{ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك } يمتن المولى سبحانه على النبي والمؤمنين {[1192]} بما هدى إليه مصطفاه صلى الله عليه وسلم من خفض جناحه لمن اتبعه وحمله على من أساء فأحبهم أعظم الحب وآثروه هم على أنفسهم وعلى أهليهم ولو كان صلوات الله عليه وحاشاه جافي الطبع أو متجهم الوجه أو قليل التفرق والشفقة لتفرق الناس عنه ولنفروا منه ، عن قتادة أي والله لطهره الله من الفظاظة والغلظة وجعله قريبا رحيما بالمؤمنين رءوفا ، وذكر لنا أن نعت محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة ليس بفظ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح { فاعف عنهم } لعل ذلك أمر بالصفح وعدم المؤاخذة على ما له عليه الصلاة والسلام في خاصته عليهم من تبعة { واستغفر لهم } ادع الله لهم أن يستر عليهم ما يكون خاصته عليهم من تبعة ؛ { واستغفر لهم } ادع الله أن يستر عليهم ما يكون من سيئاتهم وأن لا يعاقبهم بذنوبهم { وشاورهم في الأمر } تقول العرب : شار العسل أي استخرجه واجتناه وأخذه من موضعه وأشرني على العمل أي أعني واستشار أمره إذا تبين وظهر ؛ فالمولى سبحانه يأمر نبيه والأمة في ذلك تبعا له أن يأخذ الرأي من أهله فيما يحدث من أمور وأن يجتني ما عند الخبراء من خبرة في آية واقعة تكون . ففي المشورة كما يستفاد من أصلها اللغوي استبانة لوجه الحق واستظهار لخطة الرشد والحكمة والصواب ؛ ومعلوم أن المشاورة تكون فيما لم يرد به الشرع ؛ نقل في الجامع لأحكام القرآن قال ابن عطية : والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب هذا ما لا خلاف فيه وقد مدح الله المؤمنين بقوله { . . وأمرهم شورى بينهم . . }{[1193]} وقال ابن خويز منداد : واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون وفيما أشكل عليهم من أمور الدين ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح ، ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها ، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم استشار{[1194]} في أمر الخروج إلى غزوة بدر وكذا قبل السير إلى معركة أحد ، كما أنه استشار في أمر الأسرى ، وفي غير ذلك كما أشار عليه بعض الأصحاب رضوان الله عليهم بالمنزل يوم بدر وبالعريش يكون فيه ، فقبل مشورتهم .
عن قتادة : أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه وحي السماء لأنه أطيب لأنفس القوم وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضا أو أرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على أرشده ؛ وقال العلماء : وصفة المستشار إن كان في الأحكام أن يكون عالما دينا وقلما يكون ذلك إلا في عاقل . قال الحسن : ما كمل دين امرئ ما لم يكمل عقله وصفة المستشار في أمور الدنيا أن يكون عاقلا مجربا محببا لمن يستشيره وقد جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة -وهي أعظم النوازل – شورى ؛ قال البخاري : وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء في أمر العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها . مما يقول الطبري : وأما أمته فإنهم إذا تشاوروا مستنين بفعله في ذلك على تصادق وتآخ للحق وإرادة جميعهم للصواب من غير ميل إلى الهوى ، ولا حيد عن الهدى فالله مسددهم وموفقهم .
وأما قوله { فإذا عزمت فتوكل على الله } فإنه يعني : فإذا صح عزمك بتثبيتنا إياك وتسديدنا لك فيما أنابك وحزبك من أمر دينك ودنياك فامض لما أمرناك به على ما أمرناك به ، وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك أو خالفها وتوكل فيما تأتي من أمورك وتدع وتحاول أن تزاول على ربك فثق به في كل ذلك وارض بقضائه في جميعه ، دون آراء سائر خلقه ومعونتهم ، فإن الله يحب المتوكلين وهم الراضون بقضائه والمستسلمون لحكمه فيهم وافق ذلك منهم هوى أو خالفه . 1ه . والعزم : قصد الإمضاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.