معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة فاطر مكية وآياتها خمس وأربعون

قوله : { الحمد لله فاطر السموات والأرض } خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق ، { جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة } ذوي أجنحة { مثنى وثلاث ورباع } قال قتادة ومقاتل : بعضهم له جناحان ، وبعضهم له ثلاثة أجنحة ، وبعضهم له أربعة أجنحة ، ويزيد فيها ما يشاء وهو قوله ، { يزيد في الخلق ما يشاء } . وقال ابن مسعود في قوله عز وجل : { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } قال : رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح . وقال ابن شهاب في قوله : { يزيد في الخلق ما يشاء } قال : حسن الصوت . وعن قتادة قال : هو الملاحة في العينين . وقيل : هو العقل والتمييز . { إن الله على كل شيء قدير }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة فاطر

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة وتمهيد

1- سورة فاطر هي السورة الخامسة والثلاثون في ترتيب المصحف ، وكان نزولها بعد سورة الفرقان –كما ذكر صاحب الإتقان( {[1]} ) .

وهي من السور المكية الخالصة ، وتسمى أيضا –بسورة " الملائكة " .

قال القرطبي : هي مكية في قول الجميع ، وهي خمس وأربعون آية( {[2]} ) .

2- سورة فاطر هي آخر السور التي افتتحت بقوله –تعالى- : [ الحمد لله ] وقد سبقها في هذا الافتتاح سور : الفاتحة ، والأنعام ، والكهف ، وسبأ .

قال –سبحانه- في افتتاح سورة فاطر : [ الحمد لله فاطر السموات والأرض ، جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع ، يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ] .

3- ثم تحدث –سبحانه- بعد ذلك عن مظاهر نعمه على عباده ورحمته بهم ، فقال : [ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ، وما يمسك فلا مرسل له من بعده ، وهو العزيز الحكيم . . . ] .

4- ثم توجه السورة الكريمة نداءين إلى الناس ، تأمرهم في أولهما بشكر الله –تعالى- على نعمه ، وتنهاهم في ثانيهما عن الاغترار بزينة الحياة الدنيا وعن اتباع خطوات الشيطان . .

قال –سبحانه- : [ يأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم ، هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض . . ] . وقال –جل شأنه- : [ يأيها الناس إن وعد الله حق ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ، ولا يغرنكم بالله الغرور ] .

5- وبعد أن تسلي السورة الكريمة الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من أعدائه ، تأخذ في بيان مظاهر قدرة الله –تعالى- في خلقه ، فتذكر قدرته –سبحانه- في إرسال الرياح والسحب ، وفي خلقه للإنسان من تراب ، وفي إيجاده للبحرين : أحدهما عذب فرات سائغ شرابه ، والثاني : ملح أجاج ، وفي إدخاله الليل في النهار ، والنهار في الليل ، وفي تسخيره الشمس والقمر . .

قال –تعالى- : [ وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ، ومن كل تأكلون لحما طريا ، وتستخرجون حلية تلبسونها ، وترى الفلك فيه مواخر ، لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون . يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ، وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ، ذلكم الله ربكم له الملك ، والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ] .

6- ثم وجه –سبحانه- نداء ثالثا إلى الناس ، بين لهم فيه : افتقارهم إليه –تعالى- وحاجتهم إلى عونه وعطائه ، وتحمل كل إنسان لمسئولياته ولنتائج أعماله . .

كما بين لهم –سبحانه- أن الفرق بين الهدى والضلال ، كالفرق بين الإبصار والعمى ، وبين النور والظلمات ، وبين الحياة والموت ، وبين الظل والحرور .

قال –تعالى- : [ وما يستوي الأعمى والبصير ، ولا الظلمات ولا النور ، ولا الظل ولا الحرور ، وما يستوي الأحياء ولا الأموات ، إن الله يسمع من يشاء ، وما أنت بمسمع من في القبور ] .

7- ثم عادت السورة الكريمة إلى الحديث عن مظاهر قدرة الله –تعالى- ورحمته بعباده ، وعن الثواب العظيم الذي أعده –سبحانه- لمن يتلون كتابه ولمن يحافظون على فرائضه – وعن عقابه الأليم للكافرين الجاحدين لنعمه . .

قال –تعالى- : [ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء ، فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها ، وغرابيب سود . ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك ، إنما يخشى الله من عباده العلماء ، إن الله عزيز غفور . إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ، يرجون تجارة لن تبور ] .

ثم قال –سبحانه- : [ والذين كفروا لهم نار جهنم ، لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور ] .

8- ثم انتقلت السورة الكريمة في أواخرها إلى الحديث عن جهالات المشركين ، حيث عبدوا من دون الله –تعالى- مالا يملك لهم ضرا ولا نفعا ، وعن مكرهم السيئ الذي لا يحيق إلا بأهله ، وعن نقضهم لعهودهم حيث [ أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم ، فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا . . . ] .

ثم ختم –سبحانه- السورة الكريمة ببيان سعة رحمته بالناس فقال : [ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ، ما ترك على ظهرها من دابة ، ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ، فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ] .

9- وهكذا نرى سورة فاطر قد طوفت بالنفس الإنسانية في أرجاء هذا الكون ، وأقامت الأدلة على وحدانية الله –تعالى- وقدرته . عن طريق نعم الله –تعالى- المبثوثة في الأرض وفي السماء ، وفي الليل وفي النهار ، وفي الشمس وفي القمر : وفي الرياح وفي السحب ، وفي البر وفي البحر . . وفي غير ذلك من النعم التي سخرها –سبحانه- لعباده .

كما نراها قد حددت وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم وساقت له ما يسليه ويزيده ثباتا على ثباته ، وما يرشد كل عاقل إلى حسن عاقبة الأخيار ، وسوء عاقبة الأشرار .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . .

افتتحت سورة " فاطر " كما سبق أن ذركنا عند تفسيرنا لسورة " سبأ " بتقرير الحقيقة الأولى فى كل دين ، وهى أن المستحق للحمد المطلق ، والثناء الكامل ، هو الله رب العالمين .

و " أل " فى الحمد للاستغراق . بمعنى أن المستحق لجميع المحامد ، ولكافة ألوان الثناء هو الله - تعالى - .

وقوله : { فَاطِرِ السماوات والأرض } أى خالقهما وموجدهما على غير مثال يحتذى ، إذ لامراد بالفطر هنا : والاختراع للشئ الذى لم يوجد ما يشبهه من قبل .

قال القرطبى : والفاطر : الخالق ، والفَطْر - بفتح الفاء - : الشق عن الشئ . يقال فطرته فانفطر . ومنه : فطر ناب البعير ، أى : وتفطر الشئ ، أى : تشقق . .

والفطر : الابتداء والاختراع . قال ابن عباس : كنت لا أدرى ما { فَاطِرِ السماوات والأرض } حتى أتى أعرابيان يختصمان فى بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتهما ، أى : أنا ابتدأتها . .

والمراد بذكر السماوات والأرض : العالم كله . ونبه بهذا على أن من قدر على الابتداء ، قادر على الإِعادة .

والمعنى : الحمد المطلق والثناء التام الكامل لله - تعالى - وحده ، فهو - سبحانه الخالق للسموات والأرض ، ولهذا الكون بأسره ، دون أن يسبقه إلى ذلك سابق ، أو يشاركه فيما خلق وأوجد مشارك .

وقوله - تعالى - : { جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً أولي أَجْنِحَةٍ مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته - تعالى - التى لا يعجزها شئ .

والملائكة : جمع ملك . والتاء لتأنيث الجمع ، وأصله ملاك . وهم جند من خلق الله - تعالى - وقد وصفهم - سبحانه - بصفات متعددة ، منها : أنهم { يُسَبِّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ } وأنهم { عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } { لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } قال الجمل : وقوله : جاعل الملائكة ، أى : بعضهم . إذ ليس كلهم رسلا كما هو معلوم . وقوله : { أولي أَجْنِحَةٍ } نعت لقوله { رُسُلاً } ، وهو جيد لفظا لتوافقهما تنكيرا . أو هو نعت للملائكة ، وهو جيد معنى إذ كل الملائكة لها أجنحة ، فهى صفة كاشفة . .

وقوله : { مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } أسماء معدول بها عن اثنين اثنين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة ، وهى ممنوعة من الصرف ، للوصفية والعدل عن المكرر وهى صفة لأجنحة .

أى : الحمد لله الذى خلق السماوات والأرض بقدرته ، والذى جعل الملائكة رسلا إلى أنبيائه . وإلى من يشاء من عباده ، ليبلغوهم ما يأمرهم - سبحانه - بتبليغه إليهم . .

وهؤلاء الملائكة المكرمون ، ذوو أجنحة عديدة ، ذوو أجنحة عديدة . منهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ، ومنهم من له أربعة ، ومنهم من له أكثر من ذلك ، لأن المراد بهذا الوصف ، بيان كثرة الأجنحة لا حصرها .

قال الآلوسى ما ملخصه قوله : { جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً . . . } معناه : جاعل الملائكة وسائط بينه وبين أنبيائه والصالحين من عباده ، يبلغون إليهم رسالته بالوحى والإِلهام والرؤيا الصادقة ، أو جاعلهم وسائط بينه وبين خلقه يوصلون إليهم آثار قدرته وصنعه ، كالأمطار والرياح وغيرهما .

وقوله : { مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } معناه : أن من الملائكة من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ، ومنهم من له أربعة ، ولا دلالة فى الآية على نفى الزائد ، وما ذكر من عد للدلالة على التكثير والتفاوت ، لا للتعيين ولا لنفى النصان عن اثنين . .

فقد أخرج الشيخان عن ابن مسعود فى قوله - تعالى - { لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى } أن الرسول صلى الله عليه سولم رأى جبريل وله ستمائة جناح . .

وقوله - تعالى - : { يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَآءُ } استئناف مقرر لمضمون ما قبله ، من كمال قدرته ، ونفاذ إرادته .

أى يزيد - سبحانه - فى خلق كل ما يزيد خلقه ما يشاء أن يزيده من الأمور التى لا يحيط بها الوصف ، ومن ذلك أجنحة الملائكة فيزيد فيها ما يشاء ، وكذلك ينقص فى الخلق ما يشاء ، والكل جاء على مقتضى الحكمة والتدبير .

قال صاحب الكشاف : قوله { يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَآءُ } أى : يزيد فى خلق الأجنحة ، وفى غيره ما تقتضيه مشيئته وحكمته .

والآية مطلقة تتناول كل زيادة فى الخلق : من طول قامة ، واعتدال صورة ، وتمام الأعضاء ، وقوة فى البطش ، وحصافة فى العقل ، وجزالة فى الرأى ، وجرأة فى القلب ، وسماحة فى النفس ، وذلاقة فى اللسان ، ولباقة فى التكلم ، وحسن تأن فى مزاولة الأمور ، وما أشبه ذلك مما لا يحيط به الوصف . .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقولهك { إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أى : إن الله - تعالى - لا يعجزه شيئ يريده ، لأنه قدير على فعل كل شئ ، فالجملة الكريمة تعليل لما قبلها من كونه - سبحانه - يزيد فى الخلق ما يشاء ، وينقص منه ما يشاء .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
[2]:- سورة الإسراء. الآية 9.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {[24437]} } .

قال سفيان الثوري ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض ، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما [ لصاحبه ] : أنا فطرتها ، أنا بدأتها . فقال ابن عباس أيضًا : { فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ } بديع السموات والأرض . {[24438]}

وقال الضحاك : كل شيء في القرآن فاطر السموات والأرض فهو : خالق السموات والأرض .

وقوله : { جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا } أي : بينه وبين أنبيائه ، { أُولِي أَجْنِحَةٍ } أي : يطيرون بها ليبلغوا ما أمروا به سريعًا { مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } أي : منهم مَنْ له جناحان ، ومنهم مَنْ له ثلاثة{[24439]} ومنهم مَنْ له أربعة ، ومنهم مَنْ له أكثر من ذلك ، كما جاء في الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل ليلة الإسراء وله ستمَائة جناح ، بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب ؛ ولهذا قال : { يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . قال السدي : يزيد في الأجنحة وخلقهم ما يشاء .

وقال الزهري ، وابن جُرَيْج{[24440]} في قوله : { يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ } يعني : حسن الصوت . رواه عن الزهري البخاري في الأدب ، وابن أبي حاتم في تفسيره .

وقرئ في الشاذ : " يَزِيدُ في الحلق " ، بالحاء المهملة ، والله أعلم .


[24437]:- زيادة من ت، س، أ.
[24438]:- رواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (1682) من طريق يحيي بن سعيد عن سفيان به.
[24439]:- في ت : "ثلاثة أجنحة".
[24440]:- في ت : "جرير".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { الْحَمْدُ للّهِ فَاطِرِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيَ أَجْنِحَةٍ مّثْنَىَ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

يقول تعالى ذكره : الشكر الكامل للمعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له ، ولا ينبغي أن تكون لغيره خالق السموات السبع والأرض ، جاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلاً إلى من يشاء من عباده ، وفيما شاء من أمره ونهيه أُولي أجْنِحَةٍ مّثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ يقول : أصحاب أجنحة : يعني ملائكة ، فمنهم من له اثنان من الأجنحة ، ومنهم من له ثلاثة أجنحة ، ومنهم من له أربعة ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أُولي أجْنِحَةٍ مّثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ قال بعضهم : له جناحان ، وبعضهم : ثلاثة ، وبعضهم أربعة .

واختلف أهل العربية في علة ترك إجراء مَثْنَى وثلاث ورباع ، وهي ترجمة عن أجنحة ، وأجنحة نكرة ، فقال بعض نحوييّ البصرة . تُرك إجراؤهنّ لأنهنّ مصروفات عن وجوههنّ ، وذلك أن مثنى مصروف عن اثنين ، وثلاث عن ثلاثة ، ورُباع عن أربعة ، فصرف نظيرُ عمَرَ ، وزُفَرَ ، إذ صُرِف هذا عن عامر إلى عمر ، وهذا عن زافر إلى زُفر ، وأنشد بعضهم في ذلك :

وَلَقَدْ قَتَلْتُكُمُ ثُناءَ وَمَوْحَدَا *** وترَكْتُ مَرّةَ مِثْلَ أمْسِ المُدْبِرِ

وقال آخر منهم : لم يصرف ذلك لأنه يوهم به الثلاثة والأربعة ، قال : وهذا لا يستعمل إلا في حال العدد . وقال بعض نحوييّ الكوفة : هنّ مصروفات عن المعارف ، لأن الألف واللام لا تدخلها ، والإضافة لا تدخلها قال : ولو دخلتها الإضافة والألف واللام لكانت نكرة ، وهي ترجمة عن النكرة قال : وكذلك ما كان في القرآن ، مثل : أنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ، وكذلك وُحاد وأحاد ، وما أشبهه من مصروف العدد .

وقوله : يَزِيدُ فِي الخَلْقِ ما يَشاءُ وذلك زيادته تبارك وتعالى في خلق هذا الملك من الأجنحة على الاَخر ما يشاء ، ونقصانه عن الاَخر ما أحبّ ، وكذلك ذلك في جميع خلقه يزيد ما يشاء في خلق ما شاء منه ، وينقص ما شاء من خلق ما شاء ، له الخلق والأمر ، وله القدرة والسلطان إنّ اللّهَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقول : إن الله تعالى ذكره قدير على زيادة ما شاء من ذلك فيما شاء ، ونقصان ما شاء منه ممن شاء ، وغير ذلك من الأشياء كلها ، لا يمتنع عليه فعل شيء أراده سبحانه وتعالى .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة فاطر مكية وآيها خمس وأربعون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم { الحمد لله فاطر السماوات والأرض } مبدعهما من الفطر بمعنى الشق كأنه شق العدم بإخراجهما منه ، والإضافة محضة لأنه بمعنى الماضي . { جاعل الملائكة رسلا } وسائط بين الله وبين أنبيائه والصالحين من عباده ، يبلغون إليهم رسالاته بالوحي والإلهام والرؤيا الصادقة ، أو بينه وبين خلقه يوصلون إليهم آثار صنعه . { أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع } ذوي أجنحة متعددة متفاوة بتفاوت ما لهم من المراتب ينزلون بها ويعرجون ، أو يسرعون بها نحو ما وكلهم الله عليه فيتصرفون فيه على أمرهم به ، ولعله لم يرد به خصوصية الإعداد ونفي ما زال عليها ، لما وري أنه عليه الصلاة والسلام رأى جبريل ليلة المعراج وله ستمائة جناح { يزيد في الخلق ما يشاء } استئناف للدلالة على أن تفاوتهم في ذلك بمقتضى مشيئته ومؤدى حكمته لا أمر تستدعيه ذواتهم ، لأن اختلاف الأصناف ، والأنواع بالخواص والفصول إن كان لذواتهم المشتركة لزم تنافي لوازم الأمور المتفقة وهو محال ، والآية متناولة زيادات الصور والمعاني كملاحة الوجه وحسن الصوت وحصافة العقل وسماحة النفس . { إن الله على كل شيء قدير } وتخصيص بعض ، الأشياء بالتحصيل دون بعض ، إنما هو من جهة الإرادة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (1)

مقدمة السورة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين

سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

( 35 ) سورة فاطر مكية

وآياتها خمس وأربعون

هذه السورة مكية{[1]}

بسم الله الرحمن الرحيم

الألف واللام في { الحمد } لاستغراق الجنس على أتم عموم ، لأن { الحمد } بالإطلاق على الأفعال الشريفة والكمال هو لله تعالى والشكر مستغرق فيه لأنه فصل من فصوله ، و { فاطر } معناه خالق لكن يزيد في المعنى الانفراد بالابتداء لخلقها ، ومنه قول الأعرابي المتخاصم في البئر عند ابن عباس : أنا فرطتها ، أراد بدأت حفرها . قتال ابن عباس ما كنت أفهم معنى { فاطر } حتى سمعت قول الأعرابي{[9686]} ، وقرأ الجمهور «الحمد لله فطر » ، وقرأ جمهور الناس «جاعلِ » بالخفض ، وقرأت فرقة «جاعلُ » بالرفع على قطع الصفة ، وقرأ خليد بن نشيط «جعل » على صيغة الماضي «الملائكة » نصباً ، فأما على هذه القراءة الأخيرة فنصب قوله { رسلاً } على المفعول الثاني ، وأما على القراءتين المتقدمتين فقيل أراد ب «جاعل » الاستقبال لأن القضاء في الأزل وحذف التنوين تخفيفاً وعمل عمل المستقبل في { رسلاً } ، وقالت فرقة { جاعل } بمعنى المضي و { رسلاً } نصب بإضمار فعل ، و { رسلاً } معناه بالوحي وغير ذلك من أوامره ، فجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل رسل ، والملائكة المتعاقبون رسل ، والمسددون لحكام العدل رسل وغير ذلك ، وقرأ الحسن «رسْلاً » بسكون السين ، و { أولي } جمع واحده ذو ، تقول ذو نهية والقوم أولو نهي ، وروي عن الحسن أنه قال في تفسير قول مريم { إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً }{[9687]} [ مريم : 18 ] قال علمت مريم أن التقي ذو نهية .

وقوله { مثنى وثلاث ورباع } ألفاظ معدولة من اثنين وثلاثة وأربعة عدلت في حال التنكير فتعرفت بالعدل ، فهي لا تنصرف للعدل والتعريف ، وقيل للعدل والصفة ، وفائدة العدل الدلالة على التكرار لأن { مثنى } بمنزلة قولك اثنين اثنين ، وقال قتادة : إن أنواع الملائكة هي هكذا منها ما له جناحان ، ومنها ما له ثلاثة ، ومنها ما له أربعة ، ويشذ منها ما له أكثر من ذلك ، وروي أن لجبريل ستمائة جناح منهِا اثنان تبلغ من المشرق إلى المغرب ، وقالت فرقة المعنى أن في كل جانب من الملك جناحين ، ولبعضهم ثلاثة في كل جانب ، ولبعضهم أربعة ، وإلا فلو كانت ثلاثة لكل واحد لما اعتدلت في معتاد ما رأيناه نحن من الأجنحة ، وقيل بل هي ثلاثة لكل واحد كالحوت والله أعلم بذلك ، وقوله تعالى : { يزيد في الخلق ما يشاء } تقرير لما يقع في النفوس من التعجب والاستغراب عن الخبر بالملائكة أولي الأجنحة ، أي ليس هذا ببدع في قدرة الله تعالى فإنه يزيد في خلقه ما يشاء ، وروي عن الحسن وابن شهاب أنهما قالا المزيد هو حسن لصوت قال الهيثم الفارسي : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي : أنت الهيثم الذي تزين القرآن بصوتك جزاك الله خيراً ، وقيل الزيادة الخط الحسن ، وقال النبي عليه السلام :

«الخط الحسن يزيد الحق وضوحاً »{[9688]} ، وقال قتادة الزيادة ملاحة العينين .

قال القاضي أبو محمد : وقيل غير هذا وهذه الإشارة إنما ذكرها من ذكرها على جهة المثال لا أن المقصود هي فقط ، وإنما مثل بأشياء هي زيادات خارجة عن الغالب الموجود كثيراً وباقي الآية بين .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[9686]:جاء أعرابيان غلى ابن عباس رضي الله عنهما يختصمان في بئر، فقال أحدهما:"أنا فطرتها" أي: أنا ابتدأت حفرها، والفَطر في اللغة: الشق عن الشيء، يقال: فطرته فانفطر، ومنه: فطر ناب البعير، أي طلع، وسيف فطار، أي: فيه تشقق، قال عنترة: وسيفي كالعقيقة فهو كِمعي سلاحي لا أفل ولا فطارا أي: هو كشعاع الشمس، وهو ضجيعي، ليس فيه شقوق ولا ثلوم.
[9687]:من قوله تعالى في الآية(18) من سورة (مريم):{قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا}.
[9688]:أخرجه الديلمي في مسند الفردوس، عن أم سلمة رضي الله عنها، ورمز له الإمام السيوطي في الجامع الصغير بأنه ضعيف. وفي القرطبي:"وقال مهاجر الكلاعي: قال النبي صلى الله عليه وسلم:(الخط الحسن...الحديث).