطبري هذه القراءة وهي متجهة{[16]} ، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ «وعبدت الطاغوت » كما تقول ضربت المرأة ، وروى علقمة عن عبد الله بن مسعود «وعُبَدَ الطاغوتِ » بضم العين وفتح الباء والدال وكسر التاء ، وهذا أيضاً بناء مبالغة اسم مفرد يراد به هنا الجمع ُبِني كحطم ولبد ، وروى عكرمة عن ابن عباس : «وعُبَّدَ الطاغوت » على وزن فعل بضم الفاء وشد العين المفتوحة وفتح اللام ونصب التاء وهذه تتخرج على أنه أراد وعبداً منوناً ثم حذف التنوين كما قال ، ولا ذاكر الله ، وقد تقدم نظيره{[17]} .
و { الطاغوت } كل ما عبد من دون الله من وثن أو آدمي يرضى ذلك أو شيطان ، وقد استوعبت تفسيره في سورة البقرة ، و «مكان » يحتمل أن يريد في الآخرة ، فالمكان على وجهه ، أي : المحل إذ محلهم جهنم . وأن يريد في الدنيا فهي استعارة للمكانة والحالة . و { سواء السبيل } وسطه ومنه قول العرب قمت حتى انقطع سوائي ، ومنه قوله تعالى : { في سواء الجحيم }{[18]} وخط الاستقامة في السبل إنما هو متمكن غاية التمكن في الأوساط فلذلك خص السواء بالذكر ، ومن لفظ السواء قيل خط الاستواء .
أمّا جعلهم قردة وخنازير فقد تقدّم القول في حقيقته في سورة البقرة . وأمّا كونهم عبدوا الطاغوت فهو إذ عبدوا الأصنام بعد أن كانوا أهل توحيد فمن ذلك عبادتهم العِجل .
والطاغوت : الأصنام ، وتقدّم عند قوله تعالى : { يؤمنون بالجبت والطاغوت } في سورة النّساء ( 51 ) .
وقرأ الجمهور { وعبدَ الطاغوتَ } بصيغة فعل المضيّ في { عبد } وبفتح التّاء من { الطاغوت } على أنّه مفعول { عبد } ، وهو معطوف على الصّلة في قوله { من لَعنهُ الله } ، أي ومن عبدوا الطاغوت . وقرأه حمزة وحْده بفتح العين وضمّ الموحّدة وفتح الدّال وبكسر الفوقيّة من كلمة الطاغوت على أن « عَبُد » جمع عَبْد ، وهو جمع سماعي قليل ، وهو على هذه القراءة معطوف على { القردة والخنازير } .
والمقصود من ذكر ذلك هنا تعيير اليهود المجادلين للمسلمين بمساوي أسلافهم إبكاتاً لهم عن التطاول . على أنّه إذا كانت تلك شنشنتهم أزمانَ قيام الرسل والنبيئين بين ظهرانَيْهم فهم فيما بعد ذلك أسوأ حالاً وأجدر بكونهم شرّاً ، فيكون الكلام من ذمّ القبيل كلّه . على أنّ كثيراً من موجبات اللّعنة والغضب والمسخ قد ارتكبتها الأخلاف ، على أنّهم شتموا المسلمين بما زعموا أنّه دينهم فيحقّ شتمهم بما نعتقده فيهم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار: هل أنبئكم يا معشر أهل الكتاب بشرّ من ثواب ما تنقمون منا من إيماننا بالله، وما أنزل إلينا من كتاب الله، وما أنزل من قبلنا من كتبه؟...
فكأن تأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك: قل هل أنبئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند الله بمن لعنه الله. ولو قيل: ذلك من لعنه الله، أو هو من لعنه الله... "مَنْ لَعَنَهُ اللّهُ": من أبعده الله وأسحقه من رحمته وغضب عليه. "وَجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ والخَنازِيرَ "يقول: وغضب عليه، وجعل منهم المسوخ: القردة والخنازير، غضبا منه عليهم وسخطا، فعجّل لهم الخزي والنكال في الدنيا... "وَعَبَدَ الطّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرّ مَكانا وأضَلّ عَنْ سَوَاءِ السّبِيلِ".
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته قرّاء الحجاز والشام والبصرة وبعض الكوفيين: وَعَبَدَ الطّاغُوتَ بمعنى: وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت، بمعنى: عابد...
وقرأ ذلك جماعة من الكوفيين: «وَعَبُدَ ماضيا من صلة المضمر، ونصب «الطاغوت» بوقوع عبد عليه. وقرأ ذلك جماعة من الكوفيين: «وَعَبُدَ الطاغوتِ» بفتح العين من عبد وضمّ بائها وخفض «الطاغوت» بإضافة «عبد» إليه، وعنوا بذلك: وخدم الطاغوت.
وأما قراءة القرّاء فبأحد الوجهين اللذين بدأت بذكرهما، وهو: «وَعَبدَ الطّاغُوتَ» بنصب الطاغوت وإعمال «عَبَدَ» فيه، وتوجيه «عبد» إلى أنه فعل ماض من العبادة. والاَخر: «عَبُدَ الطّاغُوتِ» على مثال فَعُل، وخفض «الطاغوت» بإضافة «عبُد» إليه. فإذا كانت قراءة القرّاء بأحد هذين الوجهين دون غيرهما من الأوجه التي هي أصحّ مخرجا في العربية منهما، فأولاهما بالصواب من القراءة قراءة من قرأ ذلك: "وعَبَدَ الطّاغُوتَ" بمعنى: وجعل منهم القردة والخنازير، ومن عبد الطاغوت لأنه ذكر أن ذلك في قراءة أبيّ بن كعب وابن مسعود: «وَجَعَلَ مِنْهُمْ القِردَةَ والخنازيرَ وَعَبَدُوا الطّاغُوتَ» بمعنى: والذين عبدوا الطاغوت. ففي ذلك دليل واضح على صحة المعنى الذي ذكرنا من أنه مراد به: ومن عبد الطاغوت...
وأما قوله: "أُولَئِكَ شَر مَكانا وأضَلّ عَنْ سَوَاءِ السّبِيلِ" فإنه يعني بقوله: «أولئك»: هؤلاء الذين ذكرهم تعالى ذكره، وهم الذين وصف صفتهم، فقال: "من لعنه الله، وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير، وعبد الطاغوت" وكل ذلك من صفة اليهود من بني إسرائيل. يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم "شرّ مكانا" في عاجل الدنيا والآخرة عند الله ممن نقمتم عليهم يا معشر اليهود إيمانهم بالله وبما أنزل إليهم من عند الله من الكتاب وبما أنزل إلى من قبلهم من الأنبياء، "وأَضَلّ عَنْ سَوَاء السّبِيل" يقول تعالى ذكره: وأنتم مع ذلك أيها اليهود، أشدّ أخذا على غير الطريق القويم، وأجور عن سبيل الرشد والقصد منهم. وهذا من لَحْنِ الكلام، وذلك أن الله تعالى ذكره إنما قصد بهذا الخبر إخبار اليهود الذين وصف صفتهم في الآيات قبل هذه بقبيح فعالهم وذميم أخلاقهم واستيجابهم سخطه بكثرة ذنوبهم ومعاصيهم، حتى مُسِخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير، خطابا منه لهم بذلك تعريضا بالجميل من الخطاب، ولَحَنَ لهم بما عرفوا معناه من الكلام بأحسن اللّحن، وعلّم نبيه صلى الله عليه وسلم من الأدب أحسنه، فقال له: قل لهم يا محمد، أهؤلاء المؤمنون بالله وبكتبه الذين تستهزءون منهم شرّ أم من لعنه الله؟ وهو يعني المقول ذلك لهم.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
يعني أخسُّ من المذكورين قَدْراً، وأقل منهم خطراً من سقط عن عين الله فأذلَّه، وأبعده عن نعت التخصيص فأضلَّه، ومنعه عن وصف التقريب وأبعده، وحجبه عن شهود الحقيقة وطرده.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما أنزلهم سبحانه إلى عداد البهائم بكونهم ينسبونهم إلى الشر بجعلهم إياهم موضع الهزء واللعب وبكونهم ينظرون إلى أي من خالفهم، فيبعدون منه وينفرون عنه من غير أن يستعملوا ما امتازوا به عن البهائم في أن المخالف ربما كان فيه الدواء، والمكروه قد يؤول إلى الشفاء، والمحبوب يجر إلى العطب والتوى، بين لهم أن تلك رتبة سنية ومنزلة علية بالنسبة إلى ما هم فيه، فقال على سبيل التنزل وإرخاء العنان: {قل} أي يا من لا ينهض بمحاجتهم لعلمهم ولددهم غيره لما جبلت عليه من قوة الفهم ثم لما أنزل عليك من العلم {هل أنبئكم} أي أخبركم إخباراً متقناً معظماً جليلاً {بشر من ذلك} أي الأمر الذي نقمتموه علينا مع كونه قيماً وإن تعاميتم عنه، ووحد حرف الخطاب إشارة إلى عمى قلوبهم وأن هذه المقايسة لا يفهمها حق الفهم إلا المؤيد بروح من الله {مثوبة} أي جزاء صالحاً ويرجع إليه، فإن المثوبة للخير كما أن العقوبة للشر، وهي مصدر ميمي كالميسور والمعقول، ثم نوه بشرفه بقوله: {عند الله} أي المحيط بصفات الجلال والإكرام، ثم رده أسفل سافلين بياناً لأنه استعارة تهكمية على طريق: تحية بينهم ضرب وجيع.
بقوله -جواباً لمن كأنه قال: نعم: {من} أي مثوبة من {لعنة الله} أي أبعده الملك الأعظم وطرده {وغضب عليه} أي أهلكه، ودل على اللعن والغضب بأمر محسوس فقال: {وجعل} ودل على كثرة الملعونين بجمع الضمير فقال: {منهم} أي بالمسخ على معاصيهم {القردة} تارة {والخنازير} أخرى، والتعريف للجنس، وقال ابن قتيبة: إن التعريف يفيد ظن أنهم لم ينقرضوا بل توالدوا حتى كان منهم أعيان ما تعرفه من النوعين، فما أبعد من كان منهم هذا من أن يكونوا أبناء الله وأحباءه! ثم عطف- على قراءة الجماعة -على قوله {لعنه الله} سبب ذلك بعد أن قدم المسبب اهتماماً به لصراحته في المقصود، مع أن اللعن والغضب سبب حقيقي، والعبادة سبب ظاهري، فقال: {وعبد الطاغوت} وقرأه حمزة بضم الباء على أنه جمع والإضافة عطف على القردة، فهو- كما قال في القاموس -اللات والعزى والكاهن والشيطان وكل رأس ضلال والأصنام وكل ما عبد من دون الله ومردة أهل الكتاب، للواحد والجمع، وكل هذه المعاني تصلح ها هنا، أما اللات والعزى وغيرهما مما لم يعبدوه صريحاً فلتحسينهم دين أهله حسداً للإسلام، وقد عبدوا الأوثان في كل زمان حتى في زمان موسى عليه السلام كما في نص التوراة: ثم بالغوا في النجوم لاستعمال السحر فشاركوا الصابئين في ذلك. فمعنى الآية: تنزلنا إلى أن نسبتكم لنا إلى الشر صحيحة، ولكن لم يأت كتاب بلعننا ولا بالغضب علينا ولا مسخنا قردة ولا خنازير، ولا عبدنا غير الله منذ أقبلنا عليه، وأنتم قد وقع بكم جميع ذلك، لا تقدرون أن تتبرؤوا من شيء منه، فلا يشك عاقل أنكم شر منا وأضل، والعاقل من إذا دار أمره بين شرين لم يختر إلا أقلهما شراً، فثبت كالشمس صحة دعوى أنهم قوم لا يعقلون، ولذلك ختم الآية بقوله {أولئك} أي البعداء البغضاء الموصوفون باللعن وما معه {شر مكاناً} وإذا كان ذلك لمكانهم فما ظنك بأنفسهم، فهو كناية عن نسبتهم إلى العراقة في الشر {وأضل} أي ممن نسبوهم إلى الشر والضلال، وسلم لهم ذلك فيهم إرخاء للعنان قصداً للإبلاغ في البيان {عن سواء} أي قصد وعدل {السبيل} أي الطريق، ويجوز أن تكون الإشارة في ذلك إلى ما دل عليه الدليل الأول من عدم عقلهم ولا تنزل حينئذ...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ}؟ المثوبة كالمقولة من ثاب الشيء يثوب ثاب إليه، إذا رجع، فهي الجزاء والثواب. واستعماله في الجزاء الحسن أكثر، وقيل استعماله في الجزاء السيئ تهكم. والمعنى هل أنبئكم يا معشر المستهزئين بديننا وأذاننا بما شر من عملكم هذا ثوابا وجزاء عند الله تعالى؟ وهذا السؤال يستلزم سؤالا منهم عن ذلك، وجوابه قوله تعالى: {مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}. أي أن الذي هو شر من ذلك ثوابا وجزاء عند الله هو عمل من لعنه الله. أو جزاء من لعنه الله الخ فهو على حد قوله تعالى: {ولكن البر من اتقى} [البقرة:189] وقوله: {ولكن البر من آمن بالله} [البقرة:177] وفي هذا التعبير وجه آخر وهو: هل أنبئكم بشر من أهل العمل مثوبة عند الله؟ هم الذين لعنهم الله الخ. كما تقول في تفسير الآية الأخرى: ولكن ذا البر من اتقى.
انتقل بهذه الآية من تبكيت اليهود وإقامة الحجة على هزؤهم ولعبهم بما تقدم إلى ما هو أشد منه تبكيتا وتشنيعا عليهم، بما فيه التذكير بسوء حالهم مع أنبيائهم، وما كان من جزائهم على فسقهم وتمردهم، بأشد ما جازى الله تعالى به الفاسق الظالمين لأنفسهم، وهو اللعن والغضب والمسخ الصوري أو المعنوي وعبادة الطاغوت، وقد عظم هذا المعنى بتقديم الاستفهام عليه، المشوق إلى الأمر العظيم المنبئ عنه.
أما لعن الله لهم فهو مبين مع سببه في عدة آيات من سور البقرة والنساء. وقد تقدم تفسيره. وكذا هذه السورة (المائدة) فسيأتي في غير هذه الآية خبر لعنهم. ومنها أنهم لعنوا على لسان داود وعيسى ابن مريم عليهما السلام. وبعض ذلك اللعن مطلق وبعضه مقيد بأعمال لهم، كنقض الميثاق، والفرية على مريم العذراء، وترك التناهي عن المنكر. ومنه لعن أصحاب السبت أي الذين اعتدوا فيه، وقد ذكر في سورة البقرة مجملا، وسيأتي في سورة الأعراف مفصلا.
والغضب الإلهي يلزم اللعنة وتلزمه، بل اللعنة عبارة عن منتهى المؤاخذة لمن غضب الله عليه، وتقدم تفسير كل منهما.
وأما جعله منهم القردة والخنازير فتقدم في سورة البقرة وسيأتي في سورة الأعراف. قال تعالى في الأولى: {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين} [البقرة: 6] وقال بعد بيان اعتدائهم في السبت من الثانية: {فلما عتوا عما نهو عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين} [الأعراف:165] وجمهور المفسرين على أن معنى ذلك على أنهم مسخوا فكانوا قردة وخنازير حقيقة، وانقضوا، لأن الممسوخ لا يكون له نسل كما ورد. وفي الدر المنثور (أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله: (فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) قال مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة، وإنما هو مثل ضربه لهم كمثل الحمار يحمل أسفارا) فالمراد على هذا أنهم صاروا كالقردة في نزواتها، والخنازير في إتباع شهواتها. وتقدم في تفسير آية البقرة وترجيح هذا القول من جهة المعنى بعد نقله عن مجاهد من رواية ابن جرير.
قال: (مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة وإنما هو مثل ضربه الله لهم كمثل الحمار يحمل أسفارا) ولا عبرة برد ابن جرير قول مجاهد هذا وترجيحه القول الآخر فذلك اجتهاده، وكثيرا ما يرد به قول ابن عباس والجمهور. وليس قول مجاهد بالبعيد من استعماله اللغة. فمن فصيح اللغة أن تقول: ربى فلان الملك قومه أو جيشه على الشجاعة والغزو، فجعل منهم الأسود الضواري، وكان له منهم الذئاب المفترسة...
وقد تقدم أن الطاغوت اسم فيه معنى المبالغة من الطغيان الذي هو مجاوزة الحد المشروع والمعروف إلى الباطل والمنكر، فهو يشمل كل مصادر طغيانهم، وخصه بعض المفسرين بعبادة العجل، ولا دليل على التخصيص.
{أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} أي أولئك الموصوفون بما ذكر من المخازي والشنائع شر مكانا إذ لا مكان لهم في الآخرة إلا النار – أو المراد بإثبات الشر لمكانهم وإثباته لأنفسهم من باب الكناية، الذي هو كإثبات الشيء بدليله – وأضل عن قصد طريق الحق ووسطه الذي لا إفراط فيه ولا تفريط. ومن كان هذا شأنه يحمله على الاستهزاء بدين المسلمين وصلاتهم وأذانهم واتخاذهم هزؤا ولعبا إلا الجهل وعمى القلب.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ْ} وهو الشيطان، وكل ما عبد من دون الله فهو طاغوت.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم نمضي مع السياق القرآني في توجيه الله -سبحانه- لرسوله صلى الله عليه وسلم لمواجهة أهل الكتاب، بعد تقرير بواعثهم واستنكار هذه البواعث في النقمة على المسلمين.. فإذا هو يجبههم بتاريخ لهم قديم، وشأن لهم مع ربهم، وعقاب أليم: (قل: هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله؟ من لعنه الله وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير، وعبد الطاغوت. أولئك شر مكانا، وأضل عن سواء السبيل!) وهنا تطالعنا سحنة يهود، وتاريخ يهود! إنهم هم الذين لعنهم الله وغضب عليهم، وجعل منهم القردة والخنازير. إنهم هم الذين عبدوا الطاغوت.. وقصة لعنة الله لهم وغضبه عليهم واردة في مواضع شتى من القرآن الكريم؛ وكذلك قصة جعله منهم القردة والخنازير.. فأما قضية عبادتهم للطاغوت، فتحتاج إلى بيان هنا، لأنها لفتة ذات دلالة خاصة في سياق هذه السورة.. إن الطاغوت هو كل سلطان لا يستمد من سلطان الله، وكل حكم لا يقوم على شريعة الله، وكل عدوان يتجاوز الحق.. والعدوان على سلطان الله وألوهيته وحاكميته هو أشنع العدوان وأشده طغيانا، وأدخله في معنى الطاغوت لفظا ومعنى.. وأهل الكتاب لم يعبدوا الأحبار والرهبان؛ ولكن اتبعوا شرعهم وتركوا شريعة الله. فسماهم الله عبادا لهم؛ وسماهم مشركين.. وهذه اللفتة هنا ملحوظ فيها ذلك المعنى الدقيق. فهم عبدوا الطاغوت.. أي السلطات الطاغية المتجاوزة لحقها.. وهم لم يعبدوها بمعنى السجود لها والركوع، ولكنهم عبدوها بمعنى الاتباع والطاعة. وهي عبادة تخرج صاحبها من عبادة الله ومن دين الله. والله -سبحانه- يوجه رسوله صلى الله عليه وسلم لمجابهة أهل الكتاب بهذا التاريخ، وبذلك الجزاء الذي استحقوه من الله على هذا التاريخ.. كأنما هم جيل واحد بما أنهم جبلة واحدة.. يوجهه ليقول لهم: إن هذا شر عاقبة:. (قل: هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله).. أي شر من نقمة أهل الكتاب على المسلمين، وما يكيدون لهم وما يؤذونهم بسبب إيمانهم. وأين نقمة البشر الضعاف من نقمة الله وعذابه، وحكمه على أهل الكتاب بالشر والضلال عن سواء السبيل: (أولئك شر مكانا، وأضل عن سواء السبيل)..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
.. والمقصود من ذكر ذلك هنا تعيير اليهود المجادلين للمسلمين بمساوي أسلافهم إبكاتاً لهم عن التطاول. على أنّه إذا كانت تلك شنشنتهم أزمانَ قيام الرسل والنبيئين بين ظهرانَيْهم فهم فيما بعد ذلك أسوأ حالاً وأجدر بكونهم شرّاً، فيكون الكلام من ذمّ القبيل كلّه. على أنّ كثيراً من موجبات اللّعنة والغضب والمسخ قد ارتكبتها الأخلاف، على أنّهم شتموا المسلمين بما زعموا أنّه دينهم فيحقّ شتمهم بما نعتقده فيهم.