{ الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا } قد ذكرنا فيما تقدم أن الحمد يكون على النعمة في أكثر الأمر ، ونعم الله قسمان : عاجلة وآجلة ، والعاجلة وجود وبقاء ، والآجلة كذلك إيجاد مرة وإبقاء أخرى ، وقوله تعالى : { الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور } إشارة إلى النعمة العاجلة التي هي الإيجاد ، واستدللنا عليه بقوله تعالى : { هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا } [ الأنعام : 2 ] وقوله في الكهف : { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب } [ الكهف : 1 ] إشارة إلى النعمة العاجلة التي هي الإبقاء ، فإن البقاء والصلاح بالشرع والكتاب ، ولولاه لوقعت المنازعة والمخاصمة بين الناس ولا يفصل بينهم ، فكان يفضي ذلك إلى التقاتل والتفاني ، فإنزال الكتاب نعمة يتعلق بها البقاء العاجل ، وفي قوله في سورة سبأ : { الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة } [ سبأ : 1 ] إشارة إلى نعمة الإيجاد الثاني بالحشر ، واستدللنا عليه بقوله : { يعلم ما يلج في الأرض } من الأجسام { وما يخرج منها وما ينزل من السماء } من الأرواح { وما يعرج فيها } [ سبأ : 2 ] وقوله عن الكافرين : { وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي } [ سبأ : 3 ] وههنا الحمد إشارة إلى نعمة البقاء في الآخرة ، ويدل عليه قوله تعالى : { جاعل الملائكة رسلا } أي يجعلهم رسلا يتلقون عباد الله ، كما قال تعالى : { وتتلقاهم الملائكة } وعلى هذا فقوله تعالى { فاطر السموات } يحتمل وجهين الأول : معناه مبدعها كما نقل عن ابن عباس والثاني : { فاطر السموات والأرض } أي شاقهما لنزول الأرواح من السماء وخروج الأجساد من الأرض ويدل عليه قوله تعالى : { جاعل الملائكة رسلا } فإن في ذلك اليوم تكون الملائكة رسلا ، وعلى هذا فأول هذه السورة متصل بآخر ما مضى ، لأن قوله كما فعل بأشياعهم بيان لانقطاع رجاء من كان في شك مريب وتيقنه بأن لا قبول لتوبته ولا فائدة لقوله آمنت . كما قال تعالى عنهم : { وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش } فلما ذكر حالهم بين حال الموقن وبشره بإرساله الملائكة إليهم مبشرين ، وبين أنه يفتح لهم أبواب الرحمة .
وقوله تعالى : { أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع } أقل ما يكون لذي الجناح أن يكون له جناحان وما بعدهما زيادة ، وقال قوم فيه إن الجناح إشارة إلى الجهة ، وبيانه هو أن الله تعالى ليس فوقه شيء ، وكل شيء فهو تحت قدرته ونعمته ، والملائكة لهم وجه إلى الله يأخذون منه نعمه ويعطون من دونهم مما يأخذوه بإذن الله ، كما قال تعالى : { نزل به الروح الأمين * على قلبك } وقوله : { علمه شديد القوى } [ النجم : 5 ] وقال تعالى في حقهم : { فالمدبرات أمرا } [ النازعات : 5 ] فهما جناحان ، وفيهم من يفعل ما يفعل من الخير بواسطة ، وفيهم من يفعله لا بواسطة ، فالفاعل بواسطة فيه ثلاث جهات ، ومنهم من له أربع جهات وأكثر ، والظاهر ما ذكرناه أولا وهو الذي عليه إطباق المفسرين .
وقوله تعالى : { يزيد في الخلق ما يشاء } من المفسرين من خصصه وقال المراد الوجه الحسن ، ومنهم من قال الصوت الحسن ، ومنهم من قال كل وصف محمود ، والأولى أن يعمم ، ويقال الله تعالى قادر كامل يفعل ما يشاء فيزيد ما يشاء وينقص ما يشاء .
وقوله تعالى : { إن الله على كل شيء قدير } يقرر قوله : { يزيد في الخلق ما يشاء } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.