تفسير ابن أبي زمنين - ابن أبي زمنين  
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيۡهَآ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (143)

قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } أي عدلا ، يعني أمه محمد { لتكونوا شهداء على الناس } يوم القيامة بأن الرسل قد بلغت قومها عن ربها { ويكون الرسول عليكم شهيدا } أنه قد بلغ رسالة ربه إلى أمته ، وهذا تفسير قتادة . قال محمد وأنشد بعضهم :

هم وسط يرضى الأنام بحكمهم *** *** *** إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم{[87]}

يعني : بوسط عدلا خيارا قوله تعالى : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } يعني بيت المقدس { إلا لنعلم } يعني علم الفعال { من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } يعني صرف القبلة ، قال قتادة : كانت القبلة فيها بلاء وتمحيص ، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة إقامته بمكة إلى بيت المقدس ، وصلت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم النبي عليه السلام إلى المدينة ، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ، ثم وجهه الله عز وجل بعد ذلك إلى الكعبة ، فقال قائلون : { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } لقد اشتاق الرجل إلى مولده{[88]} .

قوله تعالى : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } يعني صلاتكم إلى بيت المقدس ، قال قتادة : لما صرفت القبلة ، قال قوم : كيف بأعمالنا التي كنا

نعمل ؟ فأنزل الله : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } وقد يبتلي الله تعالى العباد بما شاء من أمره ، الأمر بعد الأمر ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، وكل ذلك مقبول ، إذا كان في إيمان بالله ، وإخلاص له ، وتسليم لقضائه .


[87]:البيت لزهير بن أبي سلمى انظر في الدر المصون (1/293).
[88]:عزاه الحافظ السيوطي لعبد بن حميد، وابن منذر في تفسيرهما. انظر: الدر المنثور (1/151).