المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيۡهَآ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (143)

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ( 143 )

وقوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } ، الكاف متعلقة بالمعنى الذي في قوله { يهدي من يشاء }( {[1338]} ) ، أي كما هديناكم إلى قبلة إبراهيم وشريعته كذلك جعلناكم أمة وسطاً ، و { أمة } مفعول ثان ، و { وسطاً } نعت ، والأمة القرن من الناس( {[1339]} ) ، و { وسطاً } معناه عدولاً ، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم( {[1340]} ) ، وتظاهرت به عبارة المفسرين( {[1341]} ) .

والوسط الخيار والأعلى من الشيء ، كما تقول وسط القوم ، وواسطة القلادة أنفس حجر فيها ، والأمير وسط الجيش ، وكقوله تعالى { قال أوسطهم }( {[1342]} ) [ القلم : 28 ] ، والوسط بإسكان السين ظرف مبني على الفتح( {[1343]} ) ، وقد جاء متمكناً( {[1344]} ) في بعض الروايات في بيت الفرزدق :

فجاءت بمَجْلُوم كأن جبينه . . . صلاءة ورس وسطُها قد تفلقا( {[1345]} )

برفع الطاء والضمير عائد على الصلاءة ، وروي بفتح الطاء والضمير عائد على الجاثية ، فإذا قلت حفرت وسْطَ الدار أو وَسَطَ الدار فالمعنى مختلف( {[1346]} ) .

قال بعض العلماء : أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم تغل في الدين كما فعلت اليهود ، ولا افترت كالنصارى ، فهي متوسطة ، فهي أعلاها وخيرها من هذه الجهة( {[1347]} ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «خير الأمور أوساطها( {[1348]} ) » أي خيارها ، وقد يكون العلو والخير في الشيء إما بأنه أنفس جنسه ، وإما أن يكون بين الإفراط والتقصير فهو خيار من هذه الجهة و { شهداء } جمع شاهد في هذا الموضع .

واختلف المفسرون في المراد ب { الناس } في هذا الموضع ، فقالت فرقة : هم جميع الجنس ، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم تشهد يوم القيامة للأنبياء على أممهم بالتبليغ ، وذلك أن نوحاً تناكره أمته في التبليغ ، فتقول له أمة محمد نحن نشهد لك ، فيشهدون ، فيقول الله لهم : كيف شهدتم على ما لم تحضروا ؟ ، فيقولون : أي ربنا جاءنا رسولك ونزل إلينا كتابك فنحن نشهد بما عهدت إلينا وأعلمتنا به ، فيقول الله تعالى : صدقتم ، وروي في هذا المعنى حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم( {[1349]} ) ، وروي عنه أن أمته تشهد لكل نبي ناكره قومه( {[1350]} ) ، وقال مجاهد : معنى الآية تشهدون لمحمد صلى الله عليه وسلم أنه قد بلغ الناس في مدته من اليهود والنصارى والمجوس( {[1351]} ) .

وقالت طائفة : معنى الآية يشهد بعضكم على بعض بعد الموت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مرت به جنازة فأثني عليها بالخير ، فقال : وجبت ، ثم مر بأخرى ، فأثني عليها بشرّ ، فقال : وجبت ، ويعني الجنة والنار ، فسئل عن ذلك ، فقال : «أنتم شهداء الله في الأرض »( {[1352]} ) ، وروي في بعض الطرق أنه قرأ { لتكونوا شهداء على الناس } .

{ ويكون الرسول عليكم شهيداً } قيل : معناه بأعمالكم يوم القيامة ، وقيل : عليكم بمعنى لكم أي يشهد لكم بالإيمان ، وقيل : أي يشهد عليكم بالتبليغ إليكم( {[1353]} ) .

وقوله تعالى : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } الآية ، قال قتادة والسدي وعطاء وغيرهم : القبلة هنا بيت المقدس : والمعنى لم نجعلها حين أمرناك بها أولاً إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين إنما يألفون مسجد مكة ، أو من اليهود على ما قال الضحاك من أن الأحبار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء ، فإن صليت إليه اتبعناك ، فأمره الله بالصلاة إليه امتحاناً لهم فلم يؤمنوا ، وقال بعض من ذكر( {[1354]} ) : القبلة بيت المقدس ، والمعنى : وما جعلنا صرف القبلة التي كنت عليها وتحويلها ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وقال ابن عباس : القبلة في الآية الكعبة ، وكنت بمعنى أنت( {[1355]} ) كقوله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس }( {[1356]} ) [ آل عمران : 110 ] بمعنى أنتم ، أي وما جعلناها وصرفناك إليها إلا فتنة ، وروي في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حول( {[1357]} ) إلى الكعبة أكثر في ذلك اليهود والمنافقون وارتاب بعض المؤمنين حتى نزلت الآية ، وقال ابن جريج : بلغني أن ناساً ممن كان أسلم رجعوا عن الإسلام ، ومعنى قوله تعالى : { لنعلم } أي ليعلم رسولي والمؤمنون به( {[1358]} ) ، وجاء الإسناد بنون العظمة إذ هم حزبه وخالصته ، وهذا شائع في كلام العرب كما تقول : فتح عمر العراق وجبى خراجها ، وإنما فعل ذلك جنده وأتباعه ، فهذا وجه التجوز إذا ورد علم الله( {[1359]} ) تعالى بلفظ استقبال لأنه قديم لم يزل ، ووجه آخر : وهو أن الله تعالى قد علم في الأزل من يتبع الرسول واستمر العلم حتى وقع حدوثهم واستمر في حين الاتباع والانقلاب ويستمر بعد ذلك ، والله تعالى متصف في كل ذلك بأنه يعلم( {[1360]} ) ، فأراد بقوله { لنعلم } ذكر علمه وقت مواقعتهم الطاعة والمعصية ، إذ بذلك الوقت يتعلق الثواب والعقاب ، فليس معنى { لنعلم } لنبتدىء العلم وإنما المعنى لنعلم ذلك موجوداً ، وحكى ابن فورك أن معنى { لنعلم } لنثيب( {[1361]} ) ، فالمعنى لنعلمهم في حال استحقوا فيها الثواب ، وعلق العلم بأفعالهم لتقوى( {[1362]} ) الحجة ويقع التثبت فيما علمه لا مدافعة لهم فيه ، وحكى ابن فورك( {[1363]} ) أيضاً أن معنى { لنعلم } لنميز( {[1364]} ) ، وذكره الطبري عن ابن عباس ، وحكى الطبري أيضاً أن معنى { لنعلم } لنرى( {[1365]} ) .

قال القاضي أبو محمد : وهذا كله متقارب ، والقاعدة نفي استقبال العلم بعد أن لم يكن ، وقرأ الزهري { ليعلم } على ما لم يسم فاعله .

و { ينقلب على عقبيه } عبارة عن المرتد الراجع عما كان فيه من إيمان أو شغل أو غير ذلك والرجوع على العقب أسوأ حالات الراجع في مشيه عن وجهته ، فلذلك شبه المرتد في الدين به( {[1366]} ) ، وظاهر التشبيه أنه بالمتقهقر ، وهي مشية الحيوان الفازع من شيء قد قرب منه ، ويحتمل أن يكون هذا التشبيه بالذي رد ظهره ومشى أدراجه( {[1367]} ) فإنه عند انقلابه إنما ينقلب على عقبيه .

وقوله تعالى : { وإن كانت لكبيرة } الآية ، الضمير في { كانت } راجع إلى القبلة إلى بيت المقدس أو إلى التحويلة إلى الكعبة حسب ما ذكرناه من الاختلاف في القبلة ، وقال ابن زيد : «هو راجع إلى الصلاة التي صليت إلى بيت المقدس » ، وشهد الله تعالى في هذه الآية للمتبعين بالهداية ، و { كبيرة } هنا معناه شاقة صعبة تكبر في الصدور ، و { إن } هي المخففة من الثقيلة ، ولذلك لزمتها اللام لتزيل اللبس الذي بينها وبين النافية( {[1368]} ) ، وإذا ظهر التثقيل في { إن } فلربما لزمت اللام وربما لم تلزم ، وقال الفراء : { إن } بمعنى ما واللام بمنزلة إلا .

ولما حولت القبلة كان من قول اليهود : يا محمد إن كانت الأولى حقاً فأنت الآن على باطل ، وإن كانت هذه حقاً فكنت في الأول على ضلال( {[1369]} ) . فوجست( {[1370]} ) نفوس بعض المؤمنين وأشفقوا على من مات قبل التحويل على صلاتهم السالفة : فنزلت { وما كان الله ليضيع إيمانكم } ، وخاطب الحاضرين والمراد من حضر ومن مات ، لأن الحاضر يغلب ، كما تقول العرب : ألم نقتلكم في موطن كذا ؟ ، ومن خوطب لم يقتل ولكنه غلب لحضوره ، وقرأ الضحاك { ليضَيّع } بفتح الضاد وشد الياء ، وقال ابن عباس والبراء بن عازب وقتادة والسدي والربيع وغيرهم : الإيمان هنا الصلاة . وسمى الصلاة إيماناً لما كانت صادرة عن الإيمان والتصديق في وقت بيت المقدس وفي وقت التحويل( {[1371]} ) ، ولما كان الإيمان قطباً عليه تدور الأعمال وكان ثابتاً في حال التوجه هنا وهنا ذكره ، إذ هو الأصل الذي به يرجع في الصلاة وغيرها إلى الأمر والنهي . ولئلا تندرج في اسم الصلاة صلاة المنافقين إلى بيت المقدس فذكر المعنى الذي هو ملاك الأمر ، وأيضاً فسميت إيماناً إذ هي من شعب الإيمان ، والرأفة أعلى منازل الرحمة ، وقرأ قوم { لرَؤُف } على وزن فَعُل ، ومنه قول الوليد بن عقبة( {[1372]} ) : [ الطالبان ] : [ الوافر ]

وشرُّ الطالِبَيْنِ فلا تكنْهُ . . . بقاتِلِ عمِّهِ الرَّؤُفِ الرحيمِ

تقول العرب : رؤف ورؤوف ورئف كحذر ورأف وقرأ أبو جعفر ابن القعقاع { لرووف } بغير همز ، وكذلك سهل كل همزة في كتاب الله تعالى ساكنة كانت أو متحركة .


[1338]:- أي: مرتبطة بذلك ارتباطا معنويا.
[1339]:- القرن: عبارة عن مدة معينة في اعتبار المؤرخين والاجتماعيين، والمراد أن كل قرن من قرون هذه الأمة المحمدية محكوم له في الجملة بالعدالة والاستقامة، وأول من يدخل في ذلك قرن الصحابة رضوان الله عليهم، ومن ثم خص الله هذه الأمة بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب.
[1340]:- رواه الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي. وفي الآية إثبات العدالة لهذه الأمة من دون استثناء، وذلك يقضي باستقامتها وجَرَيان أحوالها على الموافقة دون المخالفة، ونحو الآية قوله تعالى: [وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون]، وقوله تعالى: [كنتم خير أمة] الآية، هذا –والله أعلم- من حيث المجموع لا من حيث الجميع كما يشهد لذلك حديث البخاري: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق) إلخ. وهذه الطائفة هي الأمة الوسط، كما قال الإمام البخاري في خلق أفعال العباد.
[1341]:- أي: أظهرته عباراتهم واتفقت عليه.
[1342]:- من الآية (28) من سورة (القلم).
[1343]:- الوسط بالتسكين هو بمعنى (بَيْنَ) يقال: جلستُ وسْط القوم: أي بينهم، والوسط بالتحريك اسم لما بين طرفي الشيء وهو منه، كقولك: جلست وسط الدار، ويُنْصَب على الظرف اتساعا، وليس نصبه على الظرف على معنى بيْنَ، تقول: وسَط رأسه صلب لأن وسَط الرأٍس بعضها، وتقول: وسط رأٍسه دهن، فتنصب وسط على الظرف وليس هو بعض الرأس، ولذا قيل: كلّ موضع صلح فيه بين فهو بالتسكين، وإلا فبالتحريك.
[1344]:- أي: مُعْرَباً.
[1345]:- المَجْلُومُ: المَحْلُوق. أراد به هَنُ المرأة، والصلاءة: مدق الطيب، والوَرْسُ: نَبْت أصفر. والمؤلف يريد أن (وَسْط) ساكن السين يكون ظرفا وغير ظرف كما رُوي ذلك في بيت الفرزدق. وفي رواية: «أتته بمجلوم كأن جبينه» إلخ. وفي رواية: رمته بمجْمُوشٍ. والمجموش: المحلوق بالنورة، ووسطها: نصفها، وكما أن (وَسْط) تخرج عن الظرفية كذلك (بيْن) نحو قوله تعالى: [لقد تقطّع بينكم] على قراءة الرفع.
[1346]:- معناه على الفتح: جعلت الوسَط كلّه حفيراً، وذلك خلاف معنى السكون.
[1347]:- عبارة القرطبي في هذا الموضع: أي هذه الأمة لم تَغْل غُلُو النصارى في أنبيائهم، ولا قصَّروا تقصير اليهود في أنبيائهم – وعبارة أبي حيان في تفسير الوسط، «وقيل: متوسطين في الدين بين المُفْرط والمقصِّر، لم يتخذوا واحدا من الأنبياء إلها كما فعلت النصارى، ولا قتلوه كما فعلت اليهود»، ففيهما نسبة الغُلُوِّ إلى النصارى، ونسبة التقصير إلى اليهود، على عكس ما في ابن عطية، تأمل.
[1348]:- رواه ابن السمعاني في «ذيل تاريخ بغداد» بسند مجهول، عن علي رضي الله عنه مرفوعاً، وهو عند ابن جرير في التفسير من قول مطرف بن عبد الله ويزيد بن مرة الجعفي، ورواه الديلمي بلا سند عن ابن عباس بلفظ: (خير الأعمال أوسطها)، هذا ما يتصل بلفظه كما قاله الإمام السخاوي، وأما معناه فهو صحيح وثابت في الكتاب والسنة.
[1349]:- رواه البخاري، والإمام أحمد، والترمذي، والنسائي.
[1350]:- مِمَّن رواه الإمام أحمد، عن أبي سعيد الخدري، وأبو بكر بن مردويه، عن جابر بن عبد الله.
[1351]:- كل ما يروى مرفوعاً أو غير مرفوع في تأويل الآية فإنه يقبل، لأن للآية عموماً تشمل به ما ذكر، وهو ما قرره المحققون في التفسير.
[1352]:- روى ذلك البخاري، ومسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه. تنبيه: مما يدل على أفضلية هذه الأمة ما ثبت من احتلالها لنصف الجنة – ففي صحيح الإمام مسلم، عن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جماعة: أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟ قال: قلنا: نعم. قال أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة ؟ فقلنا: نعم، فقال: والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض ا.هـ. يعني والنصف الآخر من المؤمنين الآخرين.
[1353]:- أي من دون حاجة إلى من يشهد له بالتبليغ، فهو المدعي وهو الشهيد، بمعنى أنه صلى الله عليه وسلم يشهد على الناس ولا يشهد عليه أحد.
[1354]:- أي: جعل القبلة هي بيت المقدس، وهم قتادة، والسدي، وعطاء، وغيرهم.
[1355]:- قال (ح): هذا من ابن عباس (إن صح) تفسير معنى لا تفسير إعراب، لأنه يؤول إلى زيادة كان الرافعة للاسم، والناصبة للخبر، وهذا لم يذهب إليه أحد.
[1356]:- من الآية (110). من سورة (آل عمران).
[1357]:- أيْ أُمر بتحويل القبلة إلى الكعبة.
[1358]:- هذا التأويل على حذف مضاف – أي: ليعلم رسولنا والمؤمنون. وجاء مسنداً إلى الله تعالى لأنهم حزبه وخواصه، ومثل هذا الاستعمال شائع في كلام العرب، وعليه فالكلام من مجاز الحذف.
[1359]:- والقرينة استحالة حدوث علم الله تعالى، والقاعدة في هذا نفي استقبال العلم بعد أن لم يكن عن الله تعالى أي إحالته.
[1360]:- معنى هذا الوجه أنه أُريد العلم بعد وجود الاتباع والانقلاب، لأنه كما يعلم الله الشيء قبل وجوده يعلمه بعد وجوده، ويكون العلم على هذا كناية عن التعلق، أي يتعلق علمنا بذلك وقت وجوده، أي وقت مواقعتهم الطاعة أو المعصية، ومواقعة الأمور مُدَاناتها، والعلم في كل ذلك مستمر لا يتغير وإن تغيرت أحوال الشيء المعلوم.
[1361]:- لأن الثواب مبني على عمل الإنسان، وعلى ما يعلمه الله منه، وقد قال تعالى: [وما تفعلوا من خير يعلمه الله].
[1362]:- وفي بعض النسخ: (لتقوم الحجة).
[1363]:- بضم الفاء أبو بكر، إمام جليل فقهاً وأُصولا وكلاما من أصبهان. مات مسموما سنة 400هـ.
[1364]:- من باب إطلاق السبب وإرادة المسبب، أي لنميز أهل اليقين من أهل الشك.
[1365]:- العرب تضع العلم مكان الرؤية كما هنا، والرؤية مكان العلم كما في قوله تعالى: [ألم تر كيف فعل ربك]، أي: ألم تعلم. والمؤلف –رحمه الله- ذكر ستة وجوه لتأويل الآية فراراً من حدوث العلم وتجدده إذ ذلك مستحيل على الله تعالى – الأول: أن المقصود بالإسناد الخواص والقرينة ظاهرة. الثاني: أن المراد تعلق العلم بالموجود. الثالث: المراد بالعلم الجزاء. الرابع: المراد به التمييز والفصل بين المتبع والمنقلب. الخامس: المراد بالعلم الرؤية والمعاينة. السادس: أن الفعل مبني للمفعول وهي قراءة الزهري، أي إلا ليُعْلَمَ من يتبِّع الرسول ومن ينقلب على عقبيه، وهذا لا يحتاج إلى تأويل، إذ الفاعل قد يكون غير الله، وعلم الغَير حادث.
[1366]:- الانقلاب على العقب حقيقته الرجوع إلى خلف متقهقراً، وليس المراد هذا، وإنما المراد الرجوع من الإيمان إلى الكفر، فهو استعارة تمثيلية، بجامع قطع العمل وسواءِ الاتجاه، ووقع تمثيل هذا الرجوع بالنكوص على العقبين لأنه من أسوإ ما يكون في حالة المشي.
[1367]:- أي رجع في الطريق الذي جاء منه.
[1368]:- هذا أقوى من قول الفراء – الذي سيذكره بعد ذلك- باعتبار المعنى والإعراب، ولا يعدو أن يكون مقام هذه الآية كمقام قوله تعالى: [وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين] الآية.
[1369]:- أشار بهذا إلى سبب نزول قوله تعالى: [وما كان الله ليضيع إيمانكم]، وفي الصحيح عن البراء بن عازب، والترمذي، عن ابن عباس أن سبب نزول الآية سؤال الناس عن الذين كانوا يصلون إلى بيت المقدس وماتوا.
[1370]:- أي: هَجَسَتْ والهواجس والهاجس ما يقع في النفس وما يخطر بالبال.
[1371]:- عبر بالإيمان عن الصلاة لأنه الأصل – ولأنه لا يمكن أن تكون صلاة بدون إيمان – ولأن الصلاة إيمان عملي كما في الحديث: الإيمان بضع وسبعون شعبة – ولئلا يدخل في الصلاة صلاة المنافقين إلى بيت المقدس، وهذا ما ألم به ابن عطية رحمه الله في وجه تسمية الصلاة إيمانا، وكما سميت الصلاة إيمانا في الآية الكريمة سميت إسلاما في حديث سعد بن أبي وقاص حيث قال: ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام، لقد خبت إذا وضلّ عملي، وكانوا وشوا به إلى عمر، قالوا: لا يحسن الصلاة، فسماها إسلاما لأنها رأسه وعماده، ثم إن قوله تعالى: [قد نرى تقلّب وجهك] الآية هي أول القصة فهي متأخرة في التلاوة ومتقدمة في المعنى.
[1372]:- وهو ابن أبي معيط، أسلم يوم الفتح هو وأخوه خالد بن عقبة، وهو من رجال قريش وشعرائها، وقد قال ذلك لمعاوية رضي الله عنه يحرضه على الأخذ بثأر عثمان، ويقول: إن شر الطالبين بثأره أن يرأف ويرحم بقتلة عثمان، والرؤف الرحيم خبر عن قوله: شر الطالبين.