الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۗ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (230)

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله { فإن طلقها فلا تحل له من بعد } يقول : فإن طلقها ثلاثا فلا تحل له حتى تنكح غيره .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد { فإن طلقها فلا تحل له } قال : عاد إلى قوله ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) ( البقرة الآية 229 ) .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } قال : هذه الثالثة التي ذكر الله عز وجل ، جعل الله عقوبة الثالثة أن لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره .

وأخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب { فإن طلقها فلا تحل له } قال : هذه الثالثة .

وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن أم سلمة " أن غلاما لها طلق امرأة تطليقتين ، فاستفتت أم سلمة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره " .

وأخرج الشافعي والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال : ينكح العبد امرأتين ، ويطلق تطليقتين ، وتعتد الأمة حيضتين ، فإن لم تكن تحيض فشهرين .

وأخرج مالك والشافعي والنحاس في ناسخه والبيهقي عن ابن عمر . أنه كان يقول : إذا طلق العبد امرأته اثنتين فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أم أمة ، وعدة الأمة حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيض .

وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن ابن المسيب . أن نفيعا مكاتبا لأم سلمة طلق امرأته حرة تطليقتين ، فاستفتى عثمان بن عفان فقال له : حرمت عليك .

وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن سليمان بن يسار . أن نفيعا مكاتبا لأم سلمة كانت تحته حرة ، فطلقها اثنتين ثم أراد أن يراجعها ، فأمره أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي عثمان بن عفان يسأله عن ذلك ، فذهب إليه وعنده زيد بن ثابت ، فسألاهما فقالا : حرمت عليك حرمت عليك .

وأما قوله تعالى : { حتى تنكح زوجا غيره } .

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويهزها .

وأخرج ابن المنذر عن مقاتل بن حيان قال " نزلت هذه الآية في عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك النضري ، كانت عند رفاعة بن وه بن عتيك وهو ابن عمها فطلقها طلاقا بائنا ، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي فطلقها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إنه طلقني قبل أن يمسني أفأراجع إلى الأول ؟ قال : لا حتى يمس . فلبثت ما شاء الله ، ثم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له : إنه قد مسني . فقال : كذبت بقولك الأول فلم أصدقك في الآخر . فلبثت حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فأتت أبا بكر فقالت : أرجع إلى الأول فإن الآخر قد مسني ؟ فقال أبو بكر : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قال لك : لا ترجعي إليه فلما مات أبو بكر أتت عمر فقال له : لئن أتيتني بعد هذه المرة لأرجمنك فمنعها ، وكان نزل فيها { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } فيجامعها ، فإن طلقها بعد ما جامعها فلا جناح عليهما أن يتراجعا " .

وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن عائشة قالت " جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إني كنت عند رفاعة فطلقني فبنت طلاقي ، فتزوجني عبد الرحمن بن الزبير وما معه إلا مثل هدبة الثوب ، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ؟

وأخرج والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير والبيهقي عن عائشة " أن رجلا طلق امرأته ثلاثا فتزوجت زوجا وطلقها قبل أن يمسها ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أتحل للأول ؟ قال : لا حتى يذوق من عسيلتها كما ذاق الأول " .

وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس . أن المرأة التي طلق رفاعة القرظي اسمها تميمة بنت وهب بن عبيد ، وهي من بني النضير .

وأخرج مالك والشافعي وابن سعد والبيهقي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير " أن رفاعة بن سموأل القرظي طلق امرأته تميمة بنت وهب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ، فنكحها عبد الرحمن بن الزبير ، فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها ، فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول الذي كان طلقها ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه أن يتزوجها وقال : لا تحل لك حتى تذوق العسيلة " .

وأخرج البزار والطبراني والبيهقي من طريق الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير عن أبيه " أن رفاعة بن سموأل طلق امرأته ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله قد تزوجني عبد الرحمن وما معه إلا مثل هذه ، وأومأت إلى هدبة من ثوبها ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عن كلامها ثم قال لها تريدين أن ترجعي إلى رفاعة حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ؟ " .

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن جرير عن عائشة قالت " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته فتزوجت غيره ، فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها أتحل لزوجها الأول ؟ قال : لا حتى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها " .

وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن ماجة وابن جرير والبيهقي عن ابن عمر قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر فيغلق الباب ويرخي الستر ، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها فهل تحل للأول ؟ قال : لا حتى تذوق عسيلته . وفي لفظ : حتى يجامعها الآخر " .

وأخرج أحمد وابن جرير والبيهقي عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثلاثا فتزوجت بعده رجلا ، فطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لزوجها الأول ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حتى يكون الآخر قد ذاق من عسيلتها وذاقت من عسيلته " .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " في المرأة يطلقها زوجها ثلاثا فتتزوج غيره ، فيطلقها قبل أن يدخل بها فيريد الأول أن يراجعها قال : لا حتى يذوق عسيلتها " .

وأخرج أحمد والنسائي عن عبد الله بن عباس " أن الغميصاء أو الرميصاء أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها أنه لا يصل إليها ، فلم يلبث أن جاء زوجها فقال : يا رسول الله هي كاذبة ، وهو يصل إليها ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس ذلك لك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره " .

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة وأنس قالا : لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر .

وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال : لا تحل له حتى يهزها به هزيز البكر .

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : لا تحل له حتى يقشقشها به .

وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن نافع قال : جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه ليحلها لأخيه هل تحل للأول ؟ فقال : لا إلا نكاح رغبة ، كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأخرج أبو اسحق الجوزجاني عن ابن عباس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا إلا نكاح رغبة لا نكاح دلسة ولا استهزاء بكتاب الله ، ثم يذوق عسيلتها " .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عمرو بن دينار عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه .

وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له .

وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والبيهقي في سننه عن علي " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لعن الله المحلل والمحلل له " .

وأخرج الترمذي عن جابر بن عبد الله " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له " .

وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس قال " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له " .

وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : هو المحلل ، لعن الله المحلل والمحلل له " .

وأخرج أحمد وابن أبي شيبة والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لعن الله المحلل والمحلل له " .

وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأبو بكر بن الأثرم في سننه والبيهقي عن عمر ، أنه قال : لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما .

وأخرج البيهقي عن سليمان بن يسار " أن عثمان بن عفان رفع إليه رجل تزوج امرأة ليحللها لزوجها ، ففرق بينهما وقال : لا ترجع إليه إلا نكاح رغبة غير دلسة " .

وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس . أن رجلا سأله فقال : إن عمي طلق امرأته ثلاثا قال : إن عمك عصى الله فأندمه وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا . قال : كيف ترى في رجل يحلها له ؟ قال : من يخادع الله يخدعه .

وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبيهقي عن زيد بن ثابت . أنه كان يقول في الرجل يطلق الأمة ثلاثا ثم يشتريها : إنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره .

وأخرج مالك عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار ، أنهما سئلا عن رجل زوج عبدا له جارية فطلقها العبد البتة ، ثم وهبها سيدها له هل تحل له بملك اليمين ؟ فقالا : لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره .

وأخرج البيهقي عن عبيدة السلماني قال : إذا كان تحت الرجل مملوكة فطلقها - يعني البتة - ثم وقع عليها سيدها لا يحلها لزوجها إلا أن يكون زوج لا تحل له إلا من الباب الذي حرمت عليه .

وأخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود قال : لا يحلها لزوجها وطء سيدها حتى تنكح زوجا غيره .

وأخرج عبد الرزاق عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان . أن رجلا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ، فأتى ابن عباس يسأله وعنده أبو هريرة فقال ابن عباس : إحدى المعضلات يا أبا هريرة . فقال أبو هريرة : واحدة تبتها ، وثلاث تحرمها . فقال ابن عباس : نورتها يا أبا هريرة .

وأما قوله تعالى : { فإن طلقها فلا جناح عليهما } الآية .

أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن محمد بن الحنفية قال : قال علي رضي الله عنه : أشكل علي أمران . قوله { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا } فدرست القرآن ، فعلمت أنه يعني إذا طلقها زوجها الآخر رجعت إلى زوجها الأول المطلق ثلاثا . قال : وكنت رجلا مذاء ، فاستحيت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن ابنته كانت تحتي ، فأمرت المقداد بن الأسود فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال " فيه الوضوء " .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا } يقول : إذا تزوجت بعد الأول فدخل بها الآخر فلا حرج على الأول أن يتزوجها إذا طلقها الآخر ، أو مات عنها فقد حلت له .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { إن ظنا أن يقيما حدود الله } يقول : إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { أن يقيما حدود الله } يقول : على أمر الله وطاعته .