تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (1)

بسم الله الرحمان الرحيم

الآية 1 قوله تعالى : { الحمد لله فاطر السماوات والأرض } ما ذُكر في القرآن { الحمد لله } إلا وذُكر على إثره التعظيم لله والإجلال له ، وذُكر{[17123]} ما أنعم به على الخَلْق ليُلزمهم الشكر له والثناء عليه نحو ما ذكر : { الحمد لله فاطر السماوات والأرض } [ فاطر : 1 ] ونحو ما قال : { الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض } [ سبأ : 1 ] ونحو قوله : { الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض } الآية [ الأنعام : 1 ] وقوله : { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب } الآية [ الكهف : 1 ] [ وقوله ]{[17124]} { الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا } الآية [ الإسراء : 111 ] .

جميع ما ذُكر في القرآن من الحمد له ذُكر على إثره ما يوجب التعظيم له والتبجيل والثناء عليه والشكر له تعليما منه الخلق الثناء على ذلك والشكر له ، وبالله المعونة والقوة على ذلك .

وقوله تعالى : { فاطر السماوات والأرض } قال بعضهم : الفاطر ، هو المبتدئ أو البادئ ، هو قول القتبيّ من أهل الأدب . وكذلك ذكر عن ابن عباس رضي الله عنه ، أنه قال : ما أدري ما فاطر السماوات والأرض ، حتى جاء أعرابيان ، فاختصما في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أنا بدأتها . فعند ذلك عرفت ، أو كلام نحوه .

ويجيء أن يكون الفاطر ، هو الشاقّ ، أي شق السماوات كلها من واحدة وكذلك الأرضين كقوله : { إذا السماء انفطرت } [ الانفطار : 1 ] أي انشقت كما قال : { إن الله فالق الحبّ والنوى } [ الأنعام : 95 ] أي الشاق .

لكن جميع ما أضيف إلى الله من الشق والفطر والجعل وغيره من نحو قوله : { جاعل الملائكة رُسُلا } كله على اختلاف الألفاظ عبادة عن الخلق ، أي [ هو ]{[17125]} خالق ذلك كله .

وأصل الخلق في اللغة هو التقدير ، خلقت أي قدّرت . وكذلك قال الكسائي : إن الفطر في كلام العرب هو الشقّ ، معناه أنه شق من السماء ست سماوات ومن الأرض مثلهن . ومنه الحديث : ( حتى تفطّرت قدماه دما ) [ بنحوه البخاري 1130 ] .

وقوله تعالى : { جاعل الملائكة رسلا } ففي ظاهر الآية جميع الملائكة رسلا . فإن كان على ذلك فكأنه ولّى كل واحد منهم أمرا من أمور الخلق والعباد . وإن كان على البعض فيكون تأويله : جاعل من الملائكة رسلا ، أو في الملائكة رسلا .

ثم أخبر عن الملائكة أنهم أولوا أجنحة ، تمنعهم عن بعض العمل ، ولا تزيد لهم نفعا ، بل تُنقص .

وأما ما ذكر من عدد الأجنحة للملائكة ، فذلك لا يمنعهم عن الطيران ، بل تزيد لهم قوة ومقدرة على ذلك .

ثم قال : { يزيد في الخلق ما يشاء } قال بعضهم : يزيد في الملائكة على أربعة أجنحة ما يشاء { إن الله على كل شيء قدير } من خلق الأجنحة والزيادة{[17126]} .

وذُكر أن لإسرافيل ستة أجنحة ولجبريل ست مئة جناح{[17127]} . ذُكر عن ابن مسعود رضي الله عنه [ أنه قال : رأى ]{[17128]} رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جبريل ، وله ست مئة جناح .

وقال بعضهم : { يزيد في الخلق ما يشاء } أي الصوت الحسن ، وقال بعضهم : الشعر الحسن ، فهو في ما ذكروا من الزيادة في الأجنحة أشبه وأقرب { إن الله على كل شيء قدير } من الزيادة والابتداء ، لا يصعب عليه .


[17123]:في م: على.
[17124]:ساقطة من الأصل وم.
[17125]:ساقطة من الأصل وم.
[17126]:في الأصل وم: في الزيادة.
[17127]:في الأصل وم: أجنحة.
[17128]:في الأصل وم: يقول أرى.