سورة الإنسان مكية وآياتها إحدى وثلاثون
في بعض الروايات أن هذه السورة مدنية ، ولكنها مكية ؛ ومكيتها ظاهرة جدا ، في موضوعها وفي سياقها ، وفي سماتها كلها . لهذا رجحنا الروايات الأخرى القائلة بمكيتها . بل نحن نلمح من سياقها أنها من بواكير ما نزل من القرآن المكي . . تشي بهذا صور النعيم الحسية المفصلة الطويلة ، وصور العذاب الغليظ ، كما يشي به توجيه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى الصبر لحكم ربه ، وعدم إطاعة آثم منهم أو كفور ؛ مما كان يتنزل عند اشتداد الأذى على الدعوة وأصحابها في مكة ، مع إمهال المشركين وتثبيت الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] على الحق الذي نزل عليه ، وعدم الميل إلى ما يدهنون به . . كما جاء في سورة القلم ، وفي سورة المزمل ، وفي سورة المدثر ، مما هو قريب من التوجيه في هذه السورة . . واحتمال أن هذه السورة مدنية - في نظرنا - هو احتمال ضعيف جدا ، يمكن عدم اعتباره !
والسورة في مجموعها هتاف رخي ندي إلى الطاعة ، والالتجاء إلى الله ، وابتغاء رضاه ، وتذكر نعمته ، والإحساس بفضله ، واتقاء عذابه ، واليقظة لابتلائه ، وإدراك حكمته في الخلق والإنعام والابتلاء والإملاء . .
وهي تبدأ بلمسة رفيقة للقلب البشري : أين كان قبل أن يكون ? من الذي أوجده ? ومن الذي جعله شيئا مذكورا في هذا الوجود ? بعد أن لم يكن له ذكر ولا وجود : ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ? ) . .
تتلوها لمسة أخرى عن حقيقة أصله ونشأته ، وحكمة الله في خلقه ، وتزويده بطاقاته ومداركه : ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ) . .
ولمسة ثالثة عن هدايته إلى الطريق ، وعونه على الهدى ، وتركه بعد ذلك لمصيره الذي يختاره : ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) . .
وبعد هذه اللمسات الثلاث الموحية ، وما تثيره في القلب من تفكير عميق ، ونظرة إلى الوراء . ثم نظرة إلى الأمام ، ثم التحرج والتدبر عند اختيار الطريق . . بعد هذه اللمسات الثلاث تأخذ السورة في الهتاف للإنسان وهو على مفرق الطريق لتحذيره من طريق النار . . وترغيبه في طريق الجنة ، بكل صور الترغيب ، وبكل هواتف الراحة والمتاع والنعيم والتكريم : إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا . إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا . عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا . .
وقبل أن تمضي في عرض صور المتاع ترسم سمات هؤلاء الأبرار في عبارات كلها انعطاف ورقة وجمال وخشوع يناسب ذلك النعيم الهانئ الرغيد : ( يوفون بالنذر ، ويخافون يوما كان شره مستطيرا ، ويطعمون الطعام - على حبه - مسكينا ويتيما وأسيرا . إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا . إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ) . .
ثم تعرض جزاء هؤلاء القائمين بالعزائم والتكاليف ، الخائفين من اليوم العبوس القمطرير ، الخيرين المطعمين على حاجتهم إلى الطعام ، يبتغون وجه الله وحده ، لا يريدون شكورا من أحد ، إنما يتقون اليوم العبوس القمطرير !
تعرض جزاء هؤلاء الخائفين الوجلين المطعمين المؤثرين . فإذا هو الأمن والرخاء والنعيم اللين الرغيد :
فوقاهم الله شر ذلك اليوم ، ولقاهم نضرة وسرورا ، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا . متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا . ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا . ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير ، قوارير من فضة قدروها تقديرا . ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ، عينا فيها تسمى سلسبيلا . ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا . وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا . عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق ، وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا . إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا .
فإذا انتهى معرض النعيم اللين الرغيد المطمئن الهانئ الودود اتجه الخطاب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لتثبيته على الدعوة - في وجه الإعراض والكفر والتكذيب - وتوجيهه إلى الصبر وانتظار حكم الله في الأمر ؛ والاتصال بربه والاستمداد منه كلما طال الطريق : ( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا . فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا . واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ، ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا ) . .
ثم تذكيرهم باليوم الثقيل الذي لا يحسبون حسابه ؛ والذي يخافه الأبرار ويتقونه ، والتلويح لهم بهوان أمرهم على الله ، الذي خلقهم ومنحهم ما هم فيه من القوة ، وهو قادر على الذهاب بهم ، والإتيان بقوم آخرين ؛ لولا تفضله عليهم بالبقاء ، لتمضي مشيئة الابتلاء . ويلوح لهم في الختام بعاقبة هذا الابتلاء : إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا . نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا . إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا . وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ، إن الله كان عليما حكيما . يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما . .
تبدأ السورة بالتذكير بنشأة الإنسان وتقدير الله في هذه النشأة ، على أساس الابتلاء ، وتختم ببيان عاقبة الابتلاء ، كما اقتضت المشيئة منذ الابتداء . فتوحي بذلك البدء وهذا الختام بما وراء الحياة كلها من تدبير وتقدير ، لا ينبغي معه أن يمضي الإنسان في استهتاره . غير واع ولا مدرك ، وهو مخلوق ليبتلى ، وموهوب نعمة الإدراك لينجح في الابتلاء .
وبين المطلع والختام ترد أطول صورة قرآنية لمشاهد النعيم . أو من أطولها إذا اعتبرنا ما جاء في سورة الواقعة من صور النعيم ، وهو نعيم حسي في جملته ، ومعه القبول والتكريم ، وهو بتفصيله هذا وحسيته يوحي بمكيته ، حيث كان القوم قريبي عهد بالجاهلية ، شديدي التعلق بمتاع الحواس ، يبهرهم هذا اللون ويعجبهم ، ويثير تطلعهم ورغبتهم . وما يزال هذا اللون من المتاع يثير تطلع صنوف من الناس ، ويصلح جزاء لهم يرضي أعمق رغباتهم . والله أعلم بخلقه ما يصلح لهم وما يصلح قلوبهم ، وما يليق بهم كذلك وفق تكوينهم وشعورهم . وهناك ما هو أعلى منه وأرق كالذي جاء في سورة القيامة : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) . . والله أعلم بما يصلح للعباد في كل حال .
( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ? إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا . إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) . .
هذا الاستفهام في مطلع السورة إنما هو للتقرير ؛ ولكن وروده في هذه الصيغة كأنما ليسأل الإنسان نفسه : ألا يعرف أنه أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ? ثم ألا يتدبر هذه الحقيقة ويتملاها ? ثم ألا يفعل تدبرها في نفسه شيئا من الشعور باليد التي دفعته إلى مسرح الحياة ، وسلطت عليه النور ، وجعلته شيئا مذكورا بعد أن لم يكن شيئا مذكورا ?
إنها إيحاءات كثيرة تنبض من وراء صيغة الاستفهام في هذا المقام . وهي إيحاءات رفيقة وعميقة تثير في النفس تأملات شتى :
واحدة منها تتجه بالنفس إلى ما قبل خلق الإنسان ووجوده ابتداء . يعيش فيها مع هذا الكون وقد خلا من الإنسان . . كيف تراه كان ? . . والإنسان مخلوق مغرور في نفسه وفي قيمته ، حتى لينسى أن هذا الكون كان وعاش قبل أن يوجد هو بأدهار وأزمان طوال . ولعل الكون لم يكن يتوقع خلق شيء يسمى " الإنسان " . . حتى انبثق هذا الخلق من إرادة الله فكان !
وواحدة منها تتجه إلى اللحظة التي انبثق فيها هذا الوجود الإنساني . وتضرب في تصورات شتى لهذه اللحظة التي لم يكن يعلمها إلا الله ؛ والتي أضافت إلى الكون هذه الخليقة الجديدة ، المقدر أمرها في حساب الله قبل أن تكون ! المحسوب دورها في خط هذا الكون الطويل !
وواحدة منها تتجه إلى تأمل يد القدرة وهي تدفع بهذا الكائن الجديد على مسرح الوجود ؛ وتعده لدوره ، وتعد له دوره ، وتربط خيوط حياته بمحور الوجود كله ؛ وتهيئ له الظروف التي تجعل بقاءه وأداء دوره ممكنا وميسورا ؛ وتتابعه بعد ذلك في كل خطوة ، ومعها الخيط الذي تشده به إليها مع سائر خيوط هذا الكون الكبير !
وإيحاءات كثيرة وتأملات شتى ، يطلقها هذا النص في الضمير . . ينتهي منها القلب إلى الشعور بالقصد والغاية والتقدير ، في المنشأ وفي الرحلة وفي المصير .
{ على الإنسان } : أي آدم عليه السلام .
{ حين من الدهر } : أي أربعون سنة .
{ لم يكن شيئا مذكورا } : أي لا نباهة ولا رفعة له لأنه طين لازب وحمأ مسنون وذلك قبل أن ينفخ الله تعالى فيه الروح .
قوله تعالى { هل أتى على الإِنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا } يخبر تعالى عن آدم أبي البشر عليه السلام أنه أتى عليه حين من الدهر قد يكون أربعين سنة وهو صورة من طين لازب لا روح فيها ، فلم يكن في ذلك الوقت شيئا له نباهة أو رفعة فيُذكر . هذا الإِنسان الأول آدم أخبر تعالى عن بدء أمره .
- بيان نشأة الإِنسان الأب والإِنسان الابن وما تدل عليه من إفضال الله وإكرامه لعباده .
{ 1 - 3 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا }
ذكر الله في هذه السورة الكريمة أول حالة الإنسان ومبتدأها ومتوسطها ومنتهاها .
فذكر أنه مر عليه دهر طويل وهو الذي قبل وجوده ، وهو معدوم بل ليس مذكورا .
سورة الإنسان{[1]} وتسمى هل أتى والأمشاج والدهر
مقصودها ترهيب الإنسان بما دل عليه آخر القيامة من العرض{[2]} على الملك الديان بتعذيب{[3]} العاصي {[4]}في النيران{[5]} وتنعيم المطيع في الجنان بعد جمع الخلائق[ كلها-{[6]} ] الإنس والملائكة والجان وغير ذلك من الحيوان ، ويكون لهم مواقف طوال وأهوال وزلزال ، لكل منها أعظم شأن ، وأدل ما فيها على ذلك الإنسان بتأمل آيته وتدبر{[7]} مبدئه وغايته ، وكذا{[8]} تسميتها بهل أتى وبالدهر وبالأمشاج من غير ميل ولا اعوجاج { بسم الله } الملك الذي خلق الخلائق لمعرفة أسمائه الحسنى { الرحمن } الذي عمهم بنعمه الظاهرة فرادى{[9]} ومثنى { الرحيم } الذي خص منهم من اختاره لوداده{[10]} بالنعمة الباطنة والمقام الأسنى .
لما تقدم في {[70415]}آخر القيامة{[70416]} التهديد على مطلق التكذيب ، وأن المرجع إلى الله وحده ، والإنكار على من ظن أنه يترك سدى{[70417]} والاستدلال على البعث وتمام القدرة عليه-{[70418]} ، تلاه أول هذه بالاستفهام{[70419]} الإنكاري على ما يقطع معه بأن لا يترك سدى ، فقال مفصلاً ما له سبحانه عليه من نعمة الإيجاد والإعداد والإمداد والإسعاد : { هل أتى } أي بوجه من الوجوه { على الإنسان } أي هذا النوع الذي شغله عما يراد به ويراد له لعظم مقداره في نفس الأمر الأنس بنفسه والإعجاب بظاهر حسه والنسيان لما بعد حلول رمسه { حين من الدهر } أي مقدار محدود وإن قل من الزمان الممتد الغير المحدود حال{[70420]} كونه { لم يكن } أي في ذلك الحين كوناً راسخاً { شيئاً مذكوراً * } أي ذكراً له اعتبار ظاهر في الملأ الأعلى وغيره حتى أنه يكون متهاوناً{[70421]} به غير منظور إليه ليجوز أن يكون سدى بلا أمر ونهي ، ثم يذهب عدماً-{[70422]}بالكلية ليس الأمر كذلك ، بل ما أتى عليه {[70423]}شيء من{[70424]} ذلك بعد خلقه إلا وهو فيه شيء مذكور ، وذلك أن الدهر هو الزمان ، والزمان هو مقدار حركة الفلك - كما نقله الرازي في كتاب{[70425]} اللوامع في سورة " يس " عند {[70426]}قوله تعالى{[70427]} " ولا الليل سابق النهار " فإنه قال : الزمان ابتداؤه من حركات السماء فإن الزمان مقدار حركات الفلك - انتهى وآدم عليه السلام تم الخلق بتمام خلقه في آخر يوم الجمعة أول جمعة كانت ، وكانت طينته{[70428]} - قبل ذلك بمدة مخمرة هو فيها بين{[70429]} الروح والجسد ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : خلق الله آدم عليه السلام من تراب فأقام أربعين سنة ثم من طين أربعين سنة ثم من صلصال أربعين سنة ثم من حمإ مسنون-{[70430]} أربعين سنة ثم خلقه{[70431]} بعد ستين ومائة سنة ، وقال البغوي{[70432]} : قال ابن عباس رضي الله عنهما : ثم خلقه بعد عشرين ومائة سنة{[70433]} : فحينئذ{[70434]} ما أتى عليه زمان إلا وهو شيء مذكور إما بالتخمير وإما {[70435]}بتمام التصوير{[70436]} ، فالاستفهام على بابه وهو إنكاري ، وليست " هل " بمعنى " قد " إلا إن قدرت قبلها الهمزة ، وكان الاستفهام إنكارياً لينتفي مضمون الكلام ، والمراد أنه هو المراد من العالم ، فحينئذ ما خلق الزمان إلا لأجله ، فهو أشرف{[70437]} الخلائق ، وهذا{[70438]} أدل دليل على{[70439]} بعثه للجزاء ، فهل يجوز مع ذلك أن يترك سدى فيفنى المظروف الذي هو المقصود بالذات ، ويبقى الظرف الذي ما خلق إلا صواناً{[70440]} له ، والذي يدل على ذلك من أقوال السلف أنه روي أن رجلاً قرأها عند ابن مسعود رضي الله عنه فقال : يا ليت ذلك لم{[70441]} يكن .
وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : قوله تعالى : { هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً{[70442]} } [ الإنسان : 1 ] تعريف الإنسان بحاله وابتداء أمره ليعلم أن لا طريق له للكبر واعتقاد السيادة لنفسه ، وأن لا يغلطه ما اكتنفه من الألطاف الربانية والاعتناء الإلهي والتكرمة فيعتقد أنه يستوجب ذلك ويستحقه
( وما بكم من نعمة فمن الله }[ النحل : 53 ] ولما تقدم في القيامة إخباره تعالى عن حال{[70443]} منكري البعث عناداً واستكباراً وتعامياً عن النظر والاعتبار
{ أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه }[ القيامة : 3 ] وقوله بعد
{ فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى }[ القيامة : 31 - 33 ] أي يتبختر عتواً{[70444]} واستكباراً ومرحاً{[70445]} وتجبراً ، وتعريفه بحاله التي{[70446]} لو فكر فيها{[70447]} لما كان منه ما وصف ، و-{[70448]} ذلك قوله
{ ألم يكن نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى }[ القيامة : 37 - 38 ] أتبع ذلك بما هو أعرق في التوبيخ وأوغل في التعريف وهو أنه قد-{[70449]} كان لا شيء فلا نطفة ولا علقة ، ثم أنعم الله عليه بنعمة الإيجاد ونقله تعالى من طور إلى طور فجعله نطفة من ماء مهين في قرار مكين ثم كان علقة ثم مضغة إلى إخراجه{[70450]} وتسويته خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ، فمن اعتبر اتصافه بالعدم ثم تقلبه في هذه الأطوار المستنكف حالها والواضح فناؤها واضمحلالها ، و{[70451]} أمده الله تعالى بتوفيقه{[70452]} عرف حرمان من وصف في قوله : " ثم ذهب إلى أهله يتمطى " فسبحان{[70453]} الله ما أعظم{[70454]} حلمه وكرمه ورفقه ، ثم-{[70455]} بين تعالى أن ما {[70456]}جعله للإنسان{[70457]} من السمع والبصر ابتلاء له ، ومن {[70458]}أدركه أدركه{[70459]} الغلط وارتكب الشطط - انتهى .