غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{هَـٰٓأَنتُمۡ أُوْلَآءِ تُحِبُّونَهُمۡ وَلَا يُحِبُّونَكُمۡ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ كُلِّهِۦ وَإِذَا لَقُوكُمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ عَضُّواْ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَنَامِلَ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۚ قُلۡ مُوتُواْ بِغَيۡظِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (119)

112

ثم استأنف للتحذير نمطاً آخر من البيان مشتملاً على التوبيخ فقال : { ها أنتم أولاء } الخاطئون في موالاة منافقي أهل الكتاب ، ثم ذيله ببيان الخطأ وهو قوله : { تحبونهم ولا يحبونكم } لأنكم تريدون لهم الإسلام وهو خير الأشياء ويريدون لكم الكفر وهو أقبح الأشياء ، أو تحبونهم لما بينكم وبينهم من الرضاعة والقرابة ولا يحبونكم لاختلاف الدين ، أو تحبونهم لأنهم أظهروا لكم الإيمان ولا يحبونكم لتمكن الكفر في باطنهم ، أو تحبونهم لأنهم يظهرون لكم محبة الرسول ومحب المحبوب محبوب ولا يحبونكم لأنكم تحبون الرسول وهم يبغضونه ومحب المبغوض مبغوض ، أو تحبونهم فتفشون إليهم أسراركم في أمور دينكم ولا يحبونكم لأنهم لا يفعلون مثل ذلك بكم ، أو تحبونهم لأنكم لا تريدون وقوعهم في المحن ولا يحبونكم لأنهم يتربصون بكم الدوائر . والحق أن هذه الاعتبارات وأمثالها مما لا تكاد تنحصر داخلة في الآية . ثم ذكر سبباً آخر مما يأبى أن يكون بينهما جامع فقال : { وتؤمنون بالكتاب كله } وأضمر قرينه وهو " وهم لا يؤمنون به " لأن ذكر أحد الضدين يغني عن الآخر غالباً . والمراد بالكتاب الجنس كقولهم " كثر الدرهم في أيدي الناس " . وفي الكشاف : إن الواو في { وتؤمنون } للحال ، واللام في { الكتاب } للعهد أي لا يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابهم كله . وفيه توبيخ شديد لأنهم في باطنهم أصلب منكم في حقكم .

ثم ذكر مضادة أخرى فقال : { وإذا لقوكم قالوا آمنا } أحدثنا الدخول في الإيمان { وإذا خلوا عضوا } ويوصف المغتاظ أو النادم بعض الأنامل والبنان والإبهام لأن هذا الفعل كثيراً ما يصدر منهما فجعل كناية عن الغضب والندم ، وإن لم يكن هناك عض وإنما حصل لهم هذا الغيظ وهو شدة الغضب لما رأوا من ائتلاف المؤمنين وعلو دينهم وارتفاع شأنهم { قل موتوا بغيظكم } دعاء عليهم بأن يزداد ما يوجب غيظهم من قوة الإسلام وعز أهله ، فإن ذلك يتضمن ذلهم وخزيهم . والحاصل أنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم بأن الله تعالى أتاح أن يظهر دين الإسلام على الأديان كلها والمقدر كائن ، فإن كان هذا سبباً لغيظكم فلا محالة يكون موتكم على هذا الغيظ . ثم إن قوله : { إن الله عليم بذات الصدور } أي بصواحباتها وهي الخواطر القائمة بالقلب والدواعي والصوارف الموجودة فيه . إن كان داخلاً في جمل المقول ، فمعناه أخبرهم بما يسرونه من الغيظ وقل لهم : إن غيظكم سيزداد إلى أن يذيبكم أو تموتوا عليه ، وقل لهم : إن الله يعلم ما هو أخفى مما تسرونه وهو مضمرات القلوب وخفياتها . وإن كان خارجاً فالمعنى قل لهم ذلك يا محمد ولا تتعجب من إطلاعي إياك على أسرارهم فإني أعلم ما أضمره الخلائق ولم يظهروه على ألسنتهم أصلاً . ويجوز أن لا يكون أمراً بالقول لفظاً بل يراد حدّث نفسك بأنهم سيهلكون غيظاً وحسداً ، فيكون أمراً للرسول بطيب النفس وقوة الرجاء والاستبشار بوعد الله ونصره .

/خ120