فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ} (11)

{ وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ } هذا بيان لشقاق أهل الشقاق . قال الواحدي : قال أكثر المفسرين : الحرف : الشك ، وأصله من حرف الشيء وهو طرفه ، مثل حرف الجبل والحائط ، فإن القائم عليه غير مستقرّ ، والذي يعبد الله على حرف قلق في دينه على غير ثبات وطمأنينة كالذي هو على حرف الجبل ونحوه يضطرب اضطراباً ويضعف قيامه فقيل للشاكّ في دينه : إنه يعبد الله على حرف ، لأنه على غير يقين من وعده ووعيده ، بخلاف المؤمن ؛ لأنه يعبده على يقين وبصيرة فلم يكن على حرف . وقيل : الحرف : الشرط ، أي ومن الناس من يعبد الله على شرط ، والشرط هو قوله : { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطمأن بِهِ } أي خير دنيوي من رخاء وعافية وخصب وكثرة مال ، ومعنى { اطمأنّ به } : ثبت على دينه واستمرّ على عبادته ، أو اطمأن قلبه بذلك الخير الذي أصابه { وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ } أي شيء يفتتن به من مكروه يصيبه في أهله أو ماله أو نفسه { انقلب على وَجْهِهِ } أي ارتدّ ورجع إلى الوجه الذي كان عليه من الكفر ، ثم بيّن حاله بعد انقلابه على وجهه فقال : { خَسِرَ الدنيا والآخرة } أي ذهبا منه وفقدهما ، فلاحظ له في الدنيا من الغنيمة والثناء الحسن ، ولا في الآخرة من الأجر وما أعدّه الله للصالحين من عباده . وقرأ مجاهد ، وحميد بن قيس ، والأعرج ، والزهري ، وابن أبي إسحاق : «خاسرا الدنيا والآخرة » على صيغة اسم الفاعل منصوباً على الحال . وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف . والإشارة بقوله : { ذلك } إلى خسران الدنيا والآخرة وهو مبتدأ وخبره { هُوَ الخسران المبين } أي الواضح الظاهر الذي لا خسران مثله .

/خ16