جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيۡهَآ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (143)

{ وَكَذَلِكَ } : كما هديناكم صراطاً مستقيماً ، وقيل إشارة إلى ولقد اصطفيناه في الدنيا ، أي : كما اخترنا إبراهيم عليه السلام ، { جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً {[233]} } : عدولا خياراً ، { لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ } : على صدقكم ، { شَهِيداً } ، وذلك لأن الأمم يجحدون يوم القيامة تبليغ الأنبياء ، فالأنبياء يأتون بأمة محمد عليه الصلاة والسلام فيشهدون بالتبليغ ، فتقول الأمم : من أين عرفتم ؟ ، فيقولون : أخبرنا نبينا في كتابه {[234]} ، ثم يزكيهم محمد عليه الصلاة والسلام ، { وَمَا {[235]} جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ {[236]} الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا } ، أي : أصل أمرك استقبال الكعبة ، فإنها قبلة إبراهيم ، لكن جعلنا قبلتك بيت المقدس ، قوله : " التي كنت عليها " أحد مفعولي جعل ، أي : الجهة التي كنت عليها {[237]} ، وقيل : تقديره وما جعلنا تحويل القبلة التي كنت عليها ، وعلى هذا التي صفة القبلة أقول والله أعلم بمراده : يحتمل أن يراد من التي كنت عليها الكعبة ، أي : خاطرك مائل إليها ، فإن الأصح أن القبلة قبل الهجرة الصخرة لكن خاطره الأشرف مائل إلى أن تكون الكعبة قبلة ، { إِلاَّ لِنَعْلَمَ {[238]} } : علماً حالياً يتعلق به الجزاء ، { مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ } : عند نسخ القبلة ، { مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ } : يرتد ، والظاهر أن تقديره متميزاً ، ممن ينقلب حال من فاعل يتبع ، أو ثاني مفعولي نعلم ، وقد نقل أن كثيرا من المسلمين ارتدوا عند تحويل القبلة ، ظنا منهم أن هذا حيرة منه عليه الصلاة والسلام ، { وَإِن كَانَتْ } ، أي التولية {[239]} ، وإن مخففة ، { لَكَبِيرَةً } : ثقيلة ، { إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ } ، أي : هداهم الله ، { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } : بالقبلة الأولى ، وتصديقكم واتباعكم نبيكم في القبلة الثانية ، أو صلاتكم إلى الصخرة ، ففي الصحيح {[240]} أن الصحابة سألوا كيف حال إخواننا الذين ماتوا على القبلة الأولى ؟ فنزلت ، { إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {[241]} }


[233]:وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير الوسط هاهنا بالعدل رواه أحمد والترمذي وصححه والنسائي وغيرهم مرفوعاً فوجب الرجوع إلى ذلك/12 فتح [بل ثبت هذا التفسير في البخاري مرفوعاً (ح4487)
[234]:(*) أخرجه البخاري في "التفسير"، باب: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا..." (4487)، وفي غير موضع من صحيحه
[235]:قيل: التصير الانتقال، فالمتلبس بالحالة الأولى هو المفعول الأول، وبالحالة الثانية هو الثاني، نحو: جعلت الطين، خزفاً والجاهل عالماً، فعلى هذا، التي كنت عليها هو المفعول الأول، لا كما قاله الزمخشري: ما صيرنا قبلتك الآن الجهة التي كنت عليها أولا، ثم قال: كان صلى الله عليه وسلم يصلي إلى الكعبة ثم صلى إلى بيت المقدس، ثم أمر أن يصلي إلى الكعبة، وكل واحد من الكعبة، وبيت المقدس صالح لأن يوصف بقوله التي كنت عليها لأنه قد كان عليه السلام متوجها إليهما في وقتين فافهم/12 منه. ومفعوله الثاني، إلا لنعلم كما تقول: ضرب زيد للتأديب، أي: كائن له وعلى هذا يحتمل أن يراد بالقبلة الكعبة، ويحتمل أن يراد بيت المقدس إذ كل منهما متصف بأنه كان عليه م 12 منه
[236]:(حديث) صلى النبي صلى لله عليه وسلم في مسجد بني سلمة ركعتين فتحول إلى الكعبة في الصلاة، وتبادل الرجال والنساء الصفوف، فسمى المسجد ذا القبلتين، كذا ذكره البيضاوي، وقال السيوطي: هذا تحريف للحديث، فإن قصة بني سلمة لم يكن فيها النبي صلى الله عليه وسلم إماما، ولا هو الذي تحول في الصلاة/12
[237]:قيل هذا الوقت وهي بيت المقدس/12 منه
[238]:العلم هاهنا بمعنى الإدراك فلا يطلب إلا مفعولا واحدا وثاني مفعوليه ممن ينقلب، وقيل: من استفهامية مبتدأ، ويتبع خبره فيكون العلم من المتعدى إلى مفعولين معلقا بالاستفهام عن العمل/ 12 منه. وقيل: معناه فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم/12 منه
[239]:(*) في حاشية النسخة، إلى الكعبة/12 منه
[240]:(*) أخرجه البخاري في "التفسير"، باب: "سيقول السفهاء من الناس..." (4486)
[241]:قيل: معناه لرءوف بالمؤمنين في الدارين رحيم على الفاسقين، وقيل: قدم الرءوف محافظة على الفواصل/12 منه