ثم استأنف للتحذير نمطاً آخر من البيان مشتملاً على التوبيخ فقال : { ها أنتم أولاء } الخاطئون في موالاة منافقي أهل الكتاب ، ثم ذيله ببيان الخطأ وهو قوله : { تحبونهم ولا يحبونكم } لأنكم تريدون لهم الإسلام وهو خير الأشياء ويريدون لكم الكفر وهو أقبح الأشياء ، أو تحبونهم لما بينكم وبينهم من الرضاعة والقرابة ولا يحبونكم لاختلاف الدين ، أو تحبونهم لأنهم أظهروا لكم الإيمان ولا يحبونكم لتمكن الكفر في باطنهم ، أو تحبونهم لأنهم يظهرون لكم محبة الرسول ومحب المحبوب محبوب ولا يحبونكم لأنكم تحبون الرسول وهم يبغضونه ومحب المبغوض مبغوض ، أو تحبونهم فتفشون إليهم أسراركم في أمور دينكم ولا يحبونكم لأنهم لا يفعلون مثل ذلك بكم ، أو تحبونهم لأنكم لا تريدون وقوعهم في المحن ولا يحبونكم لأنهم يتربصون بكم الدوائر . والحق أن هذه الاعتبارات وأمثالها مما لا تكاد تنحصر داخلة في الآية . ثم ذكر سبباً آخر مما يأبى أن يكون بينهما جامع فقال : { وتؤمنون بالكتاب كله } وأضمر قرينه وهو " وهم لا يؤمنون به " لأن ذكر أحد الضدين يغني عن الآخر غالباً . والمراد بالكتاب الجنس كقولهم " كثر الدرهم في أيدي الناس " . وفي الكشاف : إن الواو في { وتؤمنون } للحال ، واللام في { الكتاب } للعهد أي لا يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابهم كله . وفيه توبيخ شديد لأنهم في باطنهم أصلب منكم في حقكم .
ثم ذكر مضادة أخرى فقال : { وإذا لقوكم قالوا آمنا } أحدثنا الدخول في الإيمان { وإذا خلوا عضوا } ويوصف المغتاظ أو النادم بعض الأنامل والبنان والإبهام لأن هذا الفعل كثيراً ما يصدر منهما فجعل كناية عن الغضب والندم ، وإن لم يكن هناك عض وإنما حصل لهم هذا الغيظ وهو شدة الغضب لما رأوا من ائتلاف المؤمنين وعلو دينهم وارتفاع شأنهم { قل موتوا بغيظكم } دعاء عليهم بأن يزداد ما يوجب غيظهم من قوة الإسلام وعز أهله ، فإن ذلك يتضمن ذلهم وخزيهم . والحاصل أنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم بأن الله تعالى أتاح أن يظهر دين الإسلام على الأديان كلها والمقدر كائن ، فإن كان هذا سبباً لغيظكم فلا محالة يكون موتكم على هذا الغيظ . ثم إن قوله : { إن الله عليم بذات الصدور } أي بصواحباتها وهي الخواطر القائمة بالقلب والدواعي والصوارف الموجودة فيه . إن كان داخلاً في جمل المقول ، فمعناه أخبرهم بما يسرونه من الغيظ وقل لهم : إن غيظكم سيزداد إلى أن يذيبكم أو تموتوا عليه ، وقل لهم : إن الله يعلم ما هو أخفى مما تسرونه وهو مضمرات القلوب وخفياتها . وإن كان خارجاً فالمعنى قل لهم ذلك يا محمد ولا تتعجب من إطلاعي إياك على أسرارهم فإني أعلم ما أضمره الخلائق ولم يظهروه على ألسنتهم أصلاً . ويجوز أن لا يكون أمراً بالقول لفظاً بل يراد حدّث نفسك بأنهم سيهلكون غيظاً وحسداً ، فيكون أمراً للرسول بطيب النفس وقوة الرجاء والاستبشار بوعد الله ونصره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.