تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيۡهَآ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (143)

{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا } ، وذلك أن اليهود منهم مرحب ، ورافع ، وربيعة ، قالوا لمعاذ : ما ترك محمد قبلتنا إلا حسدا ، وإن قبلتنا قبلة الأنبياء ، ولقد علم محمد أنا عدل بين الناس ، فقال معاذ : إنا على حق وعدل ، فأنزل الله عز وجل في قول معاذ : { وكذلك } ، يعني وهكذا ، { جعلناكم أمة وسطا } ، يعني عدلا ، نظيرها في ن والقلم ، قوله سبحانه : { قال أوسطهم } ، ( القلم : 28 ) ، يعني أعدلهم ، وقوله سبحانه : { من أوسط ما تطعمون أهليكم } ، ( المائدة : 89 ) ، يعني أعدل ، فقول الله : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } ، يعني أمة محمد تشهد بالعدل في الآخرة بين الأنبياء وبين أممهم ، { لتكونوا شهداء على الناس } ، يعني على الرسل هل بلغت الرسالة عن ربها إلى أممهم ، { ويكون الرسول } ، يعني محمد صلى الله عليه وسلم { عليكم شهيدا } ، يعني على أمته أنه بلغهم الرسالة .

{ وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } ، يعني بيت المقدس ، { إلا لنعلم } ، إلا لنرى { من يتبع الرسول } ، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم على دينه في القبلة ومن يخالفه من اليهود ، { ممن ينقلب على عقبيه } ، يقول : ومن يرجع إلى دينه الأول ، { وإن كانت لكبيرة } ، يعني القبلة حين صرفها عن بيت المقدس إلى الكعبة ، فعظمت على اليهود ، ثم استثنى ، فقال : { إلا على الذين هدى الله } فإنه لا يكبر عليهم ذلك ، { وما كان الله ليضيع إيمانكم } ، وذلك أن حيي بن أخطب اليهودي وأصحابه قالوا للمسلمين : أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس ، أكانت هدى أم ضلالة فوالله لئن كانت هدى لقد تحولتم عنه ، ولئن كانت صلالة لقد دنتم الله بها فتقربتم إليه بها ، وإن من مات منكم عليها مات على الضلالة .

فقال المسلمون : إنما الهدى ما أمر الله عز وجل به ، والضلالة ما نهى الله عنه ، قالوا : فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا ؟ وكان قد مات قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة : أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار بن مالك ابن الخزرج ، من بني النجار ، ومات البراء بن معرور بن صخر بن سنان بن عبيد بن عدي بن سلمة بن سعد بن علي بن شاردة بن زيد بن جشم بن الخزرج ، من بني سلمة ، وكانا من النقباء ، ومات رجال ، فانطلقت عشائرهم ، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى ، وقد صرفك الله عز وجل إلى قبلة إبراهيم ، عليه السلام ، فكيف بإخواننا ، فأنزل الله عز وجل : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } ، يعني إيمان صلاتكم نحو بيت المقدس ، يقول : لقد تقبلت منهم ، { إن الله بالناس لرءوف } ، يعني يرق لهم ، { رحيم } حين قبلها منهم قبل تحويل القبلة .