قال عطاء : هي مكية . وقال مجاهد وقتادة مدنية . وقال الحسن وعكرمة : هي مدنية إلا آية وهي قوله : { فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفورا } .
{ هل أتى } قد أتى { على الإنسان } يعني آدم عليه السلام ، { حين من الدهر } أربعون سنة ، وهو من طين ملقى بين مكة ، والطائف قبل أن ينفخ فيه الروح ، { لم يكن شيئاً مذكوراً } لا يذكر ولا يعرف ، ولا يدرى ما اسمه ولا ما يراد به ، يريد : كان شيئاً ولم يكن مذكوراً ، وذلك من حين خلقه من طين إلى أن نفخ فيه الروح . روي أن عمر سمع رجلاً يقرأ هذه الآية : { لم يكن شيئاً مذكوراً } فقال عمر : ليتها تمت ، يريد : ليته بقي على ما كان ، قال ابن عباس : ثم خلقه بعد عشرين ومائة سنة .
1- سورة " الإنسان " يرى بعضهم أنها من السور المكية الخالصة ، ويرى آخرون أنها من السور المدنية .
قال الآلوسي : هي مكية عند الجمهور ، وقال مجاهد وقتادة : مدنية كلها ، وقال الحسن : مدنية إلا آية واحدة ، وهي قوله –تعالى- : [ ولا تطع منهم آثما أو كفورا ]( {[1]} ) .
2- والذي تطمئن إليه النفس أن هذه السورة ، من السور المكية الخالصة ، فإن أسلوبها وموضوعها ومقاصدها . . كل ذلك يشعر بأنها من السور المكية ، إذ من خصائص السور المكية ، كثرة حديثها عن حسن عاقبة المؤمنين ، وسوء عاقبة المكذبين ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالصبر ، وإثبات أن هذا القرآن من عند الله –تعالى- والتحريض على مداومة ذكر الله –تعالى- وطاعته . . وكل هذه المعاني نراها واضحة في هذه السورة .
ولقد رأينا الإمام ابن كثير –وهو من العلماء المحققين- عند تفسيره لهذه السورة ، قال بأنها مكية ، دون أن يذكر في ذلك خلافا ، مما يوحي بأنه لا يعتد بقول من قال بأنها مدنية .
3- وتسمى هذه السورة –أيضا- بسورة " هل أتى على الإنسان " ، فقد روى البخاري –في باب القراءة في الفجر- عن أبي هريرة ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر سورة " ألم السجدة " . وسورة " هل أتى على الإنسان " .
وتسمى –أيضا- بسورة : الدهر ، والأبرار ، والأمشاج ، لورود هذه الألفاظ فيها .
وعدد آياتها : إحدى وثلاثون آية بلا خلاف .
4- ومن مقاصدها البارزة : تذكير الإنسان بنعم الله –تعالى- عليه ، حيث خلقه –سبحانه- من نطفة أمشاج ، وجعله سميعا بصيراً ، وهداه السبيل .
وحيث أعد له ما أعد من النعيم الدائم العظيم . . متى أطاعه واتقاه .
كما أن من مقاصدها : إنذار الكافرين بسوء العاقبة إذا ما استمروا على كفرهم . وإثبات أن هذا القرآن من عند الله –تعالى- وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته بالصبر والإكثار من ذكر الله –تعالى- بكرة وأصيلا .
وبيان أن حكمته –تعالى- قد اقتضت أنه : [ يدخل من يشاء في رحمته ، والظالمين أعد لهم عذابا أليما ] .
الاستفهام فى قوله - تعالى - : { هَلْ أتى عَلَى الإنسان . . } للتقرير . والمراد بالإِنسان : جنسه ، فيشمل جميع بنى آدم ، والحين : المقدار المجمل من الزمان ، لأحد لأكثره ولا لأقله . والدهر : الزمان الطويل غير المحد بوقت معين .
والمعنى : لقد أتى على الإِنسان { حِينٌ مِّنَ الدهر } أى : وقت غير محدد من الزمان الطويل الممتد فى هذه الحياة الدنيا .
{ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } أى : لم يكن هذا الإِنسان فى ذلك الحين من الدهر ، شيئا مذكورا من بين أفراد جنسه ، وإنما كان شيئا غير موجود إلا فى علم الله - تعالى - .
ثم أوجده - سبحانه - بعد ذلك من نطفة فعلقة فمضغة . . ثم أنشأه - سبحانه - بعد ذلك خلقا آخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين .
فالمقصود بهذه الآية الكريمة بيان مظهر من مظاهر قدرته - عز وجل - حيث أوجد الإِنسان من العدم ، ومن كان قادرا على ذلك ، كان - من باب أول - قادرا على إعادته إلى الحياة بعد موته ، والحساب والجزاء .
قال الإِمام الفخر الرازى ما ملخصه : اتفقوا على أن " هل " هاهنا ، وفى قوله - تعالى - : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية } بمعنى قد ، كما تقول : هل رأيت صنيع فلان ، وقد علمت أنه قد رآه . وتقول : هل وعظتك وهل أعطيتك ، ومقصودك أن تقرره بأنك قد أعطيته ووعظته .
والدليل على أن " هل " هنا ليست للاستفهام الحقيقى . . أنه محال على الله - تعالى - فلابد من حمله على الخبر .
وجاءت الآية الكريمة بأسلوب الاستفهام ، لما فيه من التشويق إلى معرفة ما سيأتى بعده من كلام .
وجملة { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } فى وضع نصب على الحال من الإِنسان ، والعائد محذوف . أى : حالة كون هذا الإِنسان ، لم يكن فى ذلك الحين من الدهر ، شيئا مذكورا من بين أفراد جنسه . وإنما كان نسيا منسيا ، لا يعلم بوجوده أحد سوى خالقه - عز وجل - .
ثم فصل - سبحانه - بعد هذا التشويق ، أطوار خلق الإِنسان فقال : { إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ }
قد تقدم في صحيح مسلم ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة " الم تَنزيلُ " السجدة ، و " هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ " {[1]}
وقال عبد الله بن وهب : أخبرنا ابن زيد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه السورة : " هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ " وقد أنزلت عليه وعنده رجل أسود ، فلما بلغ صفة الجنان ، زفر زفرة فخرجت نفسه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أخرج نفس{[2]} صاحبكم - أو قال : أخيكم - الشوقُ إلى الجنة " . مرسل غريب{[3]} .
يقول تعالى مخبرًا عن الإنسان أنه أوجده بعد أن لم يكن شيئًا يذكر{[29582]} لحقارته وضعفه ، فقال : { هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا } ؟
تفسير سورة الإنسان{[1]}
بسم الله الرحمن الرحيم سورة الإنسان قال بعض المفسرين هي مكية كلها وحكى النقاش والثعلبي عن مجاهد وقتادة أنها مدنية وقال الحسن وعكرمة منها آية مكية وهي قوله تعالى 'ولا تطع منهم آثما أو كفورا' الإنسان 24 والباقي مدني وأنها نزلت في صنيع علي بن أبي طالب في إطعامه عشاءه وعشاء أهله وولده لمسكين ليلة ثم ليتيم ليلة ثم لأسير ليلة متواليات وقيل نزلت في صنيع ابن الدحداح رضي الله عنه{[2]} والله اعلم
{ هل } في كلام العرب قد يجيء بمعنى «قد » حكاه سيبويه ، لكنها لا تخلو من تقرير وبابها المشهور الاستفهام المحض والتقرير أحياناً . فقال ابن عباس وقتادة هي هنا بمعنى «قد » ، و { الإنسان } يراد به آدم عليه السلام ، و «الحين » : هي المدة التي بقي طيناً قبل أن ينفخ فيه الروح ؛ أي أنه شيء ولم يكن مذكوراً منوهاً به في العالم وفي حالة العدم المحض قبل { لم يكن شيئاً } ولا { مذكوراً } ، وقال أكثر المتأولين : { هل } تقرير ، و { الإنسان } اسم الجنس ، أي إذا تأمل كل إنسان نفسه علم بأنه قد مر { حين من الدهر } عظيم { لم يكن } هو فيه { شيئاً مذكوراً } ، أي لم يكن موجوداً ، وقد يسمى الموجود { شيئاً } فهو مذكور بهذا الوجه ، و «الحين » هنا : المدة من الزمن غير محدودة تقع للقليل والكثير ، وإنما تحتاج إلى تحديد الحين في الإيمان ، فمن حلف أن لا يكلم أخاه حيناً ، فذهب بعض الفقهاء إلى أن الحين سنة ، وقال بعضهم : ستة أشهر ، والقوي في هذا أن { الإنسان } اسم جنس وأن الآية جعلت عبرة لكل أحد من الناس ليعلم أن الصانع له قادر على إعادته .